الاعتقاد بالمهدوية في الكتاب والسنة ومعطياتها الإجتماعية والاخلاقية وماحولها

قال الله تعالى :يرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرهَ الْمُشْرِكُونَ، وقال عزّ وجلّ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورهِ وَلَوْ كَرهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

 فهي آية واحدة نزلت مرّتين: مرّة في سورة التوبة، وأخرى في سورة الصف، تصرّح بأنّ الله تعالى سيظهر هذا الدين على الدين كلّه رغم المشركين.

ومن الطريف أنّها في كلا الموردين وقعت بعد آية تتحدث عن إرادة القوم إطفاء نور الله بأفواههم ولكنّ الله يريد تتميم النور، مع فرق بسيط في التعبير بين الموردين في هذه الآية ومن دون أيّ فرق بينهما في الآية التي هي محل الشاهد، ولا إشكال ولا ريب في أنّ إظهار دين الإسلام على كلّ الأديان وفي جميع أرجاء الأرض لم يتم حتّى الآن، فهذا إخبار قطعيّ عن وقوع ذلك في آخر الزمان بمشيئة الله عزّ وجلّ.

وتعطف الآيتين المباركتين آية ثالثة وهي قوله تعالى: لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ.

والإستشهاد بها يتوقف على استظهار أنّ المقصود بإرث العباد الصالحين للأرض إرثهم لها في هذه الدنيا لا في الآخرة، ولو بقرينة: أنّ الأرض في عالم الآخرة ستكون أرضاً أخرى غير هذه الأرض بدليل قوله تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ).

أمّا الآيتان الأوليتان فهما صريحتان في النظر إلى دار الدنيا، لأنّ صدر الآية وهو قوله: (أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) لا إشكال في كونه راجعاً إلى هذه الدنيا، فكذلك تكملته بقوله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)، بل إنّ غلبة دين على دين لا يتصوّر لها معنى في عالم الجزاء، وإنّما يتجلّى معناها في عالم محاربة الأديان وفعاليّتها وهو هذه الدنيا.

قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

قانون التكامل الذي تشير إليه هذه الآية الشريفة هو صورة متحركة لمراحل التكامل الأخلاقي والفكري للإنسان والمجتمع، وهو قانون المحو والإثبات في الذهن البشري، فما أنّ ينوي الإنسان خيراً، وحتى الأنبياء(ع) الذين هم طليعة البشرية نحو الخير والكمال إلّا ويلقي الشيطان بحباله ووساوسه لأسر هذه النية وتشويه جمالها ووأدها في مهدها، فيكون التسديد الإلهي له بالمرصاد، وتتدخل العناية الربانية فتكشف لعباد الله الصالحين، وهمية الإلقاء الشيطاني، ويقذف الله بالحق ليزهق الباطل ويثبت آياته وحكمته في قلوبهم.

وهذا القانون القرآني كما انه يسري على الفرد كذلك يجري على المجتمع والحضارة البشرية وخاصة الإسلامية حيث ازدهرت وترعرعت الثقافة الإسلامية بإثارات وتشكيكات الزنادقة والمرجئة والقدرية الخوارج وغيرها من الفئات المناصرة للتيار الأموي الحاكم وقد بلغت الحركة العلمية ذروتها عند ترجمة كتب اليونان في العصر العباسي ونبّهت المسلمين إلى عينهم الصافية وقرآنهم الكريم وما تحمله الأحاديث النبوية وخطب امير المؤمنين(ع) من تراث غني وعلوم ثرّة وأفكار سامية، وشرعت المواجهة الثقافية بعد المواجهة الميدانية والعسكرية بين ما يحمله المسلمون من علوم سماوية صافية وتلك الأفكار البشرية والمذاهب الأرضية، وكما يقول المثل التركي: (عند تصادم سحب الأفكار تومض المعرفة) وعمل علماء الإسلام على استخراج كنوز المعرفة في مصادرهم وهذّبوا ما ورد عليهم من عصارات العقول البشرية، فتكونت بذلك أبهى حضارة عرفها التاريخ.

والغرض من الإشارة إلى هذا القانون الإلهي في تبيين مراحل الرشد الحضاري للبشرية هو ما نجده من إلقاءات شيطانية حول دور الأنبياء (ص) ومقدار تأثيرهم في بناء الحضارات والتشكيك في فائدة الشرائع الإلهية وخاصة في عصر العلم والتطور التكنولوجي، وهذه الإيهامات والتشويشات ترد من مصادر متعددة.

المصدر : الوفاق 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.