يوم عرفة .. وحدة مقدسة صاغتها فريضة الحج بأسمى المعاني

وتجلت فيه وحدة المسلمين في صعيد عرفات، وقد توحدت مظاهرهم في لباسٍ واحد وتوحدت كلماتهم في دعاء وضراعة لله رب العالمين، وتوحدت آمالهم في قبول الله عبادتهم واستجابته دعاءهم.

ونحن في هذه الأيام المباركة على أبواب عيد كريم هو عيد الأضحى المبارك، العيد الذي يجتمع فيه المسلمون على صعيد واحد، في أشرف بقاع الأرض وأقدسها، يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم بالتلبية والدعاء، وتمتلئ قلوبهم بالأمن والإيمان والرخاء.

 عرفة أفضل الأيام، فمؤتمر عرفة يمثل الوحدة المقدسة التي صاغتها فريضة الحج في أسمى معانيها،  فهناك في عرفات ينتظم عقد الحجيج ويجتمع شملهم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وَبُعْدِ ديارهم، متجردين من الدنيا وزينتها كأنهم ملائكة أطهار، فيتجلى عليهم الحق سبحانه وتعالى، فيسمع دعاءهم، ويجيب سؤالهم، ويحقق آمالهم، ويغفر ذنوبهم، ويباهي بهم ملائكته، فيقول: (انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاءُونِي شُعْثاً غُبْراً ضَاحِينَ، جَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرَ عَتِيقاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ)، وفي يوم عرفة أتم الله نعمته على الإنسانية،

فحق لهذا اليوم أن تكون له مزيته وشرفه، فلنحمد الله على هذه النعمة ولنجدد الشكر له سبحانه وتعالى ويشرع للجميع الإكثار من التكبير والذكر في هذا اليوم وفي يوم العيد وأيام التشريق، فهي أيام ذكر وشكر كما قال سبحانه: {وَأَذّن فِى النَّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ لّيَشْهَدُواْ مَنَـٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَـٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج:27، 28]، ولقوله سبحانه: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودٰتٍ} [البقرة:203 بقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، يقول: الله أكبر الله، أكبر الله أكبر كبيراً، ويسن الجهر بها إعلاناً لذكر الله وشكره وإظهاراً لشعائره.

عيد الأضحى

هو أهم عيد عند المسلمين، يأتي قبله يوم وقفة عرفة، يكون تاريخه في 10 ذي الحجة، حيث يقف الحجاج المسلمين لتأدية مناسك الحج، وهو ذكرى قيام النبي إبراهيم(ع) عندما أراد سيدنا إبراهيم أن يقوم بذبح إبنه سيدنا اسماعيل حسب ما طلب الله من ابراهيم بذبح إبنه اسماعيل تقرباً لله، حيث نقوم في هذه المناسبة بذبح (خروف أو بقرة أو عجل) وتوزيع هذه الأضحية على الفقراء والمحتاجين والأهل والأقارب، وهذا سبب تسميته عيد الأضحى، والفرح فيه فهو من محاسن هذا الدين وشرائعه، ويستحب للمسلم التجمل في العيد بلبس الحسن من الثياب والتطيب في غير إسراف، وصلاة العيد المسلمون يجتمعون لها مثل الجمعة، وقد شرع فيها التكبير.سبع تكبيرات في الركعة الأولى وخمس في الثانية.

ويستحب في عيد الأضحى أن لا يأكل إلا بعد صلاة العيد ويستحب للمصلي يوم العيد أن يأتي من طريق ويعود من طريق آخر اقتداءاً بالنبي فعن جابر قال: (كان النبي إذا كان يوم عيد خالف الطريق) البخاري.

ويستحب له الخروج ماشياً إن تيسر، ويكثر من التكبير حتى يحضر الإمام.

وأيام العيد ليست أيام غفلة، بل هي أيام عبادة وشكر، والمؤمن يتقلب في أنواع العبادة ومن تلك العبادات التي يحبها الله تعالى ويرضاها صلة الأرحام وزيارة الأقارب وترك التباغض والتحاسد، والعطف على المساكين والأيتام، وإدخال السرور على الأهل والعيال، ومواساة الفقراء وتفقد المحتاجين من الأقارب والجيران.

ومن شعائر يوم العيد ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل لقوله سبحانه: {فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]. ويقول سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَـٰهَا لَكُمْ مّن شَعـٰائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَـٰنِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَـٰهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج:36] وجعلها من شعائره.

ولذا كان على المسلم أن يستشعر في ذبح الأضاحي التقرب والإخلاص لله تعالى بعيداً عن الرياء والسمعة والمباهاة، وامتثالاً لقوله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتي للَّهِ رَبّ الْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163].

وللأضحية شروط لا بد من توفرها، منها السلامة من العيوب التي وردت في السنة، وقد بين العلماء هذه العيوب مفصلة، ومن شروطها أن يكون الذبح في الوقت المحدد له، وهو من انتهاء صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر، والمقام لا يسع للتفصيل في ذلك.

سُمّي عيد الأضحى بالعديد من الأسماء، ويختلف بإختلاف الدول فيسمى في بلاد لبنان، تونس، المغرب، العراق، ليبيا، مصر بالعيد الكبير، وفي ايران يسمى بعيد القربان، وفي البحرين يسمى بعيد الحجاج، وأهم ميزة في أيام عيد الأضحى هي ذكر الله والصلاة، والكرم والعطاء، والفرح، والعطف على الفقراء، ويتم تناول الحلوى في بيوت المسلمين، والاستحمام  والتعطر، ولبس الأثواب الجديدة.

وينبغي أن لاينسى المسلمون أخوان لهم تحت ظلم الإحتلال وخطر الحرب وأيتام وأرامل غيب الهم والحزن عنهم فرحة العيد ، فنسأل الله تعالى أن يفرج عن الأمة شر مانتخوف منه وأن يعيد علينا العيد بالنصر والعزة والأمان وكل عام وأنتم بخير.

المصدر: الوفاق

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.