الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب(عليهم السلام).

كيفية ولادته(عليه السلام)

 

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وكانت حاملة بأمير المؤمنين(عليه السلام) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت : أي ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبيّ من أنبيائك، وبكلّ كتابٍ أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وإنّه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنّه إحدى آياتك ودلائلك لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.

قال العباس بن عبد المطلّب ويزيد بن قعنب : لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بأذن الله (تعالى)، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا، فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.

وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه»(1).

ممّن نظم الشعر في ولادته(عليه السلام)

 

1ـ قال السيّد الحميري(رحمه الله):

ولدته في حرم الإله وأمنه ** والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة ** طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلةٍ غابت نحوس نجومها ** وبدت مع القمر المنير الأسعد

ما لُفّ في خرق القوابل مثله ** إلّا ابن آمنة النبي محمّد(2).

2ـ قال الشيخ حسين نجف(قدس سره):

جعل الله بيته لعلي ** مولداً يا له عُلا لا يضاهى

لم يشاركه في الولادة فيه ** سيّد الرسل لا ولا أنبياها

علم الله شوقها لعلي ** علمه بالذي به من هواها

إذ تمنّت لقاءه وتمنّى ** فأراها حبيبه ورآها

ما ادّعى مدّعٍ لذلك كلاّ ** من ترى في الورى يروم ادّعاها

فاكتست مكّة بذاك افتخارا ** وكذا المشعران بعد مناها

بل به الأرض قد علت إذ حوته ** فغدت أرضها مطاف سماها

أوما تنظر الكواكب ليلاً ** ونهاراً تطوف حول حماها

وإلى الحشر في الطواف عليه ** وبذاك الطواف دام بقاها(3).

3ـ قال الشيخ محمّد علي الأوردبادي(قدس سره):

سبق الكرام فها هم لم يلحقوا ** في حلبة العلياء شأو كميته

إذ خصّه المولى بفضلٍ باهر ** فيه يميز حيّه من ميّته

لم يتّخذ ولداً وما إن يتّخذ ** إلّا وكان ولادة في بيته

في البيت مولده يحقّق أنّه ** دون الأنام ذبالة في زيته(4).

4ـ قال الشاعر المسيحي بولس سلامة:

سمع الليل في الظلام المديد ** همسة مثل أنّه المفقود

من خفي الآلام والكبت فيها ** ومن البُشر والرجاء السعيد

حرّة لزّها المخاض فلاذت ** بستار البيت العتيق الوطيد

كعبة الله في الشدائد ترجى ** فهي جسر العبيد للمعبود

لا نساء ولا قوابل حفّت ** بابنة المجد والعلى والجود

يذر الفقر أشرف الناس فرادا ** والغني الخليج غير فريد

أينما سار واكبته جباه ** وظهور مخلوقة للسجود

صبرت فاطم على الضيم حتّى ** لهث الليل لهثة المكدود

وإذا نجمة من الأُفق خفت ** تطعن الليل بالشعاع الجديد

وتدانت من الحطيم وقرّت ** وتدلّت تدلّي العنقود

تسكب الضوء في الأثير دفيقاً ** فعلى الأرض وابل من سعود

واستفاق الحمام يسجع سجعاًً ** فتهشّ الأركان للتغريد

بسم المسجد الحرام حبوراً ** وتنادت حجاره للنشيد

كان فجران ذلك اليوم فجر ** لنهارٍ وآخر للوليد

هالت الأُمّ صرخة جال فيها ** بعض شيء من همهمات الأُسود

دعت الشبل حيدراً وتمنّت ** وأكبّت على الرجاء المديد

أسداً سمّت ابنها كأبيها ** لبدة الجدّ أهديت للحفيد

بل علياً ندعوه قال أبوه ** فاستقز السماء للتأكيد

ذلك اسم تناقلته الفيافي ** ورواه الجلمود للجلمود

يهرم الدهر وهو كالصبح باقٍ ** كلّ يوم يأتي بفجر جديد(5).

ـــــــــــــــــــــــــــ

1ـ الأمالي للطوسي: 706.

2ـ مناقب آل أبي طالب: 23.

3ـ الغدير 6/29.

4ـ المصدر السابق 6/33.

5ـ المصدر السابق 6/37.

 

بقلم : محمد أمين نجف

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.