تدريس باب المدود: رؤية علمية تربوية

الحمد لله ربِّ العالمين؛ والصلاة والسلام على خاتم المرسلين؛ وبعد...

في هذا المقال سنحاول بمشيئة الله – عزَّ وجلَّ –  شرح باب المدود كتطبيق مُوسَّع على طرح: ((نحو تجويد إبداعي)) في مقال سابق؛ ولأنَّ المُستهدف من هذا الطرح فئة المدرسين القرآنيين والمهتمين بعلوم التجويد وطرق تدريسه؛ فقد انصبَّ الاهتمام على بلورة خُطَّةٍ عملية مبنية بناءً منطقيًّا ومتدرجةٍ في عرضها؛ مع مراعاة الجوانب التربوية؛ دون الإخلال بدقة المعلومة النظرية المتلقاة، وإعطاء مساحة مُناسبة للابتكار والاستنباط والتطبيق العملي.وليعلم المدرس الحاذق أنَّ الخطة المرسومة هنا للاسترشاد؛ والمُبدعُ هو من يُطوِّر المقترح؛ ويبتكر الجديد بما يتناسب مع إمكاناته؛ وإنَّما جاء هذا العرض من باب تلاقح الأفكار؛ وتبسيط الفكرة.

وأهمُّ ما يُراعى في تدريس العلوم التدرُّج؛ وكُلَّما كانت المعلومات مُتسلسلة منطقيًّا كانت أيسر فهمًا وأكثر رسوخًا في ذهن المتعلم؛ ولعلَّنا جميعًا لاحظنا كيف أنَّ المُتعلِّم ترتفع قدراته على الاستنباط والتحليل والمناقشة والعرض، بل ويتعلَّم بناء الأفكار وتكوينها وتطبيقها بمجرَّد الاهتمام بمسألة التسلسل المنطقيِّ في عرض المعلومات النظرية.

 

واعلم أنَّ بناء العلم المستقرّ كبناء البيت المرتفع إن أُسِّسَ أساسًا صحيحًا ساغ لبانيه أن يستطيل فيه.. كما أنَّ التسلسل المنطقي يجعل البناء أشدَّ رسوخًا وأقوى تماسكًا...

 

أضف إلى ذلك أنَّ التنويع في أساليب عرض المعلومة بأكثر من طريقة؛ وشفع المعلومة النظرية بالتدريب العمليِّ أنجع وسيلةٍ في بناء الإدراك وتكوين الملَكاتِ والمواهب.

 

وفيما يتعلق بشرح باب المدود؛ فالاقتراح أن يبدأ المُتلقي بالتعرف على الحركات؛ وكيف يتغيَّر نُطق الحرف بتغيُّر حركته؛ وكيف تُنطق الحركة نُطقًا صحيحًا؛ وضمنًا سيشير المعلِّم لِلُّحون المتعلقة بنطق الحركات(1).

 

وإنَّما تختلف الحركات في أصلين؛ النوع والطول. فمن حيث النوع تنقسم الحركات على ثلاثة أنواع: هي الفتح والكسر والضم ؛ وتنقسم كذلك حسب طولها إلى حركات قصيرة وحركات طويلة(2).

 

وإليك البيان:

 

·       الفتحة القصيرة؛ وإطالتها بمقدار فتحتين ينتج عنه ألف المد الطبيعي..

 

·       الكسرة القصيرة؛ وإطالتها بمقدار كسرتين ينتج عنه ياء المد الطبيعي..

 

·       الضمة القصيرة؛ وإطالتها بمقدار ضمتين ينتج عنه واو المد الطبيعي..

 

لاحظ الأمثلة:

 

توجيه تربويّ: يُترك للمتلقي مساحة للسماع ومحاولة اكتشاف الفرق بنفسه]

 

كَتَبَ؛ كَاتَبَ.

 

قَتَلَ؛ قَاتَلَ.

 

ظَهَرَ؛ ظَاهَرَ.

 

أَتَى؛ءَاتَى

 

عَلِمَ؛ عَلِيم..

 

شهِد؛ شهيد

 

قُلْ؛يَقُول...

 

قُتِلَ: قُوتِلَ.

