التذهيب في الحضارة الإسلامية .. البداية والتطور

التذهيب اصطلاحا: فــــنّ تزيين المخطوطات بالرسوم الملوَّنة بألوان الذهب.على أن الصنـاعات المتـقدمــــة والحديثة وما نتج منها من أدوات وماكينات قد أحدثت ثورة في تسهيل عمليات التذهيب، سواء أكان الأمر يتعلق بتذهيب الكتب أو القطع الخشبية أو غيرهما.

يرتبط فن التذهيب في الحضارة الإسلامية بوجه عام بفن الكتابة والخط العربي الجميل، حيث كانت هناك علاقة وثيقة بين كتابة وتحرير الكتب بخط اليد في القرون الوسطى وبين استخدام فن التذهيب في تلوين وتذهيب حواشي الكتب القيّمة في تاريخ الحضارة الإسلامية.

والقرآن الكريم أهم وأبرز الكتب التي نالت اهتماما من المذهبين والخطاطين على مدار التاريخ الإسلامي، إلا ان موضوع التذهيب بقي موضوعا هامشيا بالقياس إلى موضوع الخط.

ويعد ابن النديم محمد بن إسحاق (ت 385هـ) صاحب الفهرست من أهم المصادر التي ذكرت أصحاب هذا الفن في بغداد وغيرها حيث قال في الفن الأول من المقالة الأولى: (أسماء المذهبين للمصاحف المذكورين اليقطيني إبراهيم الصغير، أبو موسى بن عمار بن السقطي، محمد وابن محمد أبو عبد الله الخزيمي وابنه في زماننا).

كما يظهر فن التذهيب بوضوح في المخطوطات القديمة، سواء تلك المكتوبة بالعربية أو بالتركية العثمانية أو بالفارسية.

ولم تعرف الزخرفة وتحلية المصاحف إلا في العصر العباسي، وكانت الصفحات الأولى والأخيرة وعناوين السور تحظى بعناية أكثر في تذهيبها وزخرفتها، وربما اشترك أكثر من واحد في زخرفة آيات المصحف الشريف وتذهيبها وكتابتها، وربما استغرقوا في ذلك أكثر من عام وقد كان للخطاطين مكانة في العالم الإسلامي عامة‌ وفي بلاد فارس وتركية خاصة لاشتغالهم بكتابة المصاحف ونسخ الكتب. وكان الفنانون الذين يزيّنون الصفحات المكتوبة أرفع الفنانين قدراً بعد الخطاطين أنفسهم، وكان «المذهِّب» أعظم أولئك الفنانين شأناً.

وقد وصل الفن الإسلامي ـ لا سيما في القرنين التاسع والعاشر الهجري ـ  لدرجات عالية في الإتقان والدقة وتوافق الألوان وكان فن التذهيب ارفع فنون الكتاب بعد تجويد الخط، وكان المصور الذي يتقن فن التذهيب يحرص على أن يضاف إلى اسمه لفظ مذهب.

لا ريب أنّ أعظم المخطوطات القديمة شأناً ـ من الوجهة الفنية ـ هي المصاحف التي كانت تُكتب بين القرنين الرابع والسادس بعد الهجرة (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد)، والتي كانت تُذهَّب وتُزيّن بأدقّ الرسوم وأبدعها.

ولا شك أن تعظيم القرآن كان يبعث كثيراً من الفنّانين على العناية بتذهيب المصاحف.

كانت الرسوم المذهبة في المخطوطات بسيطة في البداية لكنها تطورت في سبيل الإتقان وغلبت عليها رسوم النجوم المسدسة أو المثمنة‌ ورسوم الفروع النباتية المتصلة وغيرها.

والمعروف ان الخطاط كان يتم كتابة المخطوط تاركاً في بعض صفحاته الفراغ الذي يطلب منه لترسم فيه الأشكال النباتية والهندسية المذهبة، أو تنقش فيه صور ذات صلة بنصوص معينة في المخطوط، وربما لا يكون للبعض صلة قريبة به فيكون الغرض من رسمها تجميل المخطوط فحسب.

وتجلت براعة المذهبين في زخرفة الصفحتين الأولى والثانية من المصحف الشريف وكذلك في الصفحتين الأخيرتين باستخدام ماء الذهب مع الألوان المختلفة، وخاصة الأزرق الفيروزي، ولمشاهد هذه الصفحات يمكن أن يعتبرها لوحات فنيه بكل معاني الكلمة.

ومع ظهور الطباعة والكتابة آليا فقد تراجع فن تذهيب الكتب، ويكاد اليوم ينحصر في كتابة العناوين، أو تزيين أغلفة كتب القرآن الكريم، أو بعض كتب التراث الإسلامي، أو في لوحات آيات القرآن الكريم.

المصدر : الوفاق 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.