دور الزخرفة في الفنون التطبيقية(1-2)

 والقوام، وتنظيم المواد، والملمس، والتي تتضافر منسجمة لكي تحقق المتعة البصرية والحسية والنفسية، أو تحقق الراحة عندما تكون الزخرفة داخلية، أو تكون مجرد تحفة إذا كانت من السجاد الجداري أو الأواني الخزفية والزجاجية التي استهوت كثيراً الهواة وتجار العاديات، أو أن تكون زينة في المباني الدينية، إذ تدخلت الزخرفة أيضاً في توفير المعاني الروحية والدينية.

ولا تقتصر الزخرفة على الرسوم التجريدية أو المحوّرة عن الواقع، بل تشمل الفنون التصويرية التشبيهية التي يقصد منها الزينة والمتعة، وتشمل أيضاً التكوينات المجسمة كالأواني الخزفية أو الأدوات المعدنية الاستعمالية، ويعد تصميمها فناً إبداعياً على الرغم من انتماء إنتاجها للفنون التطبيقية.

أصبحت الزخرفة في الفن الحديث أقرب إلى الفن التشكيلي، بل إن مدارس فنية.

رافقت الزخرفة في نشأتها فن التصوير منذ العصور المصرية القديمة والعصور الرافدية، حيث بدت الزخارف المصرية في عمارة الأعمدة المزينة بعنصر سعف النخيل أو ورق البردي أو زهرة اللوتس. وتبدو الزخارف المصرية المستوحاة أيضاً من النباتات في الأثاث المكتشف في مقبرة توت عنخ آمون في الحلي المرصعة. وثمة حليات زخرفية مستوحاة من الحيوان كالجعران والنسور ناشرة أجنحتها، ورؤوس السباع، عدا حليات مزينة بزخارف هندسية هي غالباً إطارات للموضوعات السابقة.

وفي بلاد الرافدين تبدو الزخارف المعمارية واضحة في الشراشيف العليا فوق الجدران، وفي المحاريب المضلعة التي تكسو الواجهات المعمارية. وتبدو الزخارف واضحة على الأواني السومرية، وعلى جدران المعابد والقصور الآشورية، وعلى واجهات المباني البابلية، وهي رسوم بارزة خزفية ملونة تمثل المعبودات على شكل حيوانات أسطورية.

وفي الفنون الإغريقية والرومانية، اعتمدت الزخارف على ورقة الأقنثة (نبات) وعلى اللوالب في تزيين تيجان الأعمدة وبعض عناصر العمارة.

واستمرت الزخرفة المجردة منتشرة في جميع العصور المسيحية وعصر النهضة والباروك والروكوكو، ولكنها في الفن الإسلامي كانت أكثر وضوحاً واستقراراً وأصالة في جميع الأحقاب وحتى اليوم.

ابتدأت الزخرفة محدودة بعمليات تزيين العمارة أو تزيين الأواني والكتاب المخطوط. ولكن تقدم الاختراعات وتنوع الأدوات الاستعمالية أدخل الزخرفة في تصميم شكل الأشياء المصنوعة، وأصبح تصميم السيارة أو المكواة نوعاً من الزخرفة الصناعية، وهكذا فإن كلمة زخرفة decoration التي تعني التزيين، تعني أيضاً التصميم كما تعني التنسيق الداخلي الذي يطلق عليه مصطلح «ديكور». كما تحمل كلمة زخرفة معنى التنميق، يدخل في ذلك تنميق الحدائق، وتنميق واجهات المحلات والمخازن، وتنميق الكتاب ثم تنميق داخل العمارة. وتبدو الزخرفة أكثر وضوحاً في تنميق العمارة الداخلية تنميقاً يشمل تزيين جدران الغرف وتنسيق الأثاث والستائر والبسط وتلوين الأرضية والأبواب.

أطلق على الزخرفة الداخلية تسميات كثيرة باللغات الأجنبية أبرزها ما يطلق عليه اسم العمارة الداخلية interior design أو architecture d’interieur التي تختلف عن العمارة الخارجية التي تختص بتكوين الشكل العام للمنشأة المعمارية، حجماً وفراغات وألواناً، ولكن أصبحت العمارة أحياناً فناً زخرفياً بحد ذاته.

تميزت الزخرفة الداخلية بتنوعها حسب العصور. ففي العصور الاتباعية (الكلاسيكية) (اليونانية الرومانية) كانت الزخرفة بسيطة بعيدة عن التعقيد والكثافة والترف، وفي العصور الوسطى أصبحت الزخرفة الداخلية تعتمد على عناصر قابلة للنقل والتعديل، ثم ظهرت الزخرفة الداخلية بمفهومها الخاص منذ حكم الملك شارل الخامس في فرنسا، إذ انطلقت من مبدأ التكامل والترابط بين العمارة الخارجية والداخلية، وصارتا تحملان التصنيف نفسه المنسوب إلى شكل نظام الحكم أو أسماء الملوك. ولم تقتصر الزخرفة الداخلية على عملية التزيين، بل تناولت الأثاث بتصميماته المتعددة، حاملة عنوانات هذه الزخرفة عبر العصور، ولاسيما بعد أن انتقلت الزخرفة الداخلية من قصور الملوك والأمراء إلى قصور الخاصة أو المنشآت الجماهيرية.

استمد المزخرفون عناصر فنهم الزخرفي من تقاليد الزخرفة الاتباعية (الكلاسيكية) في عهد دافيد David الرسام الشهير زعيم الاتجاه الاتباعي المحدث من النزعة الإبداعية (الرومنسية) التي انتهت إلى البحث عن عناصر غرائبية واستشراقية. وفي العصر الحديث انتشرت الزخرفة في الصناعة وفي تصميم الألبسة والأثاث بعيداً عن التقليد والجمود.

اهتمت الزخرفة الداخلية في تشكيل البيئة الداخلية. وما يميز التصميم الداخلي الجيد، مدى مراعاته لحاجات الساكنين وأذواقهم وتقاليدهم.

المصدر: الوفاق 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.