الإمام الخميني وهب العشق للمتدينين

على مر العصور اعتقد بعض المتدينين المتشددين بمخالفة الإسلام للموسيقى والشعر والأدب وجميع أنواع الفنون، لكن الإمام رحمه الله كسر تلك النظرة الظاهرية لهذا الموضوع واعتبر أن الإجابة القطعية على هذه الأمور تحتاج لتحليل وتفسير ودقة، وخالف الأحكام ذات النظرة الأحادية الجانب في هذا الشأن.

لقد وهب الإمام موهبة العشق للمتدينين عن طريق فنه الخاص ودعانا لنهجر الخشونة ونتجه نحو اللطافة التي استقاها هو بنفسه من بحر العرفان كما يبدو ذلك في كتابه الأحلى والأجمل مصباح الهداية الذي يشتمل على العرفان النظري والعملي، وقد وصف هذا الكتاب بأنه لا مثيل له في تاريخ العرفان.

إن مجتمع اليوم ينقصه التعرف على جوانب الإمام الفلسفية والعرفانية أكثر فأكثر لقد كان الإمام شخصية شاملة وجامعة في عصرنا وليس من الإنصاف أن نحده بالفقه والأصول فقط أو أن نصفه برجل السياسة ونحرم أنفسنا من بعده العرفاني.

ان ديوان الإمام بحق هو أسهل طريق للوصول إلى مرآة شخصية الإمام العرفانية وإذا كان مصباح الهداية هو الجانب الجدي والتعليمي لعرفان الإمام فديوان أشعاره هو تصوير فني ومثير للوجد في شخصية الإمام العرفانية.

ان طباعة ديوان الإمام ونشره قدمت خدمات جلية في بداية الثورة بأنه أبعد العثرات والموانع الموجودة في طريق الشعر والموسيقى والأدب، ووضع بعض الأفكار المتحجرة وراء ظهره، والآراء والرؤى السطحية التي لا تبيح حتى قراءة أشعار حافظ الشيرازي و....

وبالطبع فإن تقييم ديوان الإمام من الناحية الجمالية والأدبية والبلاغية ومكانته الشعرية أمر، والإهتمام بالموضوعات وأسلوب البيان والعشق السماوي والعرفان الإسلامي أمر آخر، أضف إلى ذلك أنه شعر تفوه به رجل يعتبر ممن قل نظيرهم في السياسة والقيادة والولاية وظاهرة منحصرة بذاتها في القرن الحالي.

واليوم يمكننا القول لو أراد مفكر أن يبحث في أفكار الإمام فهو ليس ملزماً بدارسة الجانب المرجعي للإمام أو دوره القيادي الريادي في عالم الإسلام مع ما لهما من الأهمية الكبرى لكن يمكنه أن يحقق ويبحث في طيات جوانب الإمام الفلسفية والعرفانية أيضاً.

إن الميول الشعرية العميقة لدى الإمام الخميني تشاهد حتى في نثره المسجع والأدبي.

كما إن الميل للشعر في لدى العرفاء وطرح أفكارهم فيها هو أمر واضح لا لبس فيه فلا يمكن الخوض في غمار العرفان دون القبول بمولانا والعطار.

(إن قراءة أشعار الإمام الخميني ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى تخيل خاص وشفاف وأبعد من حدود الكلام بالإضافة إلى معرفة مصطلحات العرفاء والصوفيين ومن الممكن أن يتفاجأ القارئ بأن السيد روح الله آية الله العظمى الخميني الذي قاد شعب إيران للإطاحة بنظام الشاه عام 1979م كان يكتب شعراً أيضاً مع كل ما لديه من نشاطات سياسية قبل نفيه وبعد عودته إلى البلاد).

هذه عبارات منقولة عن الأستاذ محمد علاء الدين منصور أستاذ اللغات الشرقية في كلية الآداب في جامعة القاهرة وهو مترجم ديوان الإمام الخميني للغة العربية في مصر وقد جاء في المقدمة أن أشعار الإمام هي بيان للأفكار الصوفية والعرفانية للإمام بعد خلوته مع الله واللقاء به وبعد التعمق والتدبر والتفكر في أسرار الوجود وهذا ما يشغل ذهن الإمام وجميع الفلاسفة والعرفاء.

لقد كان الإمام يجد الراحة والهدوء والسكينة في الشعر في مقابل واجباته القيادية للمجتمع والمشكلات السياسية.

نعم إن شعر الإمام كان سلساً وبعيداً عن التعقيد والصناعات المعقدة، وكان يستخدم المصطلحات الخاصة بالشعراء والعرفاء في معناها الإصطلاحي والمجازي وبالطبع نحن على يقين أن كلمات كالساقي والخمرة والحانة لها معان أخرى وهي كنايات واستفسارات لحالات عرفانية.

وأشعار الإمام تستمد حضورها من أفكار متعالية وحكمة عميقة وهي في الحقيقة تدل على مدرسته الأخلاقية.

الاسم الأجدر لهذه المدرسة هو الأخلاق العرفانية فالصبغة العرفانية والسير والسلوك يتجلى بشكل اكبر في هذه التعاليم.

إن الأخلاق التي يعلمها الإمام ويتناولها في كتاباته وأقواله وتتجلى أكثر في أشعاره ما هي إلا مقدمة للوصول إلى العرفان الحقيقي لأننا لو استسلمنا قلبياً للحن كلامه وعملنا بنصائحه وإشاراته التربوية لأحسسنا بتحول روحي بشكل طبيعي.

كما أن مدرسة الإمام الأخلاقية استدلالية تتناول المواضيع الأخلاقية بحيث لتملأ جعبة الروح بالهياج والتوله، وتقودها لمعراج القرب وتطير بها إلى الملكوت وهي مصباح الهداية وشعلة الطريق تقرب السالك من لقاء ربه وتوصله إلى مقام الاطمئنان في فضاءات القرب والمعنويات الحقة.

لقد أعرب الإمام الخميني عن مدرسته الأخلاقية بطريقة يفهمها الجميع نشير الى بضع منها:

(العالم محضر الله فلا تعص الله في محضره) أو في جملة أخرى (لا تقولوا أنا فالأنا هي الشيطان) وديوان أشعار الإمام الخميني مليء ومشبع بهذه الأفكار والقيم العرفانية.

(يقول: سوف يصبح العشاق سرك الخفي. تعال الي انا محرم اسرارك)

إن ديوان الإمام هو مجموع غزليات ورباعيات وقصائد ومسمطات وثنائيات عرفانية مما نظمه الإمام قديماً وحديثاً وللأسف جرى طباعتها بعد وفاته (رحمة الله عليه)؛ وهو نعمة كبيرة بين أيدينا نتلمس بقراءته روحاً وديعة لرجل عاش بيننا لسنوات قائداً شجاعاً لا ينهزم.

المصدر: ارنا 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.