مدير المدرسة وعملية التغيير

تمهيد
 
التغيير حقيقة حياتية نعايشها باستمرار، وهو من طبيعة الأشياء الحية والنظم النامية التي تحرص على تجديد حالها وتطوير أدائها ونوعية ومستوى منتجاتها أو مخرجاتها. وفي عصرنا الحالي نشاهد تغييرات متنامية وسريعة في شتى مجالات الحياة. وقد أصب التغيير واقعاً مسلماً به، وأضحت مشكلتنا الرئيسية « ليست في قبوله أو رفضه » بل أصبحت في مواكبته وإدارته وضبطه وضمان عدم انفلات زمامه من أيادينا.
 
 
يحتاج ممارسو العمل التربوي إلى فهم تاريخي شامل للحقل التربوي من أجل مواكبة ومواجهة المشكلات والقضايا المعاصرة بشكل موضوعي. وبدون أسس أو دعائم قوية لمنظور تاريخي قوي، فإن من المحتمل أن يواجه التربويون الحاضر اعتقاد ساذج مفاده أن ما من مرحلة زمنية سابقة قد تميزت بمثل هذا التغيير المتسارع. على كل حال، فإن التغييرات التكنولوجية هي مجرد خصائص لمناخات الثورة الصناعية، وهي ليست فريدة فيها فقط. ومن الملاحظ أن التغيير كان دائماً جزءا م الحالة الإنسانية، وما يختلف الآن هو معدل سرعة هذا التغيير، وإنه سيكون أسرع وأسرع، وإنه يؤثر على كل جزء من حياتنا بما في ذلك القيم الشخصية، والأخلاق، والديانات. وسيصبح شغلنا الشاغل في المستقبل فهم التغيير ومواكبته.
 
 
 
 
أجواء التغيير
 
قد يتضمن التغيير أشياء كثيرة من بينها الخسارة والقلق والصراع والتناقض والتردد، وعلينا أن لا نتغاضى عن هذه الظواهر أو الجوانب؛ لأن إهمالنا لها وعدم اعترافنا بوجودها يعني أننا نهمل جوانب ومدخلات ووقائع هامة في ميدان التغيير؛ وسيؤدي ذلك إلى إساءة تفسير جوانب ومظاهر أو نتائج أخرى للتغيير. وسيؤدي ذلك كله إلى بروز مشكلات ومتناقضات، ولعل في هذا كله ما يجعلنا نلتمس العذر للمؤسسات التي لا تتشجع للتغير وتتردد في تبنيه، أضف لذلك أن هذا قد يساعدنا في تفهم وجهات نظر الناس أو الموظفين المحافظين الذين يرفضون التغيير ويقاومون تطبيقه، وفي أحسن الحالات يتحفظون عليه.
 
 
يبدو معظم الناس مترددين وربما متناقضين تجاه التغيير وما فيه من تجديدات لأنهم يواجهون أشياء جديدة تختلف عما كانوا يعرفونه ويألفونه في اليوم السابق، وقد يشعرون أن ما يعرفونه سابقًا أفضل وممتع أكثر من الجديد، لذلك فإنهم لا يرحبون بأي تغيير جذري يقلب الأمور لهم رأسا على عقب، ويسلخهم عن مألوفهم، ويلقي على عواتقهم مسئوليات وتبعات جديدة، وقدي جعل حياتهم أكثر صعوبة عما هي عليه، أو قد يخيفهم بطريقة أو أخرى مما يدفعهم للتشكل وأخذ الحيطة والحذر.
 
 
قد يحمل لنا التغيير أشياء إيجابية تأتي على شكل تجديدات Innovations أو تطويرات  Developments، وقد يحمل لنا التقدم والتجدد Renewal والإصلاح  Reform وهكذا.. إلا إنه على الجانب الآخر قد يحمل التغيير أفكارا سلبية أو أشياء تسبب المصائب والمآسي Catastrophe ونفهم من ذلك أن التغيير قد لا يكون في حداً ذاته إيجابياً أو سلبياً وإنما قد يرافقه نتائج سلبية أو إيجابية غير محسوبة.
 
