تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على الحالة الثورية في البلدان العربية والإسلامية

الثورة الإسلامية في إيران كانت فعلاً استثنائياً في المنطقة ولم يكن متوقعاً على الإطلاق في تلك الفترة.. وبالتالي ترك أثره على كافة الحركات السياسية والإسلامية في العالم العربي بحيث لايمكن الإدعاء بأن هناك حركة سياسية لم تتأثر بشكل أو بآخر بهذا الدوّي الذي أحدثته الثورة وتعاليم قائدها(قدس) الذي بدأ يومها زعيماً مثيراً للدهشة والإعجاب غير المحدود بالنسبة للكثيرين.

وبقدر ما كانت أخبار وأصداء الثورة مجلجلة عالمياً، كان التأثر بها أيضاً ضخماً رغم كل المحاولات التي بذلتها القوة الدولية لامتصاص وهجها الثوري عبر إغراقها في حروب مفروضة وضغوط متعددة ومتنوعة.. ألا أن هذا الوهج الثوري استمر ومكنّ من الحفاظ على حالة النهوض بكل المنطقة التي ارتكزت على قوة دفع هذه التجربة بكل ثقلها.

تأثير الثورة على الحركات الإسلامية والتحررية

لقد ساهمت الثورة الإسلامية النابعة عن الدين.. في إحياء الدين وتجديد حياة الإسلام في إيران وفي العالم، إذ ضخت دماء جديدة في سائر المجتمعات ضد الهيمنة الاستعمارية التي كانت على وشك السيطرة الكاملة على الأوضاع في المنطقة.. وذلك بعد أن أنعشت الأمل في صدور الجيل الجديد بشكل عام، وجعلته يتصور إن تكرارها في بلد آخر مسألة في متناول اليد.

والواقع أن الثورة الإسلامية.. لم تلهم الإسلاميين فقط، وإنما ألهمت كذلك التيارات السياسية اليسارية والقومية التي آثار إعجابها جماهيرية الثورة واهتمام قيادتها الاجتماعية والفروقات الطبقية وانحيازها للطبقات المستضعفة.

وبالالتفات إلى المواقف التي كانت عليها غالبية الحركات الإسلامية قبل انتصار الثورة الإسلامية في مواجهة مظاهر الحياة العصرية والمدنية المذهلة في العالم الغربي نجد أنها كانت تتسم بالانفعالية والتخبط.. إذ كان هناك شك وتردد يساور معظمهم حول مدى فعالية الإسلام في إدارة المجتمعات الإسلامية بأسلوب معقول ومناسب.. إلا أن ما حصل من تغييرات جذرية على جميع الأصعدة مع انتصار الثورة كان دليلاً ناطقاً أثبت لتلك الحركات قدرة الإسلام كعقيدة وإيديولوجيا سماوية على أحداث تحولات جذرية ومهمة على مستوى العالم وإعطاء حلول وطرق لإدارة المجتمعات العصرية في العصر الحديث يقول سماحة القائد الخامنئي(دام ظله) في هذا المجال (اليوم شهد العالم حركة إسلامية عظيمة بات فيها الإسلام في أفريقيا وفي آسيا وحتى في قلب أوروبا ناشطاً، وقد اكتشف المسلمون شخصيتهم وهويتهم الحقيقية.. وبعبارة أخرى لقد ولى ذلك العهد الذي كانت الثقة بالنفس لدى المسلمين معدومة في الفئات المثقفة.. حيث كان الكثير منهم يرغب في الذوبان في الهوية العالمية ونسيان ماضيهم، وإذا كانوا ينظرون إلى ماضيهم كانت نظرتهم نظرة تغننية ومن أجل التسلية، وقد أحيت الثورة الإسلامية الثقة بالنفس التي كانت تشكل في اليوم الرصيد للحضارة الإسلامية الكبرى وعملت على تخصيبها.

وقد ترك تجديد حياة الإسلام هذا على الحركات الإسلامية وحركات التحرر آثاراً مختلفة.. وتمثل أحد هذه الآثار في انتخاب الإسلام كأفضل وأكمل أسلوب للكفاح ومقارعة المعتدين والمستبدين..

تأثير الثورة الإسلامية على الساحة الفلسطينية

لقد كان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران صدى كبير على الساحة الفلسطينية التي اجتاحتها فرحة عارمة يومذاك وحيث استشعر الجميع إن أبواب الفرج انفتحت بعد طول حالة اليأس والقهر.. وكان أن دخل الخط الإسلامي المقاوم ساحة الجهاد بإستراتيجية جديدة وحيث لايجعل المجاهدون للطغاة عليهم من سبيل، وذلك بعد أن أيقن الواعون من أبناء فلسطين العزيزة أن تحرير فلسطين ليس عند الأمم المتحدة وليس عند الحكومات المتخاذلة. لكنه ممكن بسواعد أهلها المعتمدين على الله وحده والملتزمين بخط المقاومة والنهج الثوري الجديد.

