عيد الغدير الأغر.. يوم إكمال الدين وإتمام النعمة

والذي عبر عنه المصطفى (ص) في حديث واضح: (يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى بتنيصب أخي وإبن عمي علي بن أبي طالب علما لأمتي، يهتدون به بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم النعمة ورضي لهم الإسلام دينا).

فإستبشار النبي وإخباره بجاه ومكانة هذا اليوم الذي يعتبر منعطفا تاريخيا عظيما في حياة الرسالة المحمدية هو خير دليل بين مشيدا ومشيرا إلى عظمة الإمامة بإعتبارها منزلة إلهية ومرتبة سماوية، يجعلها الله سبحانه لمن يشاء ويختار من عباده، بعد أن يجتبيه ويبتليه، وهي مبدأ الولاية المطلقة للإمام الحق.

ومنذ إنطلاقة البعثة النبوية كان الرسول (ص) يمهد ويشير في كل موقف وموطن إلى خليفته من بعده إما بالتصريح والتلميح والإيماء أو الهمس وقد صرح به القرآن أيضا إنطلاقا من آية: (وأنذر عشيرتك الأقربين) وحتى آية (اليوم أكملت لكم دينكم)، وكلها جعلت الإمام أمير المؤمنين في صدارة مضمونها.

وعودا على بدأ، حيث أن الرسول محمد (ص) هو المؤسس والباني لهذا العيد وأفراحه حيث ذكر المؤرخون من الفريقين إنه (ص) بعد تعيينه الإمام علي بن أبي طالب (ع) خليفة بعده من عند الله، أقام مراسم بهجة وإحتفاء وسرور بهذه المناسبة، حيث جلس في خيمته مستقبلا جمهور المسلمين وحشد المهنئين ببهجة وحبور ورحابة صدور ومشاركهم ومشاطرهم الفرحة الكبرى وقائلا لهم: (هنئوني هنئوني)، فإن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة وهذا مارواه النيشابوري من علماء أهل السنة، وتدفق الناس حول الإمام علي(ع) بالتهنئة والبيعة بهذا اليوم الذي تشير كل الأدلة النقلية والقرائن العقلية لعظمته من حيث أنه مرتبط عضويا وروحيا بمسألة الإمامة وقيادة الأمة والتي تعد من أهم قضايا الرسالة الإسلامية التي حمل أعباءها الرسول (ص) إيمانا بما جاءت به الآية الكريمة: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).

وبعد أن خضع الرسول (ص) لإرادة السماء وأوامر الرب الجليل بإبلاغ الأمة حاضرها وغائبها بتعيين الإمام علي وليا وقائدا للمسلمين من بعده، قام بإجراء المرسوم السماوي الخطير قائلا: (من كنت مولاه فهذا (يعني عليا) مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله).

وقد روى هذا المشهد العظيم وهذا الإعلان المحمدي الذي تمثل بحديث الغدير 110 صحابيا و84 تابعيا سمعوه ودونوه في كتب الحديث.

وللحديث صلة أيضا حيث يذكر إبن طلحة الشافعي: مما دل عليه أن لفظ (المولى) الذي أشار به الرسول لعلي (ع) قد جعل له كمرتبة سماوية ومنزلة سامقة ومكانة رفيعة ودرجة عالية، تخصص بها الإمام دون غيره ومن هنا صار هذا اليوم مباركا ومحببا وموسم سرور وعيدا للمسلمين، حيث عد (البيروني) عيد الغدير (مما إستعمله أهل الإسلام من الأعياد المهمة).

ولهذا كان أئمة أهل البيت (ع) بما فيهم الحسن والحسين يجددون ذكرى هذا اليوم كل عام ويتخذونه عيدا لهم ولأوليائهم ويجلسون فيه يتلقون التهنئة والسرور، وكانوا يتقربون فيه إلى الله بالصلاة والصيام والبر والإحسان شكرا لله على نعمته الكبرى وإتخذوه يوم تزاور وتواصل وتباذل.

فقد سئل الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): هل للمسلمين عيد غير الجمعة والأضحى والفطر أعظمها حرمة؟ فقال (ع): نعم، اليوم الذي نصب فيه رسول الله (ص) أمير للمؤمنين (ع)، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، وقال: أذكروا فيه الله عزوجل بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد).

وإستمر الرسول (ص) على هذا السياق وفي نفس السباق لتوضيح الأمر للأمة بخليفته من بعده حتى اللحظة الأخيرة من حياته الشريفة وهو على فراش الموت حين أوصى من حوله أن يأتوا له بدواة ومداد ليكتب نص تعين الإمام خليفة من بعده، ولكن إجتماع البعض على وضع عقبات كأداء أمام طلب الرسول هو الذي حال من توضيح الأمر!

فجرى ما جرى من بعد حيث خرجت الشياطين تترقب وفاة الرسول لتنقض على الأمة وتهزهز قواها وتشتت شملها وتمزق وحدتها وكم هو جميل ورائع ما قالته الزهراء (ع) بهذا الشأن:

(وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة فيه ملاحظين، ثم إستنهضكم فوجدكم خفاقا، وأحمشكم فألغاكم غاضابا).

وإستمرت النكبات والنكسات على الإسلام وعلى آل الرسول وشيعتهم بعد أن تناهبوا سلطان الإمام (ع) وتوثبوا على دحره وخالفوا كلما جاء به طه وهو إذ ذاك ليس بالمقبور، وكانت الكارثة الكبرى أن يحتل هذا المركز السماوي والكيان الرباني أناس لم يجيدوا إدارة شؤونهم وكيف بإدارة شؤون الأمة: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) [يونس- 35].

وليس ثمة شك أن يجمع النبي المسلمين في ذاك الموقف الرهيب وأسرهم في الرمضاء والطلب بإرجاع من تقدم وإلحاق من تأخر لدليل واضح على أن قصد النبي هو ليس إظهار الحب والمودة والنصرة والأخوة للإمام بما أن هذه الأمور قد وجدت بجوار تلميح النبي إليه، ولكن ما عناه الرسول في ذلك العراء وعبر ذلك الخطاب والإبلاغ حيث نعى نفسه: (إني أوشك أن أدعى فأجيب) من كل هذا نستنتج أن مقصوده (ص) ومتوخاه من هذه الأوامر والنواهي هي: بيان أمر الإمامة والولاية من بعده فليس غير لك.

معنى الولاية

==========

ورد عن الإمام الباقر (ع):  «أيكفي من ينتحل التشيّع أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من علي، أفحسب الرجل أن يقول أحب رسول الله ثم لا يعمل بسنته، من كان ولياً لله فهو لنا ولي، ومن كان عدوّاً لله فهو لنا عدو، والله لا تنال ولايتنا إلا بالورع عن محارم الله".

الولاية ليست مجرد حب لعليّ (ع)، وليست مجرد إرهاصة نعبر عليها في حياتنا،  الولاية خط وموقف، شعار وهدف، أن نكون في الخط الذي سار عليه عليّ (ع)، وعليّ (ع) قال:  «ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع ـ عن الحرام ـ واجتهاد ـ في طاعة الله ـ وعفة وسداد»، هذا هو خط الولاية في مدرسة التشيّع الذي هو خط الإسلام، هذا هو موقف الإيمان في ظلمة الباطل والطغيان، هذا شعار الحق والعدل في مدرسة علي عليه السلام بعيدا  عن شعارات الضوضاء الاستكبارية، هذا هدف الإسلام في خطه التربوي لأتباعه فيما أنزله الله على رسوله من كتابه، وفيما ألهم الله به رسوله من سنته، وفيما أخذ به الأئمة (ع) عن رسول الله، لأن حديثهم هو حديث رسول الله(ص).

لنفكر قليلا من السني فعلا ومن الشيعي حقا وأين الإسلام في هذا وذاك؟ فالوحدة الإسلامية كقيمة إسلامية عظيمة لا نعني بها أن يتسنن الشيعي أو يتشيع السني مع اعتقادنا بأن الولاية في التشيع هي  المدخل المنهجي للوحدة بين المسلمين، لكن لا نريدها كلمات صاخبة ومنطلقة من عنفوان مذهبي نريدها فكرة مستوحاة من الكتاب والسنة في رحاب الحوار الإسلامي الموضوعي المرتكز على الأخوة الإسلامية النابعة من نقاط الوفاق الإسلامي الهادفة لصد المد الإستكباري والتخلف الديني والتعصب المذهبي، نريدها الإنسانية في التصور الإسلامي...

وأمير المؤمنين عليه السلام عندما أجاب الحارث بن حوط عن الخوارج قال «يا حارث، انك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت. انك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه».  

وقوله تعالى في الآية الكريمة : (قل إنما اعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) فالعقل الجمعي السلبي فعل فعلته الشنيعة عبر التاريخ الإسلامي كله والقرآن يحذر في عدة مواضع  من الخضوع للتيار العام، على حساب الحق، بأن يجمد الإنسان عقله، ويعطل فكره، وينساق مع الحالة السائدة، وهذا ما أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يبلغه للحارث بن حوط، وكل الآيات التي تناقش المنهجية الخاطئة في الانتماء والقراءة للآخر تهدف لتصليب إرادة الفرد  للبحث عن الحق وإمتلاك الشجاعة اللازمة على إتباعه، دون خشية الضغوط الاجتماعية  الأبوية والسياسية والمذهبية والإستكبارية ككل...

ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في رجب واستشهد في رمضان وتألق في ذي الحجة وتمر الأيام، وعليّ (ع) يبقى هو الأمين على الإسلام والوصي لرسول الله (ص) في حماية الإسلام ورعايته حتى لما أخرج من  مركز الخلافة،  وقد أطلقها كلمة رائعة للنواصب عبر الزمن كله:  «لقد علمتم أني أحق بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه».

المصدر : الوفاق 

 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.