إيفا دوفيتري ميروفيتش والخیام

تقول مترجمة الكتاب عن الفرنسية عائشة موماد إن الرباعيات تعد من أجمل الأشعار التي نظمها مولانا جلال الدين الرومي، وقد ترجم مختارات منها من الفارسية إلى العربية الدكتور عيسى علي العاكوب بمساعدة الأستاذ الإيراني مرتضى قشمي، إذ أسدى العاكوب خدمات جليلة للقارئ العربي عندما كرس جزءاً كبيراً من وقته لترجمة بعض آثار الرومي ومصنفات أخرى لعدد من المستشرقين حول الرومي، ملقياً الضوء على إبداعاته العرفانية والأدبية. كما أن كتاب «الرومي والتصوف» للباحثة الفرنسية إيفا دوفيتري ميروفيتش قد وجد طريقه إلى المكتبة العربية بفضل جهود العاكوب.

لقد قامت ميروفيتش بترجمة جل أعمال جلال الدين الرومي وهي: «فيه ما فيه»، «ديوان المثنوي»، «ديوان شمس تبريز» ثم «الرباعيات» التي تقدم موماد في كتابها هذا مختارات منها اعتماداً على النسخة الفرنسية الصادرة سنة 1993.

وكانت أول ترجمة للرباعيات إلى اللغة الفرنسية سنة 1946 في إسطنبول، وكانت نسخة ممتازة لآصف شلبي وتضمنت 276 رباعية. ثم قامت اإيفا دوفيتري ميروفيتش بمشاركة جمشيد مرتضوي بترجمة نسخة تضمنت أكثر من ألف رباعية نشرت لأول مرة سنة 1987 عن دار البين ميشال في فرنسا.

تقول موماد إن ميروفيتش قد اعتمدت في ترجمتها للرباعيات من الفارسية على نشرة العلامة بديع الزمان فروزنفر التي تضمنت نحو ألفي رباعية، لكنها اكتفت بترجمة البعض منها فقط لاستحالة تقديم النصوص كاملة من دون أن تفقدها جماليتها الأصلية.

تقول إيفا ميروفيتش في مقدمة كتابها: «هذا النوع من النظم الشعري يختلف عن نظم المثنوي أو الغزليات، يجعلك تواجه صعوبة شديدة في الترجمة، ليس حول إيصال المعنى للمتلقي، حتى وإن كان عميقاً، فإنه يظهر دائماً بشكل مفهوم، بل حول الأسلوب والإبداع الأدبي. لقصر أبيات الرباعية، تتكثف فيها مجموعة من الصور والإيحاءات، تنتمي إلى ثقافة معينة، ويصعب عليها المرور بسهولة إلى لغة ثانية».

من هنا، ارتأت ميروفيتش القيام بانتقاء دقيق للرباعيات، لكي لا تشوه جمالية تلك الأشعار، «حيث تتشابك ظلال الأحوال الروحية من رغبة وشوق وحزن وحلم وعشق إلهي».

بدورها حذت المترجمة عائشة موماد حذو ميروفيتش فاختارت ترجمة خمسين رباعية، من دون تحريف للمعاني العميقة أو تشويه لجمالية النص وعذوبته.

أما الباحث المصري خالد محمد عبده الذي قدّم للترجمة فكتب يقول: «في كتابه هذه الأميركا: أبحاث في الجذور العربية والإسلامية في للمجتمع الأميركي) يخصص جوناثان كورييل فصلاً للحديث عن الإغواء المستمر للكتابات الصوفية والقصص العربية التي تأخذ بلبّ الأميركي لما فيها من إنسانية راقية وعزفٍ لأنغام السلام الدائم وروح التسامح الحقّ الذي يبحث عنه كل إنسان على هذه الأرض الملآى بالعنف والدمار. تتنزل ملاحظة كورييل على الإنسان العربي اليوم، إذ يلاحظ المتابع فرار الكثيرين إلى روحانية الإسلام، باعتبارها ملاذاً آمنا وعاصما من الوقوع في آتون استلاب الحديث عن السياسات».

يتناول عبده في تقديمه حضور جلال الدين الرومي في الثقافة العربية، «الذي بدأ بإصدار مطبعة بولاق أجمل طبعات المثنوي، وشرحه العربي (المنهج القوي لطلاب المثنوي)؛ وتطور بعد إنشاء معهد اللغات الشرقية بكلية الآداب في الجامعة المصرية، إذ أضحى المثنوي وقتها مادة للدراسة والترجمة، بفضل الأساتذة الأوائل الذين درسوا على أيدي المستشرقين المتخصصين في الأدب الفارسي».

تقول إيفا ميروفيتش: «لقد كرّست كل حياتي للشاعر الصوفي الكبير مولانا جلال الدين الرومي، لأني وجدت أن رسالته تخاطب الوقت الراهن. إنها رسالة حب، ذات بعد أخوي».

كيف تعرفت إيفا على عالم الرومي؟

في عام 1970 سافرت إيفا من باريس إلى مصر، وهناك درّست في جامعتي الأزهر وعين شمس. وحول اعتناقها الإسلام، تقول: «تعرّفتُ على الدّين الإسلامي بطريقة أكاديمية في بادئ الأمر، ودرستُ مؤلفات الشاعر الباكستاني إقبال دراسة عميقة. ودرست ما يتخلل شريعة الإسلام والسُّنة من أمور مبهمة على الفهم العادي، لكي أتعرّف على حقيقته، فقرأت للفيلسوف الغزّالي مثلاً وغيره كثيرين. واكتشفتُ أن الإسلام دينٌ حيّ. وقد كنتُ محبّة دوماً لتعريف البيضاوي وتفسيره للإيمان إذ يرى أن الإيمان يقتضي باختصار وتركيز (أن يتقبّل الإنسانُ الشيء على أنه حقيقي مع سلامة القلب والعقل). وقد رأيتُ أن الإسلام وحده هو الكفيل بأن يحقق لي هذا الإيمان».

حصلت إيفا على دكتوراه الدولة في الفلسفة، كما درست العلوم الإسلامية واللغة الفارسية لتنشر كتابها (التصوف والشعر في الإسلام) وخاصة عن الرومي والدراويش المولوية. تخصصت إيفا في الفلسفة الإسلامية، ولا سيما أدبيات التصوف الفارسي، وكانت دائمة البحث عن المخطوطات فقامت بدرسها وتلخيصها ونقلها إلى القارئ الأوروبي في لغة مبسّطة ومفهومة.

كانت إيفا تحلم بأن تعرّف الشعب الفرنسي وجميع الدول الناطقة بالفرنسية بالرسالة الجمالية للإسلام، وقد تمكنت من تحقيق حلمها عندما ترجمت أغلب أعمال جلال الدين الرومي.

الکلمات الرئیسیة: 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.