دور الزخرفة في الفنون التطبيقية(2-2)

 والعنصر الآخر في فن الزخرفة هو تحديد الوحدة النمطية الزخرفية motif، فقد كان المزخرف المصري القديم يستعمل الوحدات النباتية مثل زهرة اللوتس أو ورق النخيل. وكان المزخرف اليوناني يعتمد على ورقة الأقنثة، بينما اعتمد المزخرف الإسلامي على وحدات نباتية مجردة أو على تشكيلات هندسية مجردة أيضاً.

ترتبط الـوحـدة الـزخـرفيـة بـالأســـلوب، وكـثـيراً مـا كان الأسلوب يتناسب مع رغبة سيد السلطة ملكاً كان أم إمبراطوراً أم وصياً ويحمل اسمه مثل أسلوب لويس الرابع عشر أو لويس الخامس عشر أو الأسلوب الامبراطوري.

وتعتمد الزخرفة الداخلية على مبادئ الفن التشكيلي ذاتها، وهي الخط واللون والكتلة والفراغ والظل والنور والحركة. وتتدخل هذه المقومات في تكوين العمل الزخرفي سواء في الكسوة الجدارية والسقفية والأرضية، أو في التأثيث والتنصيب installation أي ترتيب الأثاث، مع مراعاة وظيفة المكان في الأبنية العامة، كالمعابد والمسارح والأسواق المغلقة، أو الوظائف السكنية الخاصة، غرفة الاستقبال أو المعيشة أو الطعام أو النوم أو المكتبة، ويؤدي اللون والضوء دوراً مهماً في تكوين فضاء زخرفي متناسب مع راحة المنتفعين وأذواقهم.

وتقوم جمالية الزخرفة على التناسق والتناسب والتناغم، بمعنى أن جميع عناصر الزخرفة الثابتة والمنقولة، لا بد من أن تتضافر لتكوين الزخرفة الداخلية. إذ أصبح استعمال اللون مرتبطاً بنظريات علم الضوء التي أوضحت العلاقات المختلفة والتأثيرات المتبادلة بين الألوان الطيفية أو القزحية السبعة، والتي وفّرت فرصة للمزخرف كي يختار ألوان الجدران والستائر والأثاث بما يتفق مع مبادئ علم اللون، هذا العلم الذي ابتدأ ظهوره منذ عصر الانطباعيين في فرنسا. ويدخل الضوء في عالم الألوان أيضاً، فهو لم يعد أداة للإنارة فحسب بل للزخرفة والتلوين.

يعتمد فن الزخرفة على الدراسة الأكاديمية التي يجب أن يتخطاها المزخرف، وعلى الاطلاع المستمر على مبتكرات الزخرفة المعاصرة.

كما ترتكز على مبادئ تنفيذية مثل دراسة المكان والأنشطة واستشارة المنتفعين، ثم إعداد مخططات ومساقط ومقاطع المشروع الزخرفي اعتماداً على الوظيفة الاستعمالية، وتوزيع الفضاءات الاستعمالية والهامشية والفراغية بحسب الحاجات والأنشطة. ولا شك أن الدراسة تعتمد أولاً على حجم الميزانية المعتمدة لأعمال الزخرفة الداخلية «الديكور».

وفي الفنون الإسلامية تتصدر الزخرفة مكاناً أساسياً يتجلى في الزخرفة التصويرية التي تسمى «الرقش» أو «أرابيسك»، وهي زخرفة تجريدية تستمد عناصرها من الطبيعة كالأغصان والأوراق، ويطلق عليها اسم الزخرفة النباتية. أو أنها تستمد عناصرها من الأشكال الهندسية كالمثلث والمربع ومن أشكال النجوم السداسية والثمانية التي تشكل نسيجاً زخرفياً متداخلاً. وتبدو هذه الزخارف على الأبنية والأثاث وعلى الأشياء الاستعمالية المنقولة وفي المخطوطات.

أما الزخرفة الداخلية فقد تجلت في المباني الإسلامية العامة كالمساجد والمدارس أو المباني الخاصة كالقصور حيث الزخارف الجدارية، مثل زخارف قصور الحمراء في غرناطة، أو زخارف الجامع الأموي الفسيفسائية، مع زخارف القصور الأموية في الشام، والقصور العباسية في العراق، والمباني المملوكية كزخارف مدرسة جامع الحسن في القاهرة. وفي العصر الحديث لا بد من ذكر الزخارف الجدارية الداخلية في جامع الدار البيضاء.

اعتمدت الزخرفة الداخلية الإسلامية على أثاث متحرك قائم على أغطية مزخرفة وسجاجيد مبثوثة على الأرائك وعلى الأرض والجدران، وستائر ملونة ومطرزة، ومجموعات من الأواني المعدنية والزجاجية التي تعرض في خزائن خشبية مزخرفة حفراً أو تلويناً. وتبدو الأحواض المائية ومساقط المياه «السلسبيل» أو المشاكي المصنوعة من الحجر والرخام الملون والمنزل أو المشقف بتقطيعات فنية تزيينية، من العناصر الأساسية للزخرفة المعمارية الداخلية في البلاد العربية والإسلامية، إضافة إلى الزخارف الزجاجية المعشقة بالجص التي تغطي النوافذ.

لم يكن فن الزخرفة، ممارسة عفوية تعتمد على الفطرة والممارسة، بل إن ورشات التعليم ثم معاهد التدريس، كانت ترفد ساحة الفنون الزخرفية بالاختصاصيين، ففي العصور الإسلامية، رعى السلاطين والملوك المزخرفين والخطاطين، وخصصوا لهم أماكن خاصة للتدريب والتدريس.

جمعت أكثر متاحف العالم روائع من الزخارف الصينية والهندية والأوروبية والعربية ـ الإسلامية ممثلة على الأواني المعدنية والزجاجية والخزفية وعلى الألواح والبسط والأقمشة والسجاجيد، مما يعد آيات فنية تفخر هذه المتاحف باقتنائها. وهذا دليل على احترام براعة المزخرف معماراً كان أو خزّافاً أو حائكاً أو صانعاً، وقد أكدت المجموعات المتحفية غزارة الأساليب التي يمارسها المزخرف والتي تصنف بحسب الأزمنة والمناطق، كما أكدت تنوع العناصر الزخرفية التي تثري الزخرفة الداخلية، التي اعتمدت غالباً على هذه العناصر والقطع التزيينية.

ويرتفع تقييم هذه التحف الزخرفية التي يصل سعرها إلى الملايين، ويتبارى الهواة والمقتنون بإغناء مجموعاتهم من تلك التحف الرائعة.

المصدر: الوفاق 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.