محمد الجواد(ع) .. نبع الجود والكرم والعطاء الالهي

 استشهد عن عمر ناهز الخامسة والعشرين، له من الأولاد الإمام علي الهادي عليه السلام وموسى، قاد الأمة سبعة عشر عاماً، ليقتل بالسم على يد زوجته أم الفضل بنت المأمون العباسي وبدفع من أخيها جعفر ويدفن بجوار جده في مقابر الهاشميين في بغداد والتي تسمى اليوم بالكاظمية نسبة إلى مرقد الإمامين موسى بن جعفر الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهما السلام لذا أطلقت على المرقد اسم (الجوادين) أو (الكاظمين).

وصف الامام موسى الكاظم حفيده الجواد(عليهما السلام) وقبل ولادته بأنه الامين والمأمون والمبارك، فقد روي في عدة من كتب الحديث المعتبرة مثل الكافي والامامة والتبصرة، أن الامام الكاظم(ع) تحدث لأحد أصحابه عن امامة ولده الرضا(ع)، ثم قال عن الامام بعد الرضا (سيولد له غلام أمين مأمن مبارك) ثم قال (عليه السلام) عن مقام أم الجواد(ع): (الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من اهل البيت مارية جارية رسول الله (ص) أم ابراهيم، فإن قدرت ان تبلغها مني السلام فأفعل).

نعم فأم مولانا الجواد (عليه وأمه السلام) هي كسائر امهات ائمة الهدى (عليهم وعليهن السلام) من المؤمنات الطاهرات اللواتي إختارهن الله عزوجل لحضانة سادات اوليائه المقربين.

ان ما يقوله مولانا الامام الرضا عن ولده الجواد والسيدة والدته (عليهما وعليها السلام)، فقد روى المؤرخ المسعودي في اثبات الوصية والسيد المرتضى في عيون المعجزات ان الامام الرضا قال لاصحابه عند ولادة الجواد: (قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قدست امٌ ولدته قد خلقت طاهرة مطهرة).

مع ولادة الامام الجواد بدأ والده الرضا(ع) يسلمه عهود الامامة على وفق السنن الالهية التي خص الله بها العترة المحمدية الطاهرة، لاحظوا احباءنا ما رواه المؤرخ المسعودي في كتاب اثبات الوصية عن كلثم بن عمران قال:

قلت للرضا: انت تحب الصبيان فادعوا الله ان يرزقك ولداً.

فقال (ع): انما ارزق ولداً واحداً وهو يرثني.

قال الراوي: فلما ولد ابو جعفر (الجواد) كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلما طال ذلك على عدة ليالي قلت (له): جعلت فداك، قد ولد للناس اولاداً قبل هذا، فكل هذا تعوذه؟!

فقال (ع): ليس هذا عوذة انما اغره بالعالم غراً.

نقرأ في روايات ولادة مولانا الامام الجواد (ع) مقولة لوالده الرضا(ع) جديرة بالمزيد والمزيد من التأمل.

فقد روى ثقة الاسلام الكليني رحمه الله في اصول الكافي بسنده عن ابي يحيى الصنعاني قال: كنت عند ابي الحسن الرضا(ع) فجئ بأبنه ابي جعفر(ع) وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود اعظم بركة على شيعتنا منه.

لعل هذا الحديث الشريف يفسر لنا تلقيب الله تبارك وتعالى في حديث اللوح المشهور لوليد الجواد(ع) بهذا اللقب المفيد لكثرة العطاء والكرم.

وقد ظهر جوده الجليل في حياته المباركة على رغم قصرها في مصاديق كثيرة نكتفي بنصين معبرين عن شدة كرمه رواهما حفاظ اهل السنة، الاول روي في كتاب الوافي بالوفيات وجاء فيه: انه (عليه السلام) عندما كان مقيماً في بغداد كان يرسل بعطاياه الى فقراء المدينة فتوزع عليهم، فكان يبعث كل عام بألف الف درهم.

وجاء في النص ان سائلاً اتاه فقال له: اعطني على قدر مرؤتك!!

فأجابه (عليه السلام): لا يسعني.

ففهم السائل مغزى كلام الامام واشارته الى عدم محدودية كرمه، فقال له: اعطني على قدري.

فقال (عليه السلام): أماذا فنعم، ثم امر بإعطائه مائة دينار.

ومصاديق البركات الجوادية لا تقتصر على هذا النوع من العطاء، فما خفي منها اعظم مما ظهر في حياته المباركة وبعد رحيله الظاهري عن عالم الدنيا.

نعم فان الامام الجواد(ع) هو من ابواب الرحمة الالهية المستمرة العطاء والجود، فمرقده المبارك يشهد في كل حين ظهور كرامات استجابة الله عزوجل لدعاء المتوسلين اليه بوليه التقي الجواد(ع) وحكايات الذين قضيت حاجاتهم ببركة الشفاعة الجوادية كثيرة سجلتها المصادر المعتبرة وتناقلتها صدور المؤمنين في كل جيل وكلها شواهد على ان امامنا التقي الجواد هو نبع للجود والعطاء الالهي في حياته وبعد شهادته (ع).

عبادته ونسكه:

=============

كان الإمام الجواد(ع) أعبد أهل زمانه، وأشدهم حبّاً لله عَزَّ وجَلَّ وخوفاً منه، وأخلصهم في طاعته وعبادته شأنه شأن الأئمة الطاهرين من آبائه(عليهم ‌السلام) الذين عملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى،

بالرغم من قصر المدة التي عاشها الإمام محمد الجواد(عليه السلام) وهي خمسة وعشرون سنة منذ ولادته وحتى استشهاده، وهو أقصر عمر نراه في أعمار الأئمة الإثني عشر(عليهم‌السلام) من أهل بيت رسول الله(ص)  إلاّ أنّ التراث الذي وصل إلينا إذا قارنّاه بالظروف التي أحاطت بالإمام(ع) وبشيعته وقارنّاه بأعمار من سبقه من آبائه الكرام والتي يبلغ معدّلها ضعف عمر هذا الإمام العظيم نجده غنيّاً من حيث تنوّع مجالاته، ومن حيث سموّ المستوى العلمي المطروح في نصوصه وحجمه، ومن حيث دلالاته التي تعد تحدّياً صارخاً عند ملاحظة صدور هذا التراث من مثل هذا الإمام الذي بدأ بالإشعاع والعطاء منذ ولادته وحتى سِنيّ إمامته وهو لم يبلغ عقداً واحداً من العمر.

فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً

المصدر : الوفاق 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.