 

تفسير بعض اللحون المتعلِّقة بمقادير الحركات في ضوء ما سبق شرحه:

 

يلاحظ أنَّ لحونًا كثيرة تُسمع من القرَّاء في مقادير الحركات إمَّا بإطالة زائدة عن الحدِّ الطبيعي؛ وإما بنقصان عن الحد المطلوب.. فيصير عندنا نوعان من هذه الأخطاء:

 

أولًا: الخطأ بإطالة الحركة القصيرة:

 

·       (إنَّ شانئكَ )؛ وتُسمع على الخطأ: (إنَّا شانئكَ)؛ بإطالة فتحة النون الأولى.

 

·       (عمَّ يتساءلون)؛ وتُسمع على الخطأ: ( عَمَّا يتساءلون)؛ بإطالة فتحة الميم.

 

·       (فلينظر الإنسان ممَّ خُلِقَ)؛ وتُسمع على الخطأ: (مِمَّا خُلِقَ) بإطالة فتحة الميم الثانية..

 

·       (إنَّ إلينا إيابهم ثم إنَّ علينا حسابهم)؛ وتسمع على الخطأ بإطالة فتحة النون من كلمة (إنَّ) في الموضعين.

 

·       (إنَّ لدينا أنكالًا وجحيمًا) ؛ وتسمع على الخطأ بإطالة فتحة النون من كلمة (إنَّ).

 

·       (ءاتى؛ وأتى ) والخلط بينهما كثير جدًّا إذ تُسمع أتى (ءاتى) بإطالة فتحة الهمزة؛ كما في قوله تعالى ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) فنسمعها من كثير من الطلاب ( ءاتاهم)؛ والعكس كما في قوله تعالى: ( ربنا إنَّك ءاتيت فرعون ) تُسمع على الخطأ : أتيت فرعون.

 

·       (كلَّا لئن لم ينتهِ لنسفعًا بالناصية)؛ تُسمع بإطالة كسرة الهاء من كلمة ( ينتهِ) فتصير: ينتهي...

 

·       (فصلِّ لربِّك) ؛ وتسمع على الخطأ: فصلِّي؛ بإطالة كسرة اللام من كلمة (فصلِّ).

 

 

 

ثانيًا: الخطأ بتقصير الحركة الطويلة:

 

ومن الأمثلة على ذلك:

 

·       (قال ربي أعلم بما تعملون) ؛ حيث يكثر اللحن فيها بتقصير كسرة الباء الطويلة ؛ فتصير (ربِّ أعلم).

 

·       (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيًّا)... يلحن فيها بتقصير حركة الباء كذلك؛ فتصير (ربِّ شقيًّا).

 

·       (وإن قوتلتم) تسمع على الخطأ  (قُتلتم) بتقصير ضمة القاف.

 

·       ويُلحق بهذا الباب خطأ شائع جدًّا ؛ وهو اختلاس الحركات القصيرة؛ والاختلاس هو الإتيان ببعض الحركة؛ ويكون جائزًا في مواضع معينة لأغراضٍ تعليمية؛ وإنما مقصودنا هنا اختلاس الحركات التي لا يجوز دخول الاختلاس فيها؛ ومن الأمثلة الشائعة التي سمعتُها: اختلاس كسرة الحاء من كلمة (رَحِمَنا)؛ واختلاس كسرة العين من كلمة ( معِيَ) واختلاس ضمة النون في كلمة (دِينُكم).

 

توجيه وتحذير:

 

يجب أن يجتهد المعلِّم في حصر اللحون المسموعة وتدوينها وتصنيفها؛ ويُراعي عدم تَكلُّف أمثلة للحن غير مسموعة؛ وإنَّما تكون الأمثلة التوضيحية من اللحون الشائعة في بيئة المتلقين؛ لأنَّ اللحن يتفشَّى كالعدوى؛ فإن لم يكن له وجود فلا تُلفتْ سمع المتلقين إليه حتى لا يرتكبوه.

 

توجيهات تربوية:

 

·       يُترك للمتلقي مساحة لمحاولة اكتشاف الفارق السماعي؛ وينبغي كذلكَ الاهتمام بتفاعل جميع المتلقين؛ والمعلِّم الناجح يُحسب بقدرته على إشراك أكبر عدد من طلابه إشراكًا فعَّالًا في الجلسة؛ ومن الأساليب المجرَّبة الناجعة -والتي من شأنها إشراك الطالب غير المتفاعل- أن يجعله يكرِّر ما يسمعه وراء المعلم أكثر من مرة؛ بحيث يركِّز له المعلم على موطن الفارق مرتين أو أكثر – حسب الحاجة – ويجعله يكتشف الفارق بنفسه في النهاية؛ ثمَّ لا يُهمل الثناء عليه وكأنه اكتشف الفارق بمفرده..

