الامام المهدي(عج).. البشارات الصادقة من رسول الله(ص) وأئمة أهل البيت(ع)

أما عام ولادته فالمشهور انه عام 255هـ وليس على ذلك اعتراض إلا ما يذكره الكليني في الكافي والصدوق في اكمال الدين. فإنهما يرويانها على وجهين، فتارة قالا: انه ولد عام 255هـ وتارة اخرى قالا: انه ولد عام 256هـ،

بناءً على البشارات الصادقة من رسول الله(ص) وأئمة أهل البيت(ع)، بأن نجل الإمام الحسن العسكري(ع) هو آخر الخلفاء والأئمة الإثني عشر، وأنه المصلح الأعظم الذي ينشر العدل والقسط ويقضي على الظلم والجور، لذا فقد خاف العباسيون منه، واعتقدوا أنه هو الذي يقوّض عروشهم ويدمّر كيانهم ويزيل دولتهم القائمة على الظلم والجور، فانتشرت شائعات قوية وعلى نطاق واسع مفادها أن ملك بني العباس سيزول على يد رجل من آل محمد يقال له المهدي وأن ولادته قريبة وهو ابن للإمام الحسن العسكري(ع).

وهكذا نجد أن التاريخ يعيد نفسه، فكما علم فرعون انهدام صرح طغيانه بواسطة النبي موسى(ع)، فجمع كيده وبذل جُهده للقضاء عليه وقتله حين ولادته.. كذلك أخذت السلطة العباسية بنفس الإجراءات والاحتياطات فعرضت الإمام العسكري(ع) للسجن والاضطهاد، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في (مدينة سامراء)، ومنعت شيعته من الاتصال به، وقد حاولوا عدة مرات اغتيال الإمام العسكري(ع) ليقضوا عليه قبل ولادة ابن له، فجندت الدولة مخابراتها وأجهزتها السرية للتحري والبحث عن هذا الطفل (المهدي) الذي سيولد قريبا، فزرعت الجواسيس والعيون في كل مكان يحيط بالإمام وبالذات في داخل بيته.. هذه الحملة الظالمة من السلطة اضطرت الوالد الإمام العسكري(ع) أن يقوم بإجراءات متعدّدة للتمهيد لإمامة ابنه (المهدي) منها: أن يُخفي نبأ ولادة ابنه عام 255 هـ ، وألا يطلع أحداً عليه إلا للخواص والخلص من شيعته .

ولـمّا علم الإمام العسكري(ع) أنه مفارق الحياة، نصّ على إمامة ولده الوحيد محمد، وعرّفه لخواص أصحابه، وثقات شيعته.. ونفذ المعتمد العباسي خطته باغتيال الإمام العسكري سريعاً فدس له السم، فانتقل الإمام الحادي عشر إلى جوار ربه عام 260 هـ وهو في مقتبل العمر (28 عاماً)، وآلت الإمامة إلى ابنه محمد وعمره خمس سنين.. انتشر خبر وفاة الإمام العسكري(ع) وهرع رجالات بني هاشم وجميع من كان في سامراء إلى دار الإمام للفوز بتشييع جثمان الإمام، وجهز الجسد الطاهر لصلاة الجنازة، وانبرى جعفر (أخ الإمام العسكري) للصلاة عليه، فتقدم الإمام الصبي محمد وقال له: أنا أولى بالصلاة على أبي، ثم صلى على الجثمان المقدس، وأمّ الجميع دون اعتراض من أحد وسط دهشة الكل (بتحقيق بشارة الرسول)، وتسليمهم بأن هذا الصبي هو القائم مقام أبيه في الإمامة وهو الإمام المنتظر، وبعد انتهاء مراسم الصلاة اختفى الإمام الصبي.

اضطربت السلطة العباسية اضطراباً شديداً في موضوع الابن، وتساءلت متى ولد! وقدرت أنه المهدي المنتظر، وبدأت تستفيق من هول الصدمة، وتتعجب كيف أنها لم تعرف بولادته!! وصْدَقت الإشاعة التي انتشرت بين الناس! وأخذت أجهزتها الأمنية استعدادها للامساك به والقضاء عليه، فكبست دار الإمام العسكري(ع)، وكبسوا الدور والمنازل القريبة وفتشت تفتيشاً دقيقاً.. وهكذا اتّخذ العباسيون جميع الإجراءات الحاسمة للتفتيش عن الإمام المهدي(ع) لإلقاء القبض عليه وتصفيته جسدياً.. وكان من عظيم لطف الله تعالى وعنايته بالإمام المنتظر أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العباس، فقد غيّبه تعالى عن أبصارهم كما غيّب جدّه رسول الله(ص) عن أبصار قريش حينما اجتمعوا على قتله.

نجحت خطة الإمام العسكري(ع) بكتمان خبر ولادة ابنه وإخفائه عن عوام الناس، وأثمرت جهوده في الحفاظ على ابنه.. وكذلك فشلت أجهزة السلطة العباسية في القبض على الغلام والقضاء عليه، بعد أن تيقنت من وجوده، بل عجزت وبكل قوتها عن تحديد مكان وجوده، واحتارت أين ذهب الإمام الصغير وكيف اختفى، ولم يجزم أحد بموته، بل ولم يدع أحد موته.. مما يعني بأن الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (شريك القرآن وأنهما لن يفترقا مازال حياً يرزق، ولكنه غائب أو مغيب إلهياً عن الناس إلى أن يأذن الله بظهوره في اليوم الموعود.

يقسّم الشيعة الإمامية احتجاب أو اختفاء الإمام المهدي إلى مرحلتين ويطلقون عليها مصطلح الغيبة:

الأولى - الغيبة الصغرى (260 هـ - 329 هـ): بدأت منذ وفاة أبيه الإمام العسكري(ع) في الثامن من ربيع الأول عام 260 ه ، وتولّي الإمام المهدي الإمامة والولاية، ففي هذه الفترة احتجب الإمام عن الناس، إلا أنه كان يلتقي بخيار المؤمنين والصالحين، وبدأت ترتيبات عصر إمامة المهدي وقيادته للمجتمع، وتعيين سفراء له، وإن لم يكن أمر السفارة غريباً على أذهان الموالين (الشيعة) بعد أن كان نظام الإمامين الهادي والعسكري(ع) قائماً على ذلك بشكل طبيعي واعتيادي:

- السفير الأول: عثمان بن سعيد العمري - بداية عام (260 هـ) ، ولمدة (5 سنوات).

- السفير الثاني: ابنه محمد بن عثمان العمري، ولمدة (40 سنة).

- السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، ولمدة (21 سنة).

- السفير الرابع: علي بن محمد السمري، ولمدة (3 سنين) - حتى عام (329 هـ).

ففترة الغيبة الصغرى دامت على التحديد تسعا وستين عاما وستة أشهر وخمسة عشر يوماً.. وانتهت بوفاة رابع وآخر سفير ونائب خاص للإمام المهدي(ع).

هناك أهداف اساسية من وراء الغيبة الصغرى وتعيين السفراء كنواب ووكلاء مقامه (عج) تتمثل في:

1-كانت ضرورية لإيجاد الارتباط بين الإمام المهدي وبين الخواص من شيعته، وكانت فترة 70 سنة كافية لإثبات وجود الإمام، وترسيخ ثقافة الغيبة عند الناس.

2-تهيئة الأمة وخاصة القواعد الشعبية الموالية للأئمة(ع) لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى، وتعويدهم عليها تدريجياً، وعدم مفاجأتهم بذلك.

3-قيام السفارة بمصالح المجتمع وشؤون الأمة، وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام واختفائه عن مسرح الحياة.

الثانية - الغيبة الكبرى ( 329 هـ - اليوم الموعود): كانت وفاة السفير الرابع يوم الخامس عشر من شعبان عام 329 هـ إيذاناً بابتداء عصر الغيبة الكبرى، وكان التوقيع الصادر عن الإمام(ع) إلى علي السمري قبل وفاته بستّة أيّام هو الإعلان عن انتهاء أمد الغيبة الصغرى وانقطاع السفارة والنيابة الخاصة وبدء عصر الغيبة الكبرى.. وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة النيابة العامة: فالنائب العام لم يشخص بالاسم، وأنّما شخص بالصفة (ملكة الفقاهة) وذلك باعتبار ماورد من روايات في هذا الخصوص منها: عن الإمام العسكري (ع) : "... فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وقد تقلّد الفقهاء ومراجعنا العظام هذا الدور..

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.