اللغتان الفارسية والعربية.. تكامل أنشأ أدبا متفتحاً

واللغة الفارسية تحمل الكثير من المفردات العربية والمصطلحات الإسلامية، وقد دخلت تلك المفردات العربية بشكل تدريجي، لاسيما وأن اللغة القديمة كانت عاجزة عن تلبية الحاجات الجديدة التي ولدت بفعل الإسلام، وقاصرة عن التعبير عن الأفكار المستمدة من هذا الدين الإلهي. وقد قَوِيت الفارسية نتيجة لذلك وأصبحت أكثر عالمية. «فالعربية قد أغنت الفارسية إغناء كثيراً مما جعلها قادرة على إنشاء أدب متفتح وخصوصاً في الشعر. فقد بلغ الشعر الفارسي أوج جماله وروعتِه في أواخر القرون الوسطى. وسلكت الفارسية الجديدة سلوكاً كان يأخذ بزمامه جماعة من الفرس المسلمين الماهرين بالعربية قبل أن يدخلوا حلبة الأدب الفارسي الجديد» (الإسلام وإيران ص 101).

ولم يقتصر الأمر على المفردات العربية، بل دخلت إلى الفارسية حتى قواعد العربية كالجمع والتثنية وعلامة التأنيث ومطابقة الصفة للموصوف والقواعد الصرفية ونظام العروض العربي وبعض الأوزان الشعرية.

ولابد من التذكير بأن بعض المفردات والمصطلحات العربية قد دخلت إلى الفارسية بعد أن أُجريت عليها بعض التغييرات والتعديلات التي صاغتها بما يتلاءم وقواعد الفارسية. فمثلاً قد تركت كافة مخارج الحروف العربية عدا تلك التي تتشابه مع مخارج الحروف الفارسية. كما حذفت أجزاء من أوائل وأواخر بعض المفردات، فأصبحت لا تؤدي المعنى الذي لها في العربية. وتحول بعض الأفعال إلى صفات وأسماء، وعوملت بعض صيغ الجمع وكأنها كلمات مفردة.

وكان نفوذ الكلمات العربية إلى الفارسية قد تم في البداية في صورتين:

1- عندما تكون المفردة العربية أبسط من الفارسية أو أسهل منها، أو عندما يكون استعمالها في الفارسية سبباً من أسباب تطويرها وازدهارها.

2- عندما لا يوجد للمفردة العربية مفردة تقابلها في الفارسية. ويشمل هذا النوع المفردات والمصطلحات الدينية، وبعض المصطلحات السياسية والعلمية.

ويبدو أن كافة المفردات العربية التي استخدمت في شعر القرن الرابع الهجري، هي من نوع المفردات التي نفذت إلى الفارسية في أواخر القرن الثالث، غير أنها كانت أكثر استعمالاً في الشعر منها في لغة النثر والمخاطبة. «ومنذ أواخر القرن الهجري الرابع حينما انتشرت الثقافة الإسلامية وتأسست لذلك مدارس في مختلف نقاط إيران، وغلبت الديانة الإسلامية على سائر الأديان، وبدأت تتجلى الثقافة الفارسية بالصبغة الإسلامية، وتأسست أسس التعليم على الأدب العربي والدين الإسلامي.. حينذاك أكثر الكتاب والشعراء من نقل الألفاظ العربية، وقللوا من الكلمات والأمثال والحكم السابقة في النثر والشعر. ونحن نرى أن حِكَم بزرجمهر والأفستا وزردشت ترد في شعر الفردوسي والدقيقي وغيرهما من شعراء العهد الساماني وأوائل العهد العزنوي أكثرَ منها في شعر العنصري والمنوجهري في القرن الرابع وأوائل القرن الهجري الخامس» (الإسلام وإيران ص 91).

ومنذ القرن الهجري السادس ازداد التلاصق بين اللغتين الفارسية والعربية وكَثُر استعمال المفردات والمصطلحات العربية في النثر، فضلاً عن تداولها بين الشعراء. بل ودخلت في هذه الفترة حتى المفردات والعبارات العربية التي لا يبدو دخولها ضرورياً ولم تستدع الحاجة إليها.
المصدر : الوفاق

الكلمات الرئيسية: 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.