كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احتفال تكريم شهداء القنيطرة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع أنبياء الله والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم" صدق الله العلي العظيم.

إنني في البداية أرحب بكم جميعاً وأشكركم على مشاركتكم الكريمة في حفل تكريم هؤلاء الشهداء الأعزاء.
في البداية أود أن أتكلم كلمة مع عوائل الشهداء وعن الشهداء وعن التعاطف وعن الناس، ثم مدخل للحديث عن ما جرى في الأسبوعين الماضيين أو الأيام القليلة الماضية، مدخل البيئة الإستراتيجية مثلما تحبون أن تسموه، ثالثاً: عملية الإغتيال في القنيطرة ورابعاً: عملية المقاومة في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، خامساً: بعض الخلاصات والموقف.
أولاً أتوجه إلى سادتنا عوائل الشهداء بالتعزية لفقد الأحبة، وبالتبريك لنيل هؤلاء الأحبة الوسام الإلهي الرفيع والدرجات العالية عند الله سبحانه وتعالى، بالشهادة في سبيله، أبارك لعوائل الشهداء ارتقاء أحبتهم من مستوى الحياة الزائفة الفانية إلى مستوى الحياة الحقيقية والخالدة، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منكم هذه القرابين، وأن يجعل شهداءكم شفعاءكم وشفعاءنا يوم القيامة، وأن يمنّ عليكم بالصبر والسلوان وأن يحفظ لكم ما أعطاكم من عز وشرف وكرامة في الدنيا وفي الآخرة.

كما أتوجه بالشكر إلى كل الذين شاركونا بالعزاء وقدموا التبريك لهؤلاء الشهداء الكرام، سواءً بالحضور المباشر أو الإتصال أو البرقيات أو البيانات أو أي وسيلة تعبير أخرى من لبنان إلى فلسطين ـ التي كان لشعبها وفصائلها تعاطفاً مميزاً جداًـ وإلى سوريا والعراق وإيران والأردن واليمن وتونس وموريتانيا وباكستان، وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، وكذلك إلى كل الذين احتفوا قبل يومين وما زالوا بعملية المقاومة النوعية في مزارع شبعا، يجب أن أخص بالشكر المجاهدين والمقاومين في المقاومة الإسلامية في لبنان، الذين كانوا بمستوى المسؤولية منذ اللحظة الأولى للاغتيال الجريمة في القنيطرة، وكان لهم الحضور الكبير وروحيتهم العالية، واستعدادهم لكل التضحيات على مدى الأيام والليالي والساعات الماضية وإلى اليوم.
يجب أن أتوجه بالشكر إلى شعبنا اللبناني العزيز، إلى شعب المقاومة وإلى جمهور المقاومة وإلى كل الذين وقفوا إلى جانب هذه المقاومة أيضاً منذ اللحظة الأولى للاغتيال ـ الجريمة في القنيطرة، شاركوا في تشييع الشهداء بالرغم من المخاطر الأمنية، وعبّروا عن تعاطفهم وعن حضورهم وعن تأييدهم لأي قرار تتخذه المقاومة، أو خيار تلجأ إليه المقاومة، وكانوا يوم الأربعاء أيضاً بالتحديد في لحظة الخطر عندما كانت المنطقة كلها أمام احتمالات كبرى، كان هذا الشعب وهذا الجمهور وهؤلاء الناس، كانوا على العهد بهم، كما طوال العقود الماضية، الثابتين والصابرين والصادقين والراسخين، الذين يحق ويجب علينا أن نقول لهم في كل يوم وفي كل ساعة: ياأشرف الناس وأطهر الناس وأكرم الناس.
من واجبنا ونحن نحتفي بشهداء المقاومة أن نقف بإجلال وإكبار أمام شهداء الجيش اللبناني البطل الذين إستشهدوا في رأس بعلبك، وهم يدافعون عن البقاع وعن لبنان، وعن قراه الأمامية في وجه الجماعات المسلحة التكفيرية الإرهابية، التي يثبت في كل يوم أن تُكمل ما قام به الإسرائيلي وما يقوم به الإسرائيلي في سياق مشروع واحد، لقيادة الجيش لضباطه وجنوده ولعائلات شهداء الجيش الكرام هذه العائلات الشريفة التي تشارك أيضاً في ضريبة الدم، بالجود والبذل، إليهم أيضاً كل التحية والعزاء والتبريك.
أما الشهداء: الشهيد القائد العميد محمد علي الله دادي،الشهيد القائد محمد أحمد عيسى، الشهيد المجاهد جهاد عماد مغنية، الشهيد المجاهد علي حسن إبراهيم، الشهيد المجاهد عباس إبراهيم حجازي، الشهيد المجاهد غازي علي ضاوي، الشهيد المجاهد محمد علي حسن أبو الحسن، إلى هؤلاء الشهداء نتوجه بالتعبير عن عواطفنا ومحبتنا بصدق، وهذا ليس كلام مجاملة وليس كلاماً لتقطيع المناسبات، نقول لهؤلاء الشهداء: هنيئاً لكم، هنيئاً لكم هنيئاً لكم، طوبى لكم وحسن مآب، نحن إخوانكم نغبطكم على ما وصلتم إليه وحصلتم عليه، ونرجو الله سبحانه وتعالى في يوم من الأيام يختاره هو أن يمن علينا بهذا الشرف الذي منّ الله به عليكم. أما أنتم يا إخواننا وأبناءنا وأحباءنا الشهداء كما كل الشهداء الذين سبقوكم في كل الساحات وفي كل الميادين، أما أنتم فقد إرتحتم من هم الدنيا وغمها، وانتقلتم إلى حياة السلام والأمن والعز والكرامة والسعادة، وبقينا نحن نكابد صعوبات هذه الحياة ونسأل الله أن يمن علينا ـ إلى أن يأتي ذلك الزمن ـ بالصبر والثبات على طريقكم والوفاء لأهدافكم وقضاياكم ودمائكم الزكية.
أيها الإخوة والأخوات، هذه الثلة من الشهداء في عملية القنيطرة تُعبر عن أجيال المقاومة، أنظروا إلى الأعمار التي تعبر عن ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال، هذه الثلة من شهداء المقاومة من الشهداء في القنيطرة تعبر ومن خلال شهادة العميد الله دادي والقائد أبو عيسى بالتحديد أيضاً على دوام حضور القادة في الميدان إلى جانب المجاهدين، وهنا سر قوة المقاومة، هذه الثلة من الشهداء تعبر عن إنتماء عائلات بأكملها ليس إنتماء أفراد بل إنتماء عائلات بأكملها إلى مدرسة الجهاد والشهادة.

