في يوم تخليده .. تكريم العالم والمحقق الايراني نصير الدين الطوسي

ولد في طوس 18 فبراير 1201م ـ وهي ناحية في منطقة خراسان في شمالي شرق إيران ـ واختلف في سنة ولادته، ولكن أكثر المؤلفين يتفق على أنه ولد سنة 597هـ وكان والده محمد بن الحسن من الفقهاء والمحدّثين، فتربّى في حجره ونشأ على يده. وتوفي الطوسي في بغداد سنة 672هـ، ودفن في الكاظمية.

اعتبره العالم والمؤرخ ابن خلدون أحد أعظم علماء الفرس. ولم يكن نصير الدين الطوسي أقلّ حظاً في التكفير والتبديع وتشويه السمعة من أقرانه كبار العلماء.

تتلمذ الخواجه نصير الدين الطوسي على أبيه محمد بن الحسن في مراحله الدراسية الأولى، ثم درس علوم اللغة من نحو وصرف وأدب بعد دراسته القرآن، وبتوجيه من أبيه درس الرياضيات على كمال الدين محمد المعروف بالحاسب، ثم درس الحديث والأخبار وتوسع في دراسة الحديث على أبيه، كما درس عليه الفقه، ودرس المنطق والحكمة على خاله، والحكيم فاضل بابا أفضل الكاشي الفيلسوف.

وبعد دراسته على خاله، أتقن الطوسي علوم الرياضيات من حساب وهندسة وجبر وهو لا يزال في مطلع شبابه، وفي هذا الصدد يقول عن نفسه: إنه بعد وفاة والده عمل بوصيته في الرحيل إلى أي مكان يلقى فيه أساتذة يستفيد منهم، وكانت نيسابور في ذلك العهد مجمع العلماء ومنتجع الطلاب، فسافر إليها حيث حضر حلقة كل من سراج الدين الضري وقطب الدين الداماد وأبو السعادات الأصفهاني وآخرين غيرهم، كما لقي فيها فريد الدين العطار، كما درس على معين الدين سالم بن بدران المازني المصري الإمامي، وقد أجازه معين الدين في سنة 619هـ.

رغم مكانه الديني المرموق، لم يقتصر نتاج الشيخ الطوسي على العلوم الدينية كالتفسير وعلم الكلام والفقه والحديث فقط، بل شمل علم المعادن وعلم الفلك والطب والهندسة والفيزياء والرياضيات والجغرافيا والمنطق والفلسفة وغيرها من العلوم حتى أصبح من أبرز المفكرين في عصره. وأكثر ما اشتهر به الشيخ الطوسي هو إنجازاته غير المسبوقة في علم الفلك.

كان الطوسي هو أول من كتب في علم المثلثات بمعزل تام عن علم الفلك. حيث جعل علم المثلثات فرعاً مستقلاً في الرياضيات البحته. والطوسي هو أوّل من استعمل الحالات الست للمثلث الكروي القائم الزاوية. وهو الذي صاغ قانون الجيب للمثلثات المسطحة:

وهو الواضع لقانون الجيب للمثلثات الكروية ومكتشف قانون الظل. وأثبت بالبراهين لكلا القانونين.

وقدّم الشيخ الطوسي وفريقه جزءا كبيراً من المعرفة العملية التي تمكن بواسطتها كل من غاليليو ونيوتن من دحض النماذج التي بنيت على فيزياء أرسطو وفلك بطليموس.

لقد وصل علم الفلك الإسلامي إلى ذروته في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي عندما تجاوز الطوسي ومن خلَفه من العلماء حدود رؤية بطليموس للعالم، والتي كانت مسيطرة على الأجواء العلمية لألفية كاملة من الزمن. فمن إنجازات الطوسي نقده الشديد لنموذج بطليموس للكواكب الذي كان يرى فيه أن الأرض هي مركز الكون، وبدلاً من ذلك جاء الطوسي بنظام كواكب جديد ذكره في كتابه «التذكرة في علم الهيئة». في هذا النظام الكوكبي أتى الطوسي بنظريات رياضية لإصلاح الخلل في الهيئة الفلكية لبطليموس بخصوص حركة الكواكب.

لقد كان تطبيق نموذج الطوسي للكواكب على حركة القمر -على يد ابن الشاطر- هو ما أنتج النموذج القمري الذي سبق النموذج الذي استخدمه كوبرنيكوس بأكثر من 100 عام وكان متطابقا معه إلى حد كبير -علما بأن كوبرنيكوس هو من نقض نظام بطليموس تماما وفتح بذلك الباب للنظريات الحديثة-. ولوضوح آثار نظام الطوسي على عمل كوبرنيكوس، أطلق علماء الغرب اسم «مزدوجة الطوسي» على ذلك النظام أي مزدوجة الطوسي وكوبرنيكوس.

نجح نموذج الطوسي ومساعديه نجاحا باهرا في تحديد خطوط طول القمر وبعده عن الأرض، واعتبرت هذه النظرية الجديدة للكواكب أهم إنجاز للمسلمين في علم الفلك. هذه النظرية وصلت إلى العلماء الأوروبيين في عصر كوبرنيكوس عبر العلماء البيزنطيين الذين ترجموا الكثير من أعمال العلماء المسلمين كما يعتقد بعض الدارسين.

انتقل نصير الدين من طوس الى نيسابور وهو في مطلع شبابه طلباً للعلم من كبار علمائها. وفي العشرين من عمره اجتاح المغول بقيادة جنكيز خان منطقة خرسان، وأخذوا بتدمير مدنها الواحدة تلو الأخرى وقتلوا فيها من قتل وفرّ منهم من فرّ. حتى ساد القتل والخراب وأصبح الناس هائمين على وجوههم لا يعرفون أين المفرّ. لكنّ قلاع الإسماعيليين كانت صامدة في وجه المغول.

أضطر الطوسي للجوء الى قلاع الإسماعليين المحصّنة للنجاة من بطش المغول. وكان هذا اللجوء بعد الدعوة التي قدمها ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور، حاكم قهستان والوالي على قلاع الإسماعليين الذي كان مهتماً بالعلماء والفلاسفة، ثم طلبه علاء الدين محمد زعيم الإسماعيليين من واليه ناصر الدين، فذهب به اليه في قلعة ألَمُوت. واستبقاه علاء الدين عنده حتى توفي، ثم استبقاه ابنه الأكبر ركن الدين خورشاه. كان الطوسي الوزير المطلق لدى الإسماعيليين، وبلغ عندهم رتبة أطلقوا فيها عليه لقب أستاذ الكائنات. ويذكر بعض المؤرخين أنه ذهب مرغماً بعد أن تمّ اختطافه من قبل الإسماعليين واقتادوه الى «قلعة ألموت» (إحدى قلاع الاسماعليين) وقضى تلك الفترة سجيناً هناك.

مؤلفاته وآثاره

ترك الطوسي مؤلفات في كل أبواب المعرفة في عصره، فله مؤلفات في العلوم الصرفة كالهندسة والجبر والمثلثات والفيزياء، وكتب في المنطق والأخلاق والتربية، وله كتب في العلوم الفلكية، كالفلك والتنجيم والاختبارات والإسطرلاب، وكان للفلسفة عنده بموضوعاتها المختلفة مكانة مهمة، بالإضافة إلى مؤلفاته في السياسة وعلم الكلام، كما وضع كتباً في التاريخ والجغرافيا والطب، علاوةً على الشعر وفنّه، وكانت له أيضاً أسرار مهمة في التصوف الفلسفي البحت.

ومن مؤلفاته، «تحرير الكلام»، وقال فيه: «إني مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ نظام، مشيراً إلى غرر فرائد الاعتقاد، نكت مسائل الاجتهاد مما قادني الدليل إليه وقوى اعتقادي عليه».

المصدر : الوفاق

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.