 

·       يُترك للمتلقي مساحة لمحاولة إعطاء أمثلة من عنده...

 

·       يُطلب من المتلقي سماع الكلمة ( على أن يُلحن في قراءتها) ثمَّ يُطلب منه قراءتُها على الصواب؛ وهو من قبيل: (عرفت الشرَّ لا للشر لكن لتوقيه...) على أن يُراعي التحذير السابق فلا يتكلَّف أمثلة بعيدة عن الواقع.

 

·       في المراحل المتقدمة- ومع الطلاب المُعدِّين للإقراء- يمكن إسماعُهم بعض التلاوات لغير المجيدين أو للشيخ نفسه على أن يتعمَّد الخطأ في بعض المواطن؛ مع إعلامهم بوجود أخطاء؛ يُطلب منهم استخراجها.

 

 

 

تنبيهات علمية هامة جدًّا:

 

·       الحركة الطويلة - على ما سبق شرحه- هي ضعف الحركة القصيرة؛ فالفتحة الطويلة ( ألف المد الطبيعي) مقدارها فتحتان قصيرتان؛ والكسرة الطويلة ( الياء المدية) مقدارها كسرتان قصيرتان؛ والضمة الطويلة( الواو المدية) مقدارها ضمتان قصيرتان.

 

·       بعض المصنفين يقدِّرون زمن المدّ الطبيعي بحركة الإصبع انقباضًا أو انبساطًا؛ وهو غير دقيق؛ وغير عَمليٍّ؛ إذ إنَّ حركة قبض الإصبع أو بسطه تتفاوت؛ فيمكن أن يُقبض في مقدار ثانية زمنية؛ ويمكن أن يُقبض في جزء من الثانية أو أطول من ذلك.. والصواب مُعايرة طول الحركة على مقدار ثابتٍ؛ كالثانية أو أجزائها؛ إذ لا تتفاوت حينئذٍ. يراعى كذلك مرتبة القراءة فالمقدار حين القراءة بالتحقيق يختلف عنه في الحدر.

 

·       ينبغي التعرف على كيفية رسم المد الفرعي في المصحف؛ والتفريق بينه وبين ما اصطُلح عليه في الرسم الإملائي الحديث من جعل العلامة (آ) للهمزة المتحركة بفتحة طويلة ( الهمزة المتبوعة بألف مدية كما في آدم؛ آخرة..ونحو ذلك؛ يُلاحظ أنَّ هاتين الكلمتين تُرسمان في المصحف: ءادم؛ ءاخرة ؛ وهو الصواب بمقاييس الدرس الصوتي الحديث) أيضًا؛ يراعى التدقيق في موضع الهمزة في الرسم العثماني في نحو كلمتي الأرض؛ والآخرة ؛ ففي الأولى تُرسم الهمزة على الألف؛ وفي الثانية ترسم الهمزة أمام الألف ساقطة في تجويف  الـ(لا).

 

 

 

مد الصلة

 

تدريب: اكتب الكلمات الآتية مضبوطةً بالشكل كما تنطق بها في حالة الوقف؛ وفي حالة الوصل:

 

·       بِه: وقفًا (بِهْ) ؛ وصلًا (بِهِي).

 

·       ربِّه: وقفًا (ربِّهْ)؛ وصلًا (ربِّهي).

 

·       وأُمِّه: وقفًا (وأُمِّهً)؛ وصلًا (وأُمِّهِي)

 

·       ماله : وقفًا (مَالَهْ)؛ وصلًا (مَالَهُو).

 

·       ربَّه : وقفًا (ربَّهْ)؛ ووصلًا (ربَّهُ).

 

·       يره: وقفًا (يرَهْ)؛ ووصلًا (يَرَهُ).

 

يلاحظ في الأمثلة السابقة أنَّ الهاء هي هاء ضمير الغائب المفرد ؛ وأنَّ الوقف عليها يكون بالهاء الساكنة؛ أمَّا حين الوصل فتتولد ياء أو واو مديَّتان؛ ويُستنتج من ذلك أنَّ هذه الياء أو الواو المدية لا تتولَّد إلا حين الوصل؛ وتكون حركة الهاء هنا حركة طويلة  ( كسرة أو ضمة) وهو ما يعني مدًّا طبيعيًّا بالياء أو الواو؛ لذلك تُلحق هاء الصلة في مثل هذه الأمثلة بباب المدِّ الطبيعي...

 

تنبيه تربوي

 

يمكن التوسُّع في شرح هاء الصلة مع ذكر الحالات التي تكون فيها مكسورة والحالات التي تكون فيها مضمومة؛ وكذا الحالات التي تُشبع فيها عند الوصل؛ والحالات التي لا تشبع فيها؛ وذلك بحسب حاجة الدارسين؛ وأعمارهم ومدى استيعابهم؛ ولا يُفضَّل التوسُّع في هذا الباب هاهنا إن كان الدارسون من الأطفال حديثي السنِّ. ولكن من المهم جدًّا التنبيه إلى كيفية رسم الياء المعقوصة ( ياء الأثر) وواو الأثر؛ بعد هاء الصلة.

 

تدريب: قراءة في سورة (عبس) الآيات من 17-24 على أن تُقرأ مرة بالوصل ومرة بالوقف؛ ويُطلب كذلك من بعض الطلاب قراءتها على زملائهم مرة بالوصل ومرة بالوقف؛ مع اكتشاف الفارق.

 

 

 

مدّ العِوض:

 

اقرأ الأمثلة:

 

·       إنَّ الله غفورٌ رحيمْ..... إنَّ الله غفورْ....

 

·       نزلًا من غفورٍ رحيمْ. نُزلًا من غفورْ.

 

·       وكان الله غفورًا رحيمَا.... وكان الله غفورَا..

 

يلاحظ أنَّنا نقف على التنوين في حالتي الضم والكسر بالسكون؛ ونقف على التوين في حالة الفتح بحركة طويلة ( ألف مد طبيعي) ؛ فالراء التي كانت مُنونة بالضم أو الكسر في المثالين الأول والثاني صارت ساكنة حال الوقف على الكلمة ( غفور). والراء التي كان منونة بالفتح في المثال الثالث صارت مفتوحة فتحة طويلة حال الوقف عليها؛ ويُسمَّى هذا النوع من المدِّ بـ(مدِّ العوض).

 

 

1 - المقصود هنا : نطق الحركات نطقًا صحيحًا ؛ فيَفتح الدارس فاه عند التلفظ بالفتحة؛ ويخفض فكَّه السفلي عند النطق بالكسرة؛ ويضم الشفتين عند النطق بالواو. وعلى غير الوصف الصحيح نسمع كثيرًا من الحركات البينية مثل الفتحة الممالة نحو الكسرة؛ الفتحة الممالة نحو الضمة. ويتأثر نطق الأطفال وكثير من الدارسين باللهجات المحلية التي يتفاوت فيها النطق بالحركات والحروف قربًا وبعدًا عن النطق الفصيح. أما الخطأ في مقدار الحركة فسيأتي تفصيله في متن المقال.

2 - إنَّه من غير الدقيق اعتبار الألف هي الهمزة؛ واعتبار الياء المدية هي الياء اللينة أو المتحركة؛ واعتبار الواو المدية هي الواو اللينة أو المتحركة.

فالياء في نحو: (يُونس؛ يَنعه؛ بيْت) تختلف صوتيًّا عن الياء المدية أو حركة الكسرة الطويلة في نحو (قِيل).

والواو في نحو: (وَردة؛ وَجه؛ قوْل) تختلف صوتيًّا عن الواو المدية في نحو (يقول ؛ غفور).

والهمزة غير الألف.

وعلى هذا؛فالحروف الصوامت ثمانية وعشرون حرفًا؛ والحركات ثلاثة باعتبار نوعها؛ وستة باعتبار النوع والمقدار: ثلاث حركات قصيرة ؛ وثلاث حركات طويلة؛ الطويلة هي التي نسميها حروف المد الطبيعي.

يقول الدكتور غانم قدوري : "تتألف مجموعة الأصوات الذائبة في العربية من ثلاثة أصوات أساسية وتصير ستة إذا أخذنا الطول بنظر الاعتبار؛ فلدينا ثلاثة ذوائب قصيرة؛ هي التي تسمى في كتب التراث اللغوي العربي بالحركات وهي الفتحة والضمة والكسرة ولدينا ثلاثة ذوائب طويلة هي التي تسمى بحروف المد وهي الألف وواو المد وياؤه فهي ثلاثة من حيث النوع وستة من حيث الكمِّ؛ لأن الألف فتحة طويلة وواو المد ضمة طويلة وياء المد كسرة طويلة.." [المدخل إلى علم أصوات العربية: 153 ]

 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.