عندما تضم هذه الثلة  أبناء  شهداء كالشهيد جهاد عماد مغنية نجل الشهيد القائد عماد مغنية، كالشهيد علي حسن ابراهيم نجل الشهيد المجاهد حسن ابراهيم كالشهيد السيد عباس حجازي صهر الشهيد القائد ابو حسن علي ديب والذي شيعّ في يوم واحد مع والده المجاهد السيد ابو كمال والذي كان من قدامى المقاومين ومن رجال المقاومة منذ أيامها الأولى في سنة 1982، هذه العائلات بكاملها تقدمت وتتقدم في هذا الميدان، في هذه الساحة، تجاهد وتصبر وتتحمل وتقدم الشهداء. وعندما يخرج نتنياهو أو يعلون أو غيره ليهددهم، يقولون له ما قاله إمامهم زين العابدين ابن الحسين عليه السلام للطاغية ابن زياد عندما هدده بالقتل فقال: أبالموت تهددني يا ابن الطلقاء، إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
هذه عائلات تحمل هذه الثقافة وتنتمي إلى هذه المدرسة، إن هذه الثلة من الشهداء في القنيطرة تعبّر عبر امتزاج الدم الايراني واللبناني على الارض السورية - اتمنى الانتباه جيدا الى هذه الفقرة – ان هذه الثلة من شهداء القنيطرة تعبر  من خلال امتزاج الدم الدم الايراني واللبناني على الأرض السورية عن وحدة القضية ووحدة المصير ووحدة المعركة التي عندما جزأتها الحكومات والتيارات السياسية والتناقضات والانقسامات دخلنا زمن الهزائم في الستينات، عندما وحّدها الدم من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا إلى ايران إلى كامل المنطقة، دخلنا في زمن الانتصارات .
إن هذه الثلة من شهداء القنيطرة تؤكد أن مجاهدي حزب الله، وخلافا لكل ما ينفق من حبر يكتب ويؤسَّس من فضائيات تبث ويشاع من أكاذيب وأضاليل، أن هذه الثلة من شهداء المقاومة في القنيطرة تؤكد أن مجاهدي حزب الله ما زالوا وسيبقون مع بقية المجاهدين والمقاومين في مقدمة الجبهات وفي الخطوط الأمامية وفي طليعة الشهداء
وأن الدنيا وما فيها ومن فيها لن تستطيع أن تحول بينهم وبين ما يؤمنون وما يعشقون.
أيها الإخوة والأخوات، نذهب إلى المدخل لنتحدث عن القنيطرة وشبعا ونختم بالموقف.
منطقتنا هذه، منذ عقود بالحد الادنى، منذ العام 1948 "مدخل مختصر فقط"، حكوماتها شعوبها كلها تعاني من وجود سرطاني اسمه الكيان الغاصب اسمه اسرائيل غدة سرطانية ودولة ارهابية وكيان عدواني وجرثومة فساد وعنوان للعلو والاستكبار والعنجهية.

لا نريد فتح الملف من العام 48 وحتى اليوم، نتحدث الآن ما نحن فيه، في الأشهر الماضية، هذه السنة بالحد الأدنى في فلسطين، إضافة إلى أنها ما زالت تحتل الأرض والمقدسات بغير حق، فهي تستبيح الضفة الغربية بحجة البحث عن ثلاثة مستوطنين، وتشن حرباً مدمرة على قطاع غزة 52 يوماً ترتكب فيها أفظع المجازر وتمعنوما زالت بحصار القطاع تنتهك المقدسات وتهدد جدياً المسجد الأقصى، تحتجز آلاف الفلسطينيين في السجون في ظروف قاسية تتنكر لأبسط حقوق الانسان الفلسطيني والشعب الفلسطيني وتستطيعون الزيادة إلى ما شاء الله، إضافة إلى أنها ما زالت تحتل الجولان منذ عقود فهي تستغل الحرب القائمة أبشع استغلال، تسعّر هذه الحرب الداخلية، تقدّم الدعم الواضح للجماعات المسلحة التكفيرية بهدف تدمير سوريا وتدمير جيشها وفي وضح النهار تعتدي وتقصف مواقع الجيش السوري وتشن غارات في العمق أيضاً بحجج وعناوين مختلفة، في لبنان إضافة إلى استمرار احتلالها لمزارع شبعا اللبنانية هي لا تعترف بالقرار 1701 الذي يقدسه بعضنا. انظروا إلى تقارير الأمم المتحدة، وليس تقارير الحكومة اللبنانية، أو المقاومة اللبنانية، آلاف الخروقات الاسرائيلية، هي لا تعترف لا بِبَرّ ولا بحر ولا جو، وتقصف أيضا عندما يحلو لها كما فعلت في جنتا وتغتال أيضا كما يحلو لها كما فعلت من خلال اغتيال الشهيد القائد الحاج حسان اللقيس، ويبقى لبنان دائما في دائرة الخطر، الإسرائيلي الآن كان وما زال في وضع يشعر فيه أنه قادر على تهديد الجميع، كل حكومات وجيوش وشعوب المنطقة وأنه قادر على الاعتداء وممارسة فعل العدوان على الجميع ساعة يشاء في الليل في النهار، اغتيال قصف طيران ويشعر أن يده مفتوحة، ما فيه مشكلة، ليس له مانع ودون عدوانه رادع وإلى آخره.
طبعاً هو مستفيد جداً من أوضاع المنطقة، الحروب القائمة خصوصاً في دول الجوار، انهماك جيوش المنطقة وحركات المقاومة في المنطقة، الانقسامات الحادة في الرأي العام العربي والاسلامي، التمزقات الموجودة في هذه المجتمعات وهذه الدول، فتن ومصائب، وأيضاً غياب كامل للدول العربية، واسمحوا لي أن أقول، لما يسمى بجامعة الدول العربية هذا ليس غائباً، هو ليس موجود أصلاً. هذا ليس شيئاً جديداً في فهمنا: نحن ولا في أي يوم كنا نراهن على شيء من هذا القبيل، لكن يتأكد الآن أكثر من أي زمن مضى وأقول هذا للشعب الفلسطيني وللشعب اللبناني وللشعب السوري ولشعوب المنطقة وللشعوب العربية، "ما في شي اسمه" الدول العربية، "ما في شي اسمه" للأسف جامعة الدول العربية، البعض يبالغ قليلاً ويقول "ما فيه عرب". لا، هناك عرب ولكن لا يوجد جامعة دول عربية، وإلا هؤلاء الذين يثبتون ويقاتلون ويواجهون هذا التحدي في فلسطين في لبنان في سوريا في دول الجوار هم عرب وهم أبناء هذه المنطقة وشعوب هذه المنطقة. نعم لا وجود لهؤلاء العرب، لا للمال العربي ولا للسلاح العربي ولا للاعلام العربي ولا لجامعة الدول العربية ولا للقرار العربي المستقل الذي يعملون عليه مليون جبهة مع إيران وغير إيران، هو ليس موجوداً أصلاً، هم يقاتلون ويدافعون عن شيء لا وجود له في الخارج أصلاً، أين القرار العربي المستقل الرسمي. نعم هذا غير موجود عندما تكون المعركة مع اسرائيل، عندما تكون المعركة في داخل البلدان العربية، عندما يكون القتال في سوريا أو في العراق أو في اليمن أو في ليبيا أو كما هو الآن في سيناء، المال العربي يحضر، والسلاح العربي يحضر والإعلام العربي يحضر وتجد بعض الوجوه العربية الكالحة، هذا ليس بجديد.
تجربة الحرب الظالمة على غزة في العام الماضي هي شاهد على غياب المال العربي والإعلام العربي والسلاح العربي وجامعة الدول العربية وكل شيء من هذا النوع. هذه هي الوضعية الحالية، التي تجري فيها أو جرت فيها أحداث الأسابيع الماضية وتجري فيها أحداث المنطقة وتواجهها حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ويواجهها محورالمقاومة على امتداد المنطقة إضافة إلى سوريا وإيران، في هكذا وضع ومناخ وبيئة ووضعية للعدو والصديق جاءت عملية الاغتيال في القنيطرة

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.