وأنه تعبيراً عن ذاك الواقع نجد الشهيد فتحي الشقاقي الذي كان طالباً في جامعة الزقازيق يومذاك في مصر يؤلف كتاباً بعنوان (الخميني.. الحل الإسلامي البديل) وأبدى فيه إعجابه الهائل بالثورة وبقدرتها على تحريك الشعب الإيراني قائلاً (ووقف العالم مشدوهاً وهو يرى السيدة الإيرانية تهبط من جبال قم وشيراز وتبريز إلى شوارع طهران.. رافعة قبضتها في وجه العسكر.. ووقف الإعلام الغربي وتلامذته حائرين متخبطين يغمسون أقلامهم في مداد الشيطان ليكتبوا عن آية الله الذي إلتف حوله ملايين الجماهير).

تأثير الثورة الإسلامية على الساحة اللبنانية

لقد أحدث انتصار الثورة الإسلامية في إيران صدى قوياً على الساحة اللبنانية بمختلف توجهاتها.. مما أوجد مناخاً معنوياً وزخماً ثورياً وحالة من الصحوة بعثت روح الحماسة وإرادة المواجهة لدى الجميع. وذلك عبر عملية الاستنهاض التي عمّت المنطقة من أقصاها إلى أقصاها... وإنه من رحم هذه الثورة المباركة وإرشادات قيادتها الحكيمة كانت ولادة وانطلاقة المقاومة الإسلامية على أرض لبنان ومن ثم الانتفاضة على أرض فلسطين.. تلك القيادة الفذّة التي ألهبت القلوب والعقول بوهج نداءاتها وتوجيهاته (إن إسرائيل تعتبر بنظر الإسلام والمسلمين وبكل الموازين الدولية غاصبة ومعتدية ونحن نرى إن من غير الجائز التهاون والتساهل في الوقوف بوجه اعتداءاتها).

(على المسلمين عموماً والحكومات الإسلامية خصوصاً مواجهة جرثومة الفساد إسرائيل بأي نحو ممكن).

(إن تحرير القدس وكف شر هذه الجرثومة الفاسدة عن البلاد الإسلامية هو في الأساس واجب على كل المسلمين).

وأنه من هذه الخلفية وهذا التكليف تحديداً كانت ولادة حزب الله وإطاره الجهادي المقاومة الإسلامية، التي أسقطت من الوجدان العربي والإسلامي اليأس والإحباط والاستسلام وثقافة الهزيمة أمام إسرائيل التي كانت مسيطرة سيطرة مطلقة واستبدلتها بثقافة الثقة بالنفس والأمل والعزة والإرادة والانتصار..

وإنه من هذه الروح المستمدة من روح وهمّة تلك الثورة الإلهية تواصلت المقاومة منذ انطلاقتها حتى انتصارها وكان أن انتقلت في أدائها من إنجاز إلى إنجاز ومن نصر إلى نصر متجاوزة كل الصعوبات والتحديات والاستحقاقات التي واجهتها لتخرج منها أكثر قوة ومنعة وعزماً وإصرارا على مواصلة الطريق الذي رسمته بجهودها وتضحياتها وسلسلة انتصاراتها الميدانية والسياسية والتي كان أشدها قسوة على الكيان الصهيوني- التحرير عام2000 والانتصار المدوّي في تموز2006 مسجلة عبر حركة سيرها معالم الأنموذج الأبرز لانعكاسات الثورة الإسلامية وقيادتها المظفرة.

وقد ظهر تأثير ما أحدثته هذه الثورة المباركة على وجدان الشعوب خلال ثورات الربيع العربي.. إذ رأينا أن كل ما نادت به الثورة الإسلامية في إيران من تغيير الأنظمة الفاسدة والانعتاق من ربقة الهيمنة والارتهان للغرب والدعوة لوحدة المسلمين ونصرة فلسطين وتحديد وجهة العداء نحو الكيان الصهيوني.. والتقارب والتعاون مع الجمهورية الإسلامية وكل ذلك لم يعد قناعات في عقول النخب الواعية بل تحولت إلى قناعات شعبية جماهيرية ترجمت عملياً في الشعارات التغييرية التي رفعتها هذه الثورات سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن أو البحرين..

وإذا كانت هذه الثورات تحمل نفس شعارات الثورة الإسلامية المعادية بوضوح لأمريكا والكيان الصهيوني لظروفها الخاصة بها، فإنها بالتأكيد اختزنت في وعيها هذا العداء المتجذّر للمستكبرين والطغاة الذين عملت ثورة الإمام(قدس)، ولازالت على مقارعتهم وتأديبهم بعد أن طرحت قيماً ثقافية جديدة شكل التوجه نحو الجهاد أحدها.. وكان أن اتخذت الحركات الإسلامية بعد الثورة الإسلامية الإيرانية الجهاد والشهادة والتضحية بالنفس كمبادئ أساسية..

فالجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم هي رائدة التحرر وحاملة لواء الحركات الإسلامية المناهضة للاستكبار في المنطقة وفي شتى أنحاء العالم.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.