حتى لا تضيع تجاربنا .. يجب التأصيل لعلوم جديدة

والحقيقة انا لا نبالغ إذا قلنا: إن كل تجربة ذات قيمة مؤسسية كانت أم شخصية تتحول هناك إلى علم.

إذ لا تكاد تسمع عن إنسان نجح وبزغ هناك، إلا ونقل ملاحظاته إلى الكتابة والتدوين، ولا ترى مؤسسة تقوم، وتمضي عليها بضع سنين إلا وتنتشر في الأسواق الكتب التي ترصد تجربتها.

أما نحن.. فبيننا كثير من النابهين والنابغين والمبرزين، إلا أنك حين تسأل عن أسباب هذا البروز، لا تجد جواباً، وإن وجدته فهو ليس ناتجاً عن دراسة عميقة ومتأنية. بل هو جواب عندما تنظر إليه تعلم استحالة أن تبلغ ما بلغ صاحبه باهتداء إجابته تلك، هذا إن لم يحمل من معاني التضليل أكثر مما فيه من الدلالة والإرشاد. فئة من نابهينا تكتفي بذلك الجواب الذي كثيراً ما نسمعه من كبار السن وهم ينعون على حديثي السن جهلهم، وطيشهم، واستعجالهم، بقولهم «تخرجت في مدرسة الحياة" وتلك كلمة جنت أكثر مما أعطت، فأنت إذاً بحاجة كي تبلغ قدره إلى أن تمتلك مواهبه وتعيش ظروفه، وبيئته، وتتعلم علومه، دون أن تعرف شيئاً عن تلك العوامل.

لا يمكننا أن ننكر وجود (مدرسة الحياة) إلا أننا نتحفظ على تلك المدرسة إذا  كانت معارفها لا يمكن تقنينها وتحويلها إلى علوم، وإذا  كان التعلم فيها يتطلب أن ندرس فيها أربعين سنة، وإذا  كان معلموها، ومناهجها، ووسائل تعليمها عائدة إلى القدر لا لشيء آخر.

عودة غرباً.. فإنّ المدرسة إياها «مدرسة الحياة» قد صار بإمكان حديثي السن أن يستفيدوا منها، وينهلوا معارفها في سنين قليلة، وهي إن زادت في شيء، فإنما تزيد في كم معلوماتها، وقدرها، وأهميتها، ومدى صدقها.

إنّ كثيراً من المعارف التي كنا نظن يوماً ما استحالة تحولها إلى علم مضبوط، وأنها أقرب للموهبة والخبرة، أصبحت الآن تدرّس في معاهدهم وجامعاتهم، فهل كان يظن أحد منا أنّ التعامل مع الناس سيصير علماً وفناً؟ هل كنا نظن أنّ الخطابة ستتحول إلى علم له كتبه ودوره ومدارسه، وكذا السعادة، والإبداع، والإدارة، والتربية.. إلخ، لم نكن نظن كل هذا قبل أن تقوم هذه العلوم على أقدامها وتستوي على سوقها، وما زال بعضنا لا يتصورها، ويتخذها مجالاً للاستهزاء والسخرية.

 

المصدر : الوفاق 

الكلمات الرئيسية: 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.