عيد «النيروز».. السنة الإيرانية الجديدة بين التاريخ والدين

یحظى «النيروز»، الذي تعود جذوره إلى بلاد فارس ما قبل الإسلام، باستقبال واسع في إيران وبلدان تتقاسم الثقافة نفسها ، وإن اختلفت جغرافيتها.

وتتميز هذه المناسبة باحتفائها بالطبيعة وتغنّيها بفصل الربيع، وهو احتفال نجد نظيراً له في بعض الثقافات الأخرى، مثل «شمّ النسيم» في مصر، والذي يعود إلى الحضارة الفرعونية القديمة، وأيضا عيد «الملك طاووس» لدى «اليزيديين» في العراق.

يعتبر عيد النيروز، العيد القومي والقديم في إيران، وهو أحد أبرز تظاهرة في التاريخ الإيراني القديم الضارب في أعماق التاريخ، إذ تعود قدمتُه إلى ألف سنة قبل الميلاد. وكلمة «نوروز»، هي كلمة فارسية فهلوية أصيلة، فُسّرت بأنها أول يوم من أول شهر في السنة الإيرانية.

النيروز، معناه وجذوره التاريخية

يتزامن هذا العيد مع نهاية فصل البرد والشتاء وبداية فصل الربيع وانبعاث الطبيعة من جديد (يصادف 21 مارس من كل سنة). أما عن السبب الرئيس لوجود عيد النيروز نُقل عن الحكيم عمر الخيام قوله : إن سبب تسمية هذا العيد بـ«النيروز» يرجع إلى أن الشمس خلال مسيرتها التي تستغرق 365 يوماً وربع يوم، تعود إلى أول دقيقة في برج الحمل. وحين أدرك الملك الفارسي القديم «جمشيد» ذلك اليوم سمّاه «نوروز»، وأدركه بعده العجم فأقاموا لإحيائه الاحتفال (المرجع السابق).

ويعتقد بعض الباحثين أن الملك «جمشيد» بعدما فرِغ من التصدي لخبث الخبثاء وظلم الظالمين، أقام حفلاً كبيراً، وتربَّع على عرشٍ مرصَّع بالجواهر...فهبّ الناس، شكراناً منهم لهذا النصر، أي ظهور الحق على الظلم، واتخذوا من هذا اليوم عيداً، وأسموه «نوروز».

ويؤكد الشاعر الفارسي الملحمي الكبير، الفردوسي، في ملحمته الكبرى «شاهنامة» أن «جمشيد» هذا هو مؤسس هذا العيد، ويقول : (حينما اعتلى العرش جمشيد ونثر جوهراً، سمّوا ذاك اليوم باليوم الجديد، فبقي هذا اليوم الميمون خالداً منذ ذلك الزمان).

النيروز في الروايات

لقد صمد هذا الاحتفال الذي ينبع من الديانة الزرادشتية، رغم تقلبات الحوادث وصروف الزمان، وتعاقبِ الكثير من الأمم على حكم إيران، من عرب وترك ومغول وإفرنجة. ويمكننا البحث عن دواعي هذا الخلود في رسائل هذا العيد الإنسانية وعدم تعارضه مع المبادئ الأخلاقية والموازين الإسلامية. ينضاف إلى هذا اصطباغه في العهد الإسلامي بصبغة مذهبية شيعية، بسبب ما ورد فيه من روايات منسوبة إلى أئمة أهل البيت.

من جملة ذلك، ما نُسب إلى الإمام جعفر الصادق من أنه قال: «النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه الله العهد على بني آدم أن يعبدوه وألا يشركوا به شيئاً...هو اليوم الذي استقرت فيه سفينة نوح على الجودي...هو اليوم الذي قام فيه إبراهيم عليه السلام يكِّسر الأصنام...هو اليوم الذي نجّى فيه موسى عليه السلام قومه من الأسر وقطع بهم نهر النيل...هو اليوم الذي بُعث فيه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام...

كما جاء في كتاب بحار الأنوار نقلاً عن مُعَلَّى بن خنيس قوله : دخَلتُ على الصّادقِ عليه السلام يومَ النَّيروزِ فقال: أتَعرِفَ هذا اليَومَ ؟ قُلتُ: جُعِلتُ فِداك، هذا يَومٌ تُعَظِّمُهُ العَجَمُ وتَتَهادى فيه، فقالَ أبو عَبدِ اللّه الصّادِقُ عليه السلام : والبيتِ العَتيقِ الّذي بِمَكَّةَ ! ما هذا إلاّ لِأمرٍ قَديمٍ اُفَسِّرُهُ لَكَ حَتّى تَفهَمَهُ ...

يا مُعَلّى، إنَّ يَومَ النَّيروزِ هُوَ اليَومُ الّذي أخَذَ اللّه ُ فيهِ مَواثيقَ العِبادِ أن يَعبُدوهُ ولا يُشرِكوا بِه شَيئاً، وأن يُؤمِنوا بِرُسُلِهِ وحُجَجِهِ، وأن يُؤمِنوا بِالأئمَّةِ عليهم السلام، وهُوَ أوَّلُ يومٍ طَلَعَت فيهِ الشَّمسُ... وما مِن يَومِ نَيروزٍ إلاّ ونَحنُ نَتَوَقَّعُ فيهِ الفَرَجَ لِأنَّهُ مِن أيّامِنا وأيامِ شيعَتِنا، حَفَظَتهُ العَجَمُ وضَيَّعتُموهُ أنتُم ... وهُوَ أوَّلُ يَومٍ مِن سَنَةِ الفُرسِ...

عيـــد النــوروز في إيــران..

يحتفل الكثير من سكان العالم بيوم الحادي والعشرين من شهر اذار وتختلف اسباب احتفالهم بهذا اليوم فمنهم من يحتفل ابتهاجا بقدوم فصل الربيع ومنهم من يحتفل به تعبيرا عن حبه لوالدته حيث اختير هذا اليوم عيدا للأم ليترافق مع عطاء الطبيعة وعودة الحياة لها من جديد ومنهم من يحتفل لحلول عام جديد...

رأس السنة الإيرانية

ويحتفل الايرانيون والعديد من دول آسيا الوسطى مثل طاجيكستان واذربيجان وتركمانستان وافغانستان وجزء من الصين وباكستان والعراق وبعض دول منطقة البلقان في هذا اليوم من كل عام بحلول رأس السنة الايرانية او كما يطلق عليه الايرانيون (عيد النوروز) اي عيد (اليوم الجديد)، واتت هذه التسمية من ان اليوم الاول من السنة الايرانية يترافق مع بداية فصل الربيع وتحول الطبيعة.

وقد اختار الايرانيون هذا التقويم الذي يطلق عليه التقويم الهجري الشمسي معتمدين في ذلك على الابراج الفلكية حيث ان اليوم الاول من السنة الفارسية اي الاول من شهر (فروردين) الفارسي يصادف اليوم الاول من برج الحمل الفلكي اي الحادي والعشرين من شهر آذار الميلادي .

يبدأ الايرانيون تحضيراتهم للاحتفال بعيد النوروز مع بداية شهر اسفند حيث يقومون بشراء الملابس الجديدة وتحضير الحلويات الخاصة بالعيد وشراء بعض الوسائل اللازمة لاحياء المراسم التقليدية والتراثية التي نشأوا عليها ولهذا فان الاسواق الايرانية تشهد في الشهر الاخير من العام حركة ونشاط كبيرين وخاصة في الاسبوعين الاخيرين من العام.

النيروز على وزن فيعول بفتح الفاء، ويقال له أيضا النوروز على وزن فوعول. وهو لفظ معرب: ويعني أول السنة، لكنه عند الفرس عند نزول الشمس أول برج الحمل. و(نوروز) يعني (التجدد) في الحياة ويبدأ في أول أيام شهر (فروردين) وهو أول شهور السنة الشمسية الإيرانية وقد اختير لكونه أول أيام الربيع أي في نفس اليوم الذي تتم فيه الأرض دورتها السنوية حول الشمس لتبدأ دورة جديدة.

يحتفل الإيرانيون هذه الأيام بعيد النوروز أو (النيروز)، بعد حلول رأس السنة الشمسية التي توافق فلكيا الانقلاب السنوي الربيعي، الذي يحل فجر 21 مارس/آذار الحالي. وتعود الاحتفالات بهذا العيد إلى أكثر من 2000 سنة مضت، ولا يزال يحتل مكانة كبيرة لدى الإيرانيين حتى بعد انتصار الثورة الإسلامية، كما تم تسجيله في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2009. ويعتبر الإيرانيون حلول النوروز تزامنا مع تجدد الطبيعة عند بداية فصل الربيع. اسم هذا العيد باللغة الفارسية يعني: (اليوم الجديد)، وهو يجسد على بساطة لفظه مدلول (التجدد) بمعناه الواسع المطلق. في ذات الوقت تعلن طلقة مدفع حصول (التحويل)، كما يقال في ايران، فتبدأ الافراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة ومعها الانسان من فترة الفاصل الذي يمحو الزمن ويضع حداً للماضي، ولكن يعلن في آن واحد عن (العودة).. عودة الحياة وتجددها.

ومع اقتراب لحظات دخول العام الجديد يقرأ أفراد الأسرة بصورة جماعية دعاء (يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال.. حوّل حالنا إلى أحسن حال). في ليلة عيد النوروز يتم تناول طعام ايراني خاص (سبزي بلو مع السمك) ويعني سبزي مع الرز والسمك وبداية الشهر الايراني الجديد وكانوا يفضلون الرجل السيد الوقور في البيت. عيد النوروز القديم الذي ينعقد منذ آلاف السنين في ايران، هو حفل قيام الطبيعة وتجديد الحياة واحتفال الحركة والعمل والجد و الفطرة وتكريم هذا العيد عند الايرانيين قديم جدا.

يحتل عيد النوروز مقاماً كبيراً في ايران، ولايزال امره كذلك من اقدم العهود الى يومنا هذا. ومن عراقته هذه تبرز اهميته، كما أن في هذا الاخلاص الشديد لتقاليده اكبر دليل على اصالته، حتى ليبدو من العجب أن نراه مازال يثبت وجوده في القرن الواحد والعشرين، اي في هذه الفترة المضطربة من التاريخ الروحي للانسانية.

وتبدأ الأفراح وتعم البهجة مع الإعلان عن حلول العام الجديد، حيث يحرص الإيرانيون في هذه المناسبة على محو الأحقاد والضغينة من خلال زيارة من يحملون نحوهم الضغينة ويعملون على وضع حد للماضي الأليم وفتح صفحة جديدة في تعاملهم مع الآخرين تماماً كما تفعل أشجار الطبيعة التي تنفض عن نفسها غبار الماضي وتبدأ الحياة من جديد.

من ذلك ان كل العائلات تستعد استعداداً كبيراً حسب التراتيب التقليدية العريقة، وقلما يقع السهو عن احدى جزئياتها، بل انه ليهتم بالبسائط اهتماماً لم يحد من غلوائه سوى ما ادخلته المدنية الحديثة من تطور في الحياة اليومية، وفي حياة المرأة الشرقية بالخصوص. فمثلاً كان على ربات المنازل الى عهد قريب ان يأخذن قبل شهر في اعداد الحلويات المعقدة، الامر الذي لا يسمح به وقت المرأة العصرية في ايامنا هذه. انما بقيت غير هذه من العادات مما لا يغفل عنه، كعملية تنظيف المنازل كلياً، تهيئة ملابس جديدة لكل فرد في العائلة وشراء المكسرات وتبادل الزيارات بين العوائل. وتأخذ الاحتفالات بقدوم عيد (نوروز) من قبل الشعوب التي تلتزم به أشكالاً مختلفة، حيث يقوم الإيرانيون قبل شهر من حلوله بتنظيف منازلهم وجميع مستلزماتهم المنزلية وحتى أزقتهم وشوارعهم ومحلات عملهم ويسعون جاهدين لتبديل آثاثات منازلهم القديمة بجديد وشراء الملابس الجديدة والحلي وتحضير المواد الغذائية الخاصة.

وقد ورد في كتب تاريخ بلاد الفرس أن هذه السفرة قبل اعتناق الإيرانيين للإسلام كانت تسمى بسفرة (هفت شين) لاحتوائها على مواد تبدأ بحرف واحد وهو (الشين)، وقد تم تحويلها إلى (هفت سين)؛ وتتكون سفرة (هفت سين) (مائدة السينات السبع) من: سبزي (خضروات) ترمز للسعادة والفرح، سيب (تفاح) يرمز للسعادة وطعم الحياة الجميل ، سنجد تمر رمز للصحة والعافية، سير (ثوم) يرمز للنضارة والحيوية، سكة (قطعة نقد معدنية) ترمز إلى البركة وسعة الرزق في العام الجديد ، سركه (خل)، و(سمنو) حلوى تحضر من القمح ترمز للحياة الجميلة كما تحتوي المائدة على البيض الذي يرمز للخصوبة والولادة، فيما ترمز المرآة إلى النور ومكانها في مقدمة المائدة، اما الماء فهو رمز للبركة في الحياة.

وان أثرى هذه التقاليد، معاني ودلالات هي زرع بعض الحبوب في صحن، حتى اذا انبتت واورقت وضعت هذه الباقة الخضراء على الخوان المخصص للسينات السبع، او(هفت سين). وينبغي (كما يرون) أن تتضمن أدوات المائدة البيض المدهون للدلالة على الخصوبة، وطاسة سمك ذهبي للدلالة على محيطات العالم، وشموع مع المرايا العاكسة للدلالة على النار الأبدية. 

ويقوم الإيرانيون كل عام بتوديع عام واستقبال عام آخر بمراسم خاصة تبدأ بتنظيف البيوت والأثاث، ويسمون ذلك (خانه تكاني) أي نفض الغبار عن المنزل، وإعادة ترتيب ديكور البيت بشكل جديد، حيث يشترك في ذلك جميع أفراد العائلة صغارا وكبارا، والكل يساعدون ربة البيت في كل ما تريد القيام به.

وتشمل المراسم التزاور بين الأقارب والأرحام والجيران والأصدقاء وعيادة المرضى، وقبل ذلك قراءة الفاتحة على أرواح الموتى في مقابرهم ووضع أكاليل الزهور عليها.

وحين تحل ساعة الصفر وبدء السنة الجديدة، يجلس أفراد كل أسرة حول مائدة (سفرة) توضع فيها سبعة أشياء أو أطعمة، تبدأ أسماؤها بحرف السين باللغة الفارسية، وهي غالبا من الفواكه والمكسرات، فضلا عن وضع كمية من النقود المعدنية ونسخة من القرآن الكريم، وآنية فيها سمكة ملونة ومرآة وكمية من الحنطة المنقوعة بالماء بضعة أيام حتى صارت كأنها قطعة من بستان.

ويستمع الجميع إلى صوت المذياع أو التلفاز وهو يعلن بدء العام الجديد، فيقرأ أفراد العائلة هذا الدعاء والقرآن مفتوح أمامهم، قائلين:

«يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوِّل حالنا إلى أحسن حال».

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.