مُلا صدرا الشيرازي.. عالم وفيلسوف فارسي اسلامي

يُعتبر المُلا صدرا النموذج الرائد للمدرسة الإشراقية للفلاسفة المتصوفين، ويَنظر إليه الإيرانيون بوجه عام باعتباره أعظم فيلسوف أنجبته إيران، وقد يكون أهم الفلاسفة في العالم الإسلامي وأكثرهم تأثيراً في الأربعة قرون الأخيرة.

 مدرسته الفلسفية

تُكافئ الأهمية التي تمثلها فلسفة المُلا صدرا ونظرته للوجود بالنسبة للفلسفة الإسلامية تلك الأهمية التي اكتسبتها كتابات الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر في الفلسفة الغربية إبان القرن العشرين.

دمجت فلسفة المُلا صدرا الأصلية بين مصادر مختلفة ونَقّحَتْها ــــ فلسفة ابن سينا والفلسفة الإشراقية للسهروردي والطريقة الأكبرية الصوفية لابن العربي والفكر الشيعي ـــ وذلك بأسلوب أكثر ابتكاراً وبراعةً من ذلك الذي تبناه الفلاسفة الإسلاميون السابقون.

ولد في مدينة شيراز،  ولاتُعرف السنة التي ولد فيها على وجه الدقة، فكتب التراجم لم تذكر الكثير عن بداياته ولا عن حياته، وقيل إن والده إبراهيم بن يحيى القوامي كان أحد وزراء ذلك العهد، وكان وحيد والده، والذي وجّهه لطلب العلم منذ صغره، وبعد وفاة والده رحل إلى أصفهان لإتمام دراسته، ودرس فيها على الشيخ بهاء الدين العاملي (953ـ1031هـ)، وبعد وفاة أستاذه البهائي هذا، وفي مراحل دراسته الأخيرة، انقطع إلى دروس فيلسوف عصره السيد الداماد محمد باقر (ت1040هـ)، وقد أنفق جميع ما خلّفه له والده في سبيل تحصيل العلم.

عاش الشيرازي في زمن طغت فيه الروح الإشراقية، والتي كانت من أبرز مميزات مجتمعه، وقد انعكست هذه الظاهرة في نفسه، وبرزت واضحة من بين آرائه وأفكاره ومؤلفاته، وكانت سبباً للحملات الشديدة التي شنّها عليه رجال الدين، الذين كانوا يتلقون منه ردوداً قاسية أيضاً، إذ كان يقول: «إن أكثرهم أشقى من الجهلاء».

وبسبب حملات رجال الدين عليه، عاملته الجماهير بجفاء، ولم يُعط حقه من الاحترام، ولم يقدّر التقدير الذي يستحقّه، لذا اعتزل الناس سنوات طويلة بسبب ذلك الجفاء، ولم يلق التقدير إلا بعد موته، كمعظم العباقرة والمفكّرين العظام.

 مراحل حياته

يبدو أن مُلا صدرا الشيرازي مرّ بثلاث مراحل في حياته:

الأولى: مرحلة التلمذة والدراسة وتتبّع آراء الفلاسفة والمتكلّمين.

الثانية: مرحلة العزلة وانقطاعه إلى العبادة والتفكير، قضاها في بعض الجبال النائية.

الثالثة: مرحلة التأليف وتسجيل آرائه وأفكاره، وكان أكثرها على الطريقة الإشراقية والكشفية.

وهذه المراحل الثلاث التي مرّ بها الشيرازي، تذكّر بالمراحل التي مرّ بها الغزالي (ت505هـ) فالتشابه بينهما واضح في مداخل حياتهما، وطريقة تفكيرهما، وكثير من أحوالهما أيضاً، ويظهر من آرائه التي أوردها في مؤلفاته،أنه كان منسجماً إلى حد بعيد مع آراء محيي الدين ابن عربي (ت 638هـ).

اختلف في مكان وفاة الصدر الشيرازي إذ قيل إنه توفي في البصرة وهو متوجه إلى الحج، وقيل بل وهو راجع من الحج، وقيل إنه توفي في شيراز، وذلك في عصر الشاه عباس الثاني الصفوي.

نهجه الفلسفي

كانت للشيرازي جولات فكرية تناولت مواضيع كثيرة، ومن بين الأفكار البارزة التي طرحها، نستطيع أن نحدد نظريتين بارزتين هامتين جداً أثارتا حواراً فكرياً كبيراً، وكانتا سبب هجوم رجال الدين عليه، وهاتان النظريتان هما:

 الأولى نظرية: «وحدة الوجود» ويمكن تلخيصها تحت عنوان كبير وكما ورد على لسانه، بـ «موجودات متعدّدة متكثّرة في الخارج، ولها حقيقة عينية واحدة، فالوجود واحد والموجود متعدّد». وقد ألّبت هذه النظرية عليه العلماء والفقهاء ورجال الدين بعامة، فحملوا عليه حملات شديدة، بل لعنوه سراً وعلانية، وأثاروا عليه الناس، وكان هذا سبب عزلته، ومع هذه الحملات فقد اعتقد بصحّتها كثيرون من الفلاسفة، وحاول تلاميذه تقريبها من الجماهير، ولكن دون جدوى.

النظرية الثانية: هي نظرية «الحركة الجوهرية» وكانت أيضاً ذات شأن كبير، وقد وضع فيها رسالة أسماها «رسالة الحركة الجوهرية». وتعدّدت تفاسير هذه النظرية، فذهب بعضهم إلى أنها الأساس لمبدأ التحوّل والتطوّر، ولنظرية النشوء والإرتقاء التي قال بها (دارون) بعد نحو مئتي عام، وأراد أن يتخذها برهاناً على إثبات الصانع، ودليلاً على حدوث العالم، وذهب آخرون في تفسيرها، إلى أن الحركة الجوهرية هي الحركة الذاتية التي تتمتع بها ذرات المادة، التي تتحرك على نفسها وعلى نواتها في نظام منسّق، وتتألف منها مجموعة كالمجموعة الشمسية، تسير بسرعة فائقة، وهي بسبب سرعتها العظيمة، نراها ثابتة في حسنا، وتكون هذه النظرية بهذا التفسير، هي البداية للنظريات الحديثة في الذّرة.

إضافة إلى هاتين النظريتين فقد تناول الشيرازي في كتبه ورسائله موضوعات فكرية كثيرة، يُذكر منها بإيجاز:

- ما يتعلق بمعرفة المبدأ الأول وصفاته وآثاره، والذي هو جانب كبير من الفلسفة بمعناها الشامل.

- معرفة الصراط المستقيم، ودرجات الصعود إليه تعالى، وكيفية السلوك إليه، وهو علم النفس الذي هو جزء من العلم الطبيعي.

- معرفة المعاد، وأحوال الواصلين إليه تعالى وإلى دار رحمته.

- معرفة المبعوثين من عند الله تعالى لدعوة الخلق، ولنجاة النفس، كالأنبياء والأوصياء وحتى الأولياء عنده.

- ذكر أقوال المفكرين الجاحدين وكشف فضائحهم.

- ماجاء في أثناء بحوثه عرضاً.

أعماله

الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية: يعتبر هذا الكتاب من أهم كتب الشيرازي، حيث عرض فيه فلسفته، وقد قسمه إلى أربعة أسفار:

السفر من الخلق إلى الحق، السفر بالحق في الحق، يقابل الأول لأنه من الحق إلى الخلق بالحق، يقابل الثاني من وجه لأنه بالحق في الخلق.

يقع هذا الكتاب في طبعته الحديثة الصادرة عن دار التراث العربي عام 1982ميلادية بتسعة مجلدات، وهذه النسخة مصورة عن نسخة إيرانية قام بتحقيقها ونشرها العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، هذا وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 1282ه.ق، وقد وضع على هامش هذه النسخة تعليقات الملا هادي السبزواري، وآقا محمد بيد آبادي وآخوند نوري وملا إسماعيل الأصفهاني وآقا محمد رضا قمشه ئي، وملا عبد الله زنوزى. ولهذا الكتاب نسخة أخرى قام بتحقيقها ووضع هوامش لها آية الله حسن زادة الآملي، صدرت عام 1414ه.ق عن مؤسسة الطباعة والنشر في وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في طهران.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.