آذرتاش آذرنوش: لا عداء تاريخيا بين ايران والعالم العربي

 ويعد من الشخصيات الايرانية البارزة في تاريخ الادب العربي استعرض خلال ملتقى علمي عقده فريق اللغة والادب العربي في جامعة «آزاد» (الحرة) الاسلامية في طهران، تاريخ العلاقات بين ايران والعالم العربي منذ ما قبل مجيئ الاسلام وحتى بدايات العصر العباسي الاول، ومستبعدا وجود أي عداء تاريخي بين الجانبين بإستثناء بعض الادباء من كانوا يحملون نزعه عصبية وقبلية في كلا الجانبين.

وقد تطرق  الدكتور آذرنوش خلال الملتقى الذي يحمل عنوان «الادب واللغة العربية والاستشراق»،  الى جذور التوجهات العدائية في ظل الظروف الحالية بين ايران والعالم العربي، مؤكداً انه لا يمكن التأكد من هذا الموضوع الا من خلال الرجوع الى العصور القديمة وبالتحديد الى ما قبل الاسلام لدراسة تأثير الحضارتين الفارسية والعربية على بعضهما البعض.

واعلن الدكتور آذرنوش انه توصل في  الابحاث التي قام بها الى ان العلاقات الايرانية العربية بدأت منذ عصر (الاخمينيين)، الا ان المعلومات بهذا الخصوص شحيحة للغاية. وقال: ان العرب المتحضرين في تلك العصور كانوا يعيشون على تخوم الصحراء مثل الغساسنة الى الشمال من تدمر الحالية في الاردن وكانوا متأثرين بالحضارة الرومانية، وفي الشرق في شبه الجزيرة العربية كانت هناك مدينة الحيرة والمتأثرة بالحضارة الفارسية. وكانت مهمة أهالي الحيرة تقوم على الصمود ومقاومة اعتداءات القبائل العربية ضد الامبراطورية الفارسية وبهدف تهدئة الاوضاع.

اذ ان اعتداءات القبائل العربية على ايران كانت تتكرر كثيراً مما دفعت الملوك الايرانيين مثل خسرو برويز الى شن الحروب ضدهم، بينما بادر الامبراطور انوشيروان الى اسكان هؤلاء العرب داخل الامبراطورية الفارسية (في منطقة خوزستان الحالية).

وتابع الدكتور آذرنوش: ان الدراسات التاريخية تشير الى انه نظراً للعلاقات القوية بين مدينة الحيرة والفرس، فان الكثير من الايرانيين كانوا يعيشون في هذه المدينة بحيث حملت القصور في الحيرة اسماء فارسية مثل (كلمة جوثق وهي معربة عن كوشك الفارسية وكلمة خندق. وكان امراء الحيرة يرتدون ازياء اشبه بازياء الاباطرة الفرس وحتى الالعاب الرياضية حملت اسماء فارسية مثل رياضة الجوكان (وتعريبها الصولجان).

ارتباط العرب بالاديان الايرانية

وتطرق الدكتور آذرنوش الى علاقة العرب والاديان الايرانية، فأشار الى ان الكاتب العربي الشهير بديع  الزمان الهمداني اعلن، ان الآلاف من الايرانيين الزرادشتيين كانوا يعملون في منجم للفضة في مدينة اليمامة، وان عددا  كبيرا من الفرس كانوا يعيشون في هذه المدينة مما تحتم بناء معبد لهم. ويتابع الهمداني القول: لذلك تم بناء المعبد في مدينة اليمامة خلال فترة ما قبل الاسلام وكان الدين الزرادشتي  منتشراً بين العرب آنذاك. كما عاش العديد من الفرس في البحرين بالخليج الفارسي وكانت الاسماء الفارسية منتشرة كثيرا في هذه المنطقة، كذلك العديد من العرب الذين كان يطلق عليهم الزنادقة (والزنديق في الاسلام يطلق على الشخص المثقف والذي يتمتع بذكاء ويحمل افكاراً معادية للخليفة آنذاك)،كانوا يعيشون في الجزر العربية بالخليج الفارسي والكثير من العرب كانوا يعتنقون الديانة المانوية.

الاسماء الفارسية

وقال الدكتور آذرنوش، ان هناك الكثير من الاسماء الفارسية التي يجرى تداولها في اللغة العربية وقد ننسى انها فارسية في الاصل مثل كلمات بسطام وقابوس ومعربها كابوس، ومزرد وهي في الاصل من الكلمة الفارسية زره.

وقد ظهر هذا التأثير حتى في الاشعار العربية، حيث تضمن ديوان الشاعر العربي الكبير الاعشى (60) كلمة ذات اصل فارسي مثل نردشير وسروجان. ويروى انه عندما ذهب الشاعر الاعشى الى الملك الساساني آنذاك، سأل من هذا؟ وقيل له انه شاعر عربي فتساءل الملك وماذا يعني الشاعر قيل له انه الشخص الذي ينظم الكلام.

ومنذ ذلك الحين دخلت مفردة‌ الشعر في الثقافة الفارسية، بما يبين التأثير المتبادل بين الحضارتين الفارسية والعربية.

تأثير الفرس على الخلافة الاموية

ومضى الدكتور آذرنوش قائلاً: قد يتوقع المرء ان لا يشاهد أي تأثير للفرس على الدولة الاموية، لكن ذلك غير صحيح، فقد كان تأثير الفرس آنذاك كبيرا جداً.

فاللغة الفارسية كانت هي اللغة الرسمية آنذاك في بعض المدن مثل البصرة والكوفة. وظهر بعض الشعراء الفرس مثل اسماعيل بن يسار والذي اعتبره الكثيرون بأنه شاعر له توجهات شعوبية، ولكنني شخصياً لا اجده كذلك. ومن أشعاره:

اصلي كريم ومجدي لا يقاس به

ولي لسان كحد السيف مسموم

أحمي به مجد أقوام ذوي حسب

 من كل قرم بتاج الملك معموم

من مثل كسرى وسابور الجنود معاً

والهرمزان لفخر أو لتعظيم..

واستطرد الدكتور آذرنوش قائلاً: لقد كان تأثير الفرس ابان الخلافة الاموية كبيراً لدرجة انه في القرن الاول (بين 60-70 لهجرة) كان هناك شعراء عرب ينضمون الشعر باللغة الفارسية. وأضاف: وفي اواخر عهد الامويين، كتب عبد الحميد الكاتب الى الخليفة مروان آخر خلفاء الامويين رسالة حول نظام الحكم والسلطة، ولان الكاتب كان على اطلاع كبير  باللغة الفارسية والبهلوية (الفارسية القديمة) فقد كتب تلك الرسائل نقلاً عن مخطوطات فارسية الى اللغة العربية وكتبها بلغة عربية سلسة اشبه بالشعر المسجع والمقفى في صدر الاسلام.

ابن المقفع وتأثيره على الادب العربي

نوه الدكتور آذرنوش الى دور الاديب الكبير ابن المقفع في الادب واللغة العربية وقال، لو لم يكن ابن المقفع لما كانت اللغة العربية كما نعرفها وندرسها اليوم. فهو خلف أثرين كبيرين في العالم العربي وهما، ترجمة كافة الاداب والتقاليد والثقافة الساسانية الى اللغة العربية. والثاني تبديل اللغة العربية المحكية في الشوارع والحارات الى لغة عربية فصحى. وبذلك فقد أقام ابن المقفع ثورة في العالم العربي، بعد ان كانت اللغة العربية واساسها القرآن الكريم تكتب بصورة مسجعة ومقفاة، وكذلك كان نثر عبد الحميد الكاتب عندما نقل النصوص الفارسية الى العربية فقد استخدم ايضا اسلوب النثر الحديث وهو نقل الكلام العادي والمحكي الى لغة عربية فصحى.

كانت والدة ابن المقفع ايرانية لغتها الام الفارسية البهلوية. وخلال الفترة التي عاشها ابن المقفع كانت هناك الكثير من الكلمات الفارسية يجري  تداولها في العالم العربي مثل الحاجب والديوان واسماء الاغذية مثل الشوربة والشبادق، والاقمشة مثل القباء والسابوري وانواع الاحجار مثل ياقوت بهرماني، وهكذا.

تأثير الجاحظ وتأثره بابن المقفع

قال الدكتور آذرنوش، ان الجاحظ وهو احد أكبر الادباء في العالم العربي كان يتمتع بنثر سلس يعبر من خلاله عن مختلف المواضيع الاجتماعية بسهولة.

وتابع الدكتور: لقد عانى الجاحظ في بداية أعماله من مشكلة أشار اليها في كتابه «الحيوان»، حيث قال، ان الناس لا يقرأون مؤلفاتي لكنهم يقرأون كل شيء كتبه ابن المقفع. وتساءل الجاحظ بامتعاظ لماذا يقرأ المجتمع لابن المقفع في حين ان اغلب مؤلفاته هي مترجمه عن الفارسية، واحتمال الخطأ فيها وارد وهي مليئة بالافتراءات في حين لايقرأ احد مؤلفاتي؟

الجاحظ والشعوبية وايران

قال الدكتور آذرنوش: اهتم الجاحظ بموضوعين هامين حول الزرادشتيين وحول العجم بصور عامة (سواء الفرس الاصليين أو الخليط من الفرس والعرب أو العرب الذين كانوا يعيشون في خراسان).

وكان اسلوب الجاحظ عند حديثه عن الزرداشتيين عنيفا وغير مهذب وينعتهم بانهم ليس لديهم ثبات، والطريف في الامر ان الجاحظ كان يعرف جيداً ان كلامه بهتان ولا يمت للحقيقة بصلة.

وأضاف: وكان الجاحظ يعتبر الشعوبيين سيئين لذلك وجه اليهم شتى انواع امتهم وكتب الجاحظ عدة مقالات ضدهم في حين انني ارى انه لا وجود لشيء اسمه الشعوبية أو الشعوبيين لان الشعوبية بمعناها اللغوي هي مجمومة من الاحاسيس يحملها الشخص ولا يمكن ابداً ان نجد مجموعة تحمل نفس الاحاسيس والمشاعر تجاه قضية أو طائفة أو مذهب معين. ولذلك فان المرء يشعر بالاستغراب من شخصية كبيرة في الادب العربي يحمل كالجاحظ مثل هذه الافكار والعصبية الجاهلية.

وفي كتاب «مناقب الترك»، يشن الجاحظ هجوماً عنيفا على الفرس والايرانيين وفيما يمجد ويكرم الاتراك. وهو يصب جام غضبه وحقده على الايرانيين في كافة مؤلفاته.

واختتم الدكتور آذرنوش بحثه بالقول، بعد الدراسة التي أجريتها حتى بداية العصر العباسي الاول، لم اجد في الادب العربي ما يشير الى وجود أي اهانات أو استفزازات قام بها الفرس تجاه العرب، وهكذا كان العرب، بإستثناء بعض العبارات المسيئة للايرانيين في مؤلفات الجاحظ، فانهم لم يوجهوا اهانات أو إساءة للفرس. وبالطبع يمكن تجاهل إساءات الجاحظ بهذا الشأن ولابد ان ننظر للجوانب الايجابية في مؤلفاته وآثاره التي تعتبر بحق كنزاً ثميناً لا يمكن تجاهله.

المصدر: الوفاق

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.