العادة الوحيدة التي ستغير حياتك

 

د. أمجد الجنباز

سبق وتحدثت عن إدمان العادات وكيف أنه من السهل الدخول بحلقة الإدمان التي تتألف من ثلاث خطوات فقط!
وهي 
المنبه، الذي يجعلك تدخل في حلقة الإدمان، وقد يكون خارجيا أو داخليا.

ثم الروتين، وهو الفعل الذي تفعله بعد حدوث المنبه، كالتدخين مثلا أو التعصب..

وأخيراً الجائزة، وهو شعورك بالسعادة (ولو وهمياً) بعد فعلك للروتين.. هذه السعادة هي ما سيجعلك تكرر العادة مراراً وتكراراً.

 

من الصعب جداً تغيير العادات، فبعض العادات قد تحتاج لسنين ليتمكن الشخص من تغييرها. 
هل تذكر محاولاتك الفاشلة في إنقاص وزنك؟ هل تذكر محاولاتك المتكررة للتوقف عن التدخين؟ وغيرها الكثير...

هناك خبران: أحدهما سار جداً، والآخر مزعج. سأبدأ بالخبر السار، فبالرغم من صعوبة التغيير، لكنه ومع ذلك له مفاتيح سرية تسرع من حدوثه دون عناء كبير. فكل ما تحتاجه هو تغيير عادة واحدة فقط.

نعم، هناك عادة واحدة فقط، تتركها أو تكتسبها وستتغير حياتك للأبد.

هذا هو الخبر السار، وسأخبركم فالخبر المزعج في النهاية، سأذكر لكم قصة توضح كيف يحدث ذلك، وهي قصة لأحد الزملاء، فجأة رأيته، وقد نقص وزنه ٨ كيلوغرامات في شهر تقريباً. ليس ذلك فقط، بل حتى انه أصبح مدمناً على تناول الطعام الصحي والابتعاد عن الوجبات السريعة مع ممارسة الرياضة بشكل يومي.
عندما سألته عن كيف فعل ذلك، فأخبرني بأنه لم يفكر أبداً بإنقاص وزنه ولا ممارسة الرياضة، لكن ما فعله أنه قام بتغيير عادة واحدة فقط.

بدأت القصة عندما قرر أن يعرف أكثر عن الكالوري، فبدأ بالقراءة والبحث فيه. علم عندها أن الإنسان يحرق يومياً في نشاطاته الاعتيادية ٢٠٠٠ كالوري. وبذلك فإن عليك أن تتناول يومياً ٢٠٠٠ كالوري فقط حتى تحافظ على وزنك. أي زيادة عن ذلك فإنها ستتحول إلى سمنة.
هذه المعلومة البسيطة كانت كفيلة بتغيير عادته الغذائية للأبد، حيث إنها جعلته يبدأ بقراءة الكالوري على كل ما يريد أكله، علم عندها أن الهمبرجر المتوسطة تحوي ٥٠٠ كالوري، والبطاطس المقلية ذات الحجم المتوسط تحوي ٤٠٠ كالوري، قطعة الشوكالا المتوسطة تحوي ٢٥٠ كالوري، وبحسبة بسيط فإن وجبة عشاء بسيطة تحوي الهمبرجر والبطاطس مع المشروب الغازي تحوي أكثر من الف كالوري! هذا دون باقي طعام اليوم.

وهنا بدأ يحاول جاهدا تناول ٢٠٠٠ كالوري فقط يومياً، بدأ المشوار بصعوبة، فهذا الرقم من الصعب الانتقال إليه بسهولة، وهنا بدأ بالبحث عن طرق لحرق الكالوري الزائدة التي كان يتناولها، فبدأ بممارسة الرياضة التي تتراوح بين المشي أو اللعب مع أبنائه أو حتى تنظيف المنزل. كل ذلك حتى يحرق ما زاد من كالوري، مع الوقت بدأ يقل عدد الكالوري التي يتناولها مع استمراره بممارسة الرياضة، وبدأ بخسارة الوزن مع زيادة عاداته الصحية.

ثم بدأ بعد ذلك بالدهون المشبعة إضافة للكالوري، وبدأ بالابتعاد عن أطعمة أخرى سيئة مليئة بالدهون المشبعة، وتحول بسبب إدمان عادة واحدة فقط (عن طريق الفضول) إلى نظام غذائي صحي مع نقصان وزنه.

في الحقيقة هناك كتب بطولها تتحدث عن هذا التغيير. التغيير الذي يحدث بعادات صغيرة جداً تتسبب في تغيير المجتمع.

فكتاب Tipping Point يذكر الكثير من الأمثلة عن مدن تغيرت بأكملها بذلك. فنيويورك مثلاً تحولت من أكثر مدينة فيها جرائم في أمريكا في التسعينات، إلى أكثر مدينة كبيرة أمانا في أمريكا في عشر سنوات فقط!

حدث ذلك بتغيير عادة واحدة. وهي منع رسم الجرافيتي في المترو وطمسها لمدة خمس سنوات، ثم حبس من يدخل المترو دون أن يدفع دولاراً ثمن الركوب، واستمر تطبيق ذلك لخمس سنوات أخرى!

أما سبب هذا التغيير الكبير في نسبة الجريمة بسبب هاتين العادتين، فهو إزالة التشوه البصري والعبارات المنفرة التي تزيد من نسبة حدوث العنف في المترو الذي يرتاده معظم السكان. 
أما الإمساك بمن يتهرب من دفع الدولار فكان يرسل اشارة بأن الشرطة تضبط الأمور التافهة، فما بالك بالأمور الأصعب، كما أنها قللت من حمل الأسلحة والسكاكين في المترو، بسبب كثرة الشرطة عند بوابات الدخول.

التغيير الشخصي والمجتمعي صعب جداً، لكن له مفاتيح بسيطة جداً، يؤدي تغييرها إلى إحداث تغيرات ضخمة وجذرية، وهذا يجعلنا نصل إلى الخبر المزعج، وهو أنه ليس من السهل معرفة تلك العادة البسيطة التي عليك تغييرها، فحتى رئيس شرطة نيويورك واجهته معارضة شديدة عندما قرر أن يكون جلّ همّه وهدفه الرئيس هو طمس الجرافيتي!

لذلك، فإن التغيير صعب جداً، إلا إن وجدت المفتاح السحري، عندها فقط، سيكون التحويل أسهل وأسرع بكثير مما تتوقع، بنظرة كهذه، وتفكير فيما يحدث حولك، قد تبدأ باستيعاب كيف بعث الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى أمة أمية فحولهم في سنوات قليلة جداً من أمة بلا هدف مستعدين أن يقتتلوا لمدة أربعين سنة في داحس والغبراء بسبب خسارتهم في سباق إلى أمة أسقطت دولة الروم وفارس في مدة أقصر من مدة الحرب تلك!

توقف عن التفكير بالطرق التقليدية في تغيير نفسك ومجتمعك، وابحث عن الطرق المختصرة والمفاتيح السحرية التي تصنع المعجزات، الأمر صعب، لكن من الممكن مراقبة مفاتيح التغيير التي مارستها الأمم الأخرى، أو مارستها أمتنا في وقت سابق، لعلنا نقترب من الوصول المفتاح السحري الذي سيغيرنا.

التغييرات الكبيرة لا (تبدأ) بخطوات بسيطة .. بل هي عبارة عن خطوات بسيطة، لكننا نجهلها فقط، ونحاول التغييرباستخدام الطرق الصعبة.

 

د. أمجد الجنباز

مؤلف وباحث في مجال الإدارة

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.