 
يمكن أن يكون التغيير التربوي مقصودًا ومخططا له، ويمكن أن يكون غير مخطط وغير مقصود، ويمكن أن يكون تطوعيا أو مفروضا قصيراً، ويمكن أن يكون مخيفا ذا مخاطر، ويمكن أن يكون غير مخيف ومأمون. وكيفما أتى التغيير التربوي، فإنه لم يكون مثمرا وفعالا إلا إذا تبناه الناس خاصة المعلمين والمديرين والمشرفين. ويتطلب ذلك في جملة ما يتطلب أن يكون لدى هؤلاء الناس اتجاهات إيجابية نحو التغيير ونحو النتائج المتوقعة منه أو تشكيل هذه الاتجاهات لديهم. ولعل هذا هو وجه الصعوبة الحقيقة التي تواجه مقدمي التغيير وقادته أو من يقومون على إداراته.
 
 
يبين فولان وزميله (Pullan, 1992) أن التغيير أو التجديد ليسا شيئاً يمكن إحداثه في الآخرين؛ بمعنى أن مقدمي التغيير وقادته لا يغيرون الآخرين، بل إنهم يساعدونهم في أن يتغيروا. أي على الناس (في أي مؤسسة) أن يتغيروا إذا أرادوا أن يحدث التغيير في مؤسستهم أو واقعهم. ويتطلب ذلك منهم أن ينخرطوا في التغيير ويدخلوا في خضمه بحيث يصبح التغيير مذوتا فيهم؛ أي يصبح مشربا في تفكيرهم وذا معنى شخصي مهم لك لواحد منهم.
 
 
علينا أن نتذكر أن الناس يفسرون الأشياء ويؤولونها ي ضوء معرفتهم وخبراتهم السابقة، ويرون التغيير جيداً إذا لاقى هوى في نفوسهم، ووافق قيمهم ومعتقداتهم الخاصة.. ولعل من العوامل الرئيسة التي تسبب فشل التغييرات والتجديدات التي ندخلها إلى المدارس، هو بعدها عن ثقافة المدرسة (أي القيم والمعتقدات والمعايير التربوية السائدة فيها) أو ثقافة المعلمين أو الطلاب أو كلاهما معاً. وعلى مقدمي التغيير وقادته أن يأخذوا هذا العامل بعين الاعتبار ويعملوا جهدهم على تكييف التغيير أو تعديله ليوافق قيم ومعتقدات وقناعات المستهدفين التربوية وكذلك اتجاهاتهم.
 
 
وفي محاولاتهم لضمان نجاح التغيير، يلجأ مقدمو التغيير لإقناع القادة السياسيين به، وبالفعل هناك أ. اع من التغيير يتبناها القادة السياسيون ويدعمونها.. هذا التغيير المدعوم من السياسيين وبقوة الأفكار الجديدة التي يحملها، وبما يجند إليه من موارد ومصادر وإمكانيات، يقي أعباء إضافية وثقيلة على كاهل الذين يقومون بإدارته وأولئك الذين ينفذونه؛ لأنه يكون محكوما بخطوط زمنية نهائية غير واقعية يقررها السياسيون ولا تأخذ بالاعتبار المعطيات الحقيقية للواقع الميداني ولا تقدر بشكل دقيق ومعقول متطلبات التغيير وعملياته والحاجات اللازمة. أضف إلى ذلك ما يرافق تطبيق هذا النوع من التغيير من طلبات متسارعة وغير منسقة أو غير مدروسة دراسة كافية تحت وطأة محددات الزمن، مما يقود لحلول متسرعة بسيطة أو مُبسطة لدرجة التسطح. ويرافق هذا التغيير في العادة جهود مبعثرة غير منسقة وغير موُجهة بشكل سليم، ولا تأخذ بعين الاعتبار الظروف والموارد والإمكانات اللازمة فعلاً لتحقيق التغيير أو التطوير.  (Fullant Steiglbauer: 1990)
 
 
تُمثل المواقف السابقة صعوبات حقيقية أمام قادة التغيير التربوي، وتجعلنا ندرك أن نجاح التغييرات أو التجديدات التربوية -مهما كانت رائعة- محكوم بمدى تقبل الناس (خاصة المستهدفين) لها، وبدرجة استعدادهم لتبنيها وتلبية متطلباتها.
 
 
وبشكل عام، علينا كقادة تربويين في مجال التغيير أن نعي وندرك النقاط الرئيسة الآتية:
 
1- إن جدوى أي سياسة أو تجديد لا يمكن ضمانها لأننا لسنا متأكدين من الأهداف، وإمكانات واحتمالات التطبيق، والنتائج الحقيقية لهذا التجديد أو التغيير.
 
2- إن الزعم القائل (إن التغيير يعني التطوير والتحسين) زعم غير صحيح في أحيان وحالات كثيرة.
 
3- الأهداف التربوية ووسائل تحقيقها في المجتمع المعاصر ليست واضحة وغير متفق عليها.
 
4- لا يكمن التحدي الأساسي الذي يواجه التغيير في ضبط أو قيادة تغيير أو تجديد واحد بسيط، لكنه يكمن في ضبط التغييرات الكبيرة الجذرية، وإدارتها وإقناع الناس بجدواها ومن ثم تقبلها.
 
5- يتطلب التجديد التربوي فترة زمنية كافية، وإن أصعب مراحله هي المراحل الأولى.
 
6- التغيير شمولي ويجب أن يشمل عناصر العملية التربوية كافة.
 
 
 
 
لماذا التغيير التربوي ؟ ما دواعي التغيير ؟
 
التربية والتعليم عملية إنسانية اجتماعية تتم في وسط اجتماعي وتستهدف الطالب الإنسان وتستهدف مجتمع المدرسة وتستهدف المجتمع الذي أوجد المدرسة. والمدرسة هي المؤسسة التربوية التي تتم فيها العملية التربوية، وهي جزء من المجتمع وعلى اتصال تفاعلي معه، أي أنها ليست معزولة عنه بل تتأثر به ويؤثر فيها وحيث إن المجتمع يشهد تغييرات عديدة في شتى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصناعية والتكنولوجية؛ كان لزاما على التربية ممثلة بكل مؤسساتها وخاصة المدرسة أن تتأثر بهذه التغييرات وتعمل على الاستفادة منها ومواكبتها، وتجديد أو تغيير نفسها في سبيل ذلك. ويعني ذلك في جملة ما يعني أن تستفيد المدرسة من التجديدات العلمية والتكنولوجية في تجديد وتطوير بيئتها العامة والبيئة الصفية وتحسين الأساليب التدريسية وأساليب الانضباط والإدارة والتقويم وغير ذلك من جوانب العملية التربوية، بحيث تصبح هذه العمليات أكثر فاعلية وأكثر إنتاجية، وأن تصبح منتجاتها عالية الجودة والنوعية وقادرة على مواكبة معطيات الحياة المعاصرة والتفاعل الإيجابي معها. ولعل في هذا ما يكفي من المبررات لتقبل التغيير وتبنيه.
 
 
وبعبارة أخرى نرى أن دواعي التغيير تتمثل بما يأتي:
 
1- ضرورة استفادة المدرسة من المعطيات العلمية والتكنولوجية لتطوير أدائها وإدارتها وأساليبها ومناهجها لتكون منتجاتها عالية النوعية.
 
2- أن تثير المدرسة وتتجدد لتكون قادرة على التأثير الإيجابي في مجتمعها.
 
3- أن تتطور المدرسة لكي تكون منتجاتها قادرة على تلبية حاجات مجتمعها وحاجات سوق العمل المتزايدة والمتنامية والتي أصبحت نوعية وتخصصية.
 
 
ولعل أبرز هذه الحاجات تتمثل بدور في تقرير كارنفال وزملائه (Carnevale,Gainer& Meltzer 1 990).  عن الكفايات الأساسية التي ينبغي توفرها في قوة أو مكان العمل.
 
 
وفيما يأتي هذه الكفايات:
 
*    يعرف كيف يتعلم.
 
*    يقرأ، يكتب، ويحسب.
 
*    يمتلك مهارات التواصل الشفوي: الاستماع والمحادثة.
 
*    يفكر بشكل إبداعي ويحل المشكلات.
 
*    يقدر ذاته self-esteem ، ويضع الأهداف، ويمتلك دافعية جيدة، ويتخذ القرارات.
 
*    يمتلك مهارات التواصل الشخصي Interpersonal ، ومهارات التفاوض والعمل الفريقي.
 
*    يمتلك مهارات القيادة والعمل المؤسسي بفاعلية.
 
 
في هذه الانبغائيات (Ought) تتلاقى حاجات مختلف الوظائف مع الأولويات الحالية للتربية والتعليم، وفيها تركيز عام ينصب على حل المشكلات، والتواصل والعمل الفريقي، على أن تتم جميعها في مواقف ووضعيات تربوية وتكنولوجية معقدة أو متقدمة. واستنادا للإطار المفاهيمي للتربية التكنولوجية هناك من يرى ضرورة وضع حل المشكلات في بؤرة نموذج تطوير المنهج (Savage & Sterry 1990 a) .
 
 
 
 
التغير ممارسة عملية على أرض الواقع
 
من المعروف أن التغيير التربوي يمكن أن يحدث في قطاعات أو مجالات عديدة منها المعلم والطالب والمدرسة والمنهج والتقنيات التربوية وإدارة التعليم... الخ. وفي حقيقة الأمر يكون التغيير بتحسين التعليم والتعلم في المدرسة؛ ويعني ذلك تحسين كفايات المعلمين ومهاراتهم التدريسية ويترتب على ذلك تحسين أدائهم في المواقف التعليمية التعلمية. أما بالنسبة لتحسين التعلم فيقصد به تحسين مهارات وأنماط الطلاب في التعلم، وتحسين مستوى تحصيلهم وإكسابهم مهارات واتجاهات إيجابية تجاه أنفسهم وتجاه التعلم. ويترتب على ذلك أن يقوم المعلم بتعلم طرق تفكير وتصرف وإدارة وأساليب تدريس جديدة. وفي رأينا إن المدرسة مكان مناسب لذلك؛ فبإمكاننا كتربويين، معلمين ومديرين، أن نستمد بعض الأفكار المفيدة من خبراتنا وأن نتناقش فيما بيننا تعاونيا لنصل إلى أفكار تجديدية نخلق بموجبها الظروف والبيئات ونوفر المستلزمات المادية والمعنوية والتقنية التي تساعد الناس (المعلمين، الطلاب، المدير.. الخ) على التعلم ويتطلب ذلك أن نبني ثقافة جديدة للمدرسة تخلق في المعلمين والمديرين الدافع للتعاون والتعلم الذاتي، والإنجاز المتميز والتفوق والسعي نحو الأفضل، وعمل المحاولات المدروسة التي تصل بنا إلى هذا الأفضل الذي نريد. ومن المرجع في مثل هذه المناخات أن يتحسن التعليم والتعلم في المدارس في ضوء محاولات المعلمين المدروسة والجادة لتحسين ممارستهم في مجال التدريس وإدارة الصفوف وتقويم الطلاب.
 
يحدث التدريس والتعليم بشكل أساسي في مستوى غرفة الصف. وإذا أردنا تطبيق تغيير ما في مستوى غرفة الصف يجب أن نتساءل ما الممارسات الصفية الحالية؟ ما الممارسات الصفية التي نطمح إليها؟ ما الممارسات التي سيطالها التغيير؟ 
 
تتطلب إجابات هذه الأسئلة منا أن نعرف التغيير وأن نحدده بشكل واضح؛ لكي نقرر أي الممارسات الصفية سيطالها التغيير وما هو هذا الشيء الذي سيطالها، وكيف سننفذ هذا التغيير المقترح.
 
تكمن المشكلة في تعريف التغيير أن التغيير التربوي بالذات ليس كينونة محددة منفردة ومنعزلة عن غيرها. ولو حللنا التغيير الذي نريد تطبيقه إلى فعاليات جزئية حتى نصل إلى أبسط فعالية تحدث في غرفة الصف، يمكن أن نصل إلى أبعاد وأوجه متعددة للتغير.
 
 
 
ورغم ذلك يمكننا القول إن أي تغيير تربوي تجديدي يفترض أن تكون له ثلاثة أبعاد في قاعة الصف هي: 
 
1-    إمكانية استخدام مواد جديدة مثل التقنيات والمناهج أو الكتب المدرسية. 
 
2-    إمكانية استخدام مناحي أو مداخل Approaches أو استراتيجيات تدريسية جديدة أو نشاطات ونماذج تعليمية جديدة.
 
3-    إمكانية تغيير أفكار وقناعات المديرين والمعلمين والمشرفين فيما يتعلق بعملية التدريس والتفاعل الصفي وفاعلية التعليم والتعلم والنظريات والتربوية المتعلقة بالفعل التربوي، وكذلك السياسات وأهداف التربية... إلخ. 
 
 
وما يجب أن ننتبه إليه أن التغيير لكي يحدث ممارسة على أرض الواقع يجب أن يشمل الأبعاد الثلاثة السابقة جميعها في الوقت نفسه (Charters & Jones: 1973). ويشترط فيه أن يحمل تجديدات ملحوظة في كل بعد من هذه الأبعاد وإلا نظر إليه كشيء هامشي. وعلى سبيل المثال إذا استخدمنا كتباً أو مواد تدريسية جديدة ولم يستخدم المعلمون استراتيجيات تدريسية جديدة تواكب هذه الكتب وتلبي حاجاتهما فما فائدة التغيير وما هو مردوده على الطلاب؟؟ إن تغيير الكتب في هذه الحالة سيكون بلا معنى أو بلا أثر ملحوظ؛ لأن أساليب تنفيذ وتطبيق ما في هذه الكتب أساليب لا تعمل على تحقيق توجهات هذه الكتب وأهدافها. فإذا قدم الكتاب المدرسي نشاطات تعليمية بطريقة استقصائية تهدف إلى إتاحة الفرصة للطالب للعمل والتجريب والتفكير العلمي، وقام المعلم بتقديمها للطلاب بأسلوب العرض أو المشاهدة العلمية أو شرحها لم شرحا مباشرا فهل سيمارس الطلاب التجريب؟ هل ستتنامى فيهم مهارات التجريب ؟ هل ستتطور مهارات التفكير العلمي فيهم ؟ هذا المثال يبين أهمية أن يكون التغيير شاملا لأبعاد التغيير الثلاثة السابقة بحيث تتضافر أشكال وأنواع التغيير فيها لتحدث تغييرا كلياً ملحوظا وإيجابيا في الفعل التربوي.. وبخلاف ذلك سنغير أشياء كثيرة تعمل في اتجاهات مختلفة وغير منسقة فتؤدي في أحسن الأحوال إلى تغيير كلي خفيف أو ضعيف. وينطبق علينا في هذه الحالة المثل العربي القائل: (اسمع قعقعة ولا أرى طحنا) وهذا ما قصده  (Sarson: 1982) بقوله (أشياء كثيرة تتغير ولكن بلا نتيجة).
 
 
 
 
إدخال التغيير
 
إن عملية إدخال التغيير أساسية ومهمة كالتغيير نفسه، وكلما كانت هذه العملية مدروسة ومناسبة لميول الأفراد وحاجاتهم وعاداتهم، كان بمقدور الأفراد أن يتبنوا التغيير ويدعموه. هناك عدة طرق أو استراتيجيات لإدخال التغيير لأي مؤسسة بما في ذلك المدارس ومن هذه الاستراتيجيات ما يأتي:
 
 
1- الاستراتيجية التجريبية - العقلانية: . (Rational - Empirical)
 
في هذه الطريقة يقترح التغيير من قبل بعض الأشخاص أو مجموعة من الأشخاص تعرف الحالة المرغوبة لدى الفرد أو المجموعة، أو المؤسسة أو المجتمع، ومن المفترض أن تتسم المجموعة بالعقلانية، وأن تتبنى التغيير المقترح إذا كان مبررا عقلانيا، وإذا أوضح مقترح التغيير أن الفرد أو المجموعة أو المؤسسة ستكسب من هذا التغيير.
 
 
 
2- استراتيجية إعادة التأهيل -المعيارية: ( Normative Rehabilitation)
 
تؤمن هذه الطريقة بعقلانية الفرد وذكائه، تماماً كالاستراتيجيات التجريبية العقلانية وفي الوقت نفسه تؤكد على المعايير الاجتماعية الثقافية وعلى اتجاهات وقيم النظام الذي ينمي إليه الأفراد.
 
 
 
3- الاستراتيجية القسرية  (Power-Coercive Strategy).
 
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن بالإمكان إصلاح الناس وتغيير سلوكياتهم ومواقفهم وقناعاتهم بالطرق القسرية؛ أي أن أفضل وسيلة لتحقيق التغيير والتجديد هي فرضه بالقوة وإجبار الناس على قبوله، فمع الزمن والممارسة سيعتاد الناس التغيير ويتبنونه. يمارس هذا الاستراتيجية مقدمو التغيير المدعوم من السلطة أو من السياسيين. وعادة ما يتم اللجوء لهذه الاستراتيجية لإحداث التغيير بسرعة. وقد أثبتت التجارب العديدة أن التغييرات التي تقدم بهذه الاستراتيجية لا يكتب لها النجاح. وخير مثال على ذلك التغييرات التي أحدثها الشيوعيون في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابقة؛ فقد لاحظنا انهيار النظام الشيوعي وزوال كل التغييرات التي فرضها.
 
 
 
 
الصعوبات التي تواجه إدخال التغيير
 
في الواقع يواجه مقدمو التغيير التربوي وقادته صعوبات رئيسة في مجال التغيير تتمثل بما يأتي:
 
 
1- محدودية الوقت: التغيير ليس حدثا عرضيا يتم بين عشية وضحاها، وفي حقيقة الأمر فإن التغيير عملية تتم وفق خطوات متسقة ومترابطة؛ فالأفكار والقناعات واستيعاب المناهج والتقنيات الجديدة تحتاج إلى وقت طويل والتجديد المقصود من التغييرات السابقة يتم وفق سلسلة من التغييرات والعمليات المتلاحقة التي يتمم ويكمل بعضها بعضاً. وعلى مقدمي التغيير وقادته إدراك هذه النقطة وأخذها بعين الاعتبار عند التخطيط للتغيير، كما عليهم توعية الناس إلى أن التغيير يحتاج لسنوات وليس أياماً. بهذا يتوقع أن لا يتعجل الناس النتائج؛ فتعجل النتائج وبالتالي عدم الوصول إليها في الأوقات الحقيقية، يربك المستهدفين ويشعرهم بالإحباط وربما الشعور بالخذلان.
 
 
2- قد يكون التغيير مؤلما: في حالات كثيرة يشعر الناس أن التغيير أو التجديد يتطلب منهم تضحيات عديدة قد يكون بعضها مادياً يتعلق بظروف معيشتهم، وقد يكون بعضها معنوياً كأن يضحي الأفراد بما لهم من حظوة ومكانة. وقد يتطلب التغيير تضحية الأفراد بالأشياء التي يرونها جميلة ومفيدة، وكل ذلك يشعرهم بالألم والحسرة على مألوفهم وما اعتادوا عليه. وقد يطلب التغيير من الناس ارتكاب المخاطر وبذل جهود إضافية والعمل لساعات إضافية. فيتساءلون لماذا ننسلخ عن أفكارنا وقناعاتنا؟ وهنا قد يقفز لأذهان العديد من الناس سؤال يقول لم المخاطرة وما الداعي لبذل الجهود والتضحية بما نحب وبما اعتدنا إذا كان بالإمكان تفادي كل ذلك بإبقاء الحال على حاله دون تغيير أو تجديد، فالأمور تسير ولسنا بحاجة للتغيير؟
 
 
3- كيف تقنع الناس وخاصة الطلاب والمعلمين المستهدفين وغيرهم من التربويين بجدوى التغيير ومردوده الإيجابي على المدى القريب والبعيد؟
 
 
4- كيف نغير ثقافة المدرسة بشكل خاص والمؤسسة التربوية بشكل عام بحيث تصبح كل منهما بيئة تدعوا للتغيير وتتقبله وتتبناه وتدعمه. ولعل هذه النقطة هي الهدف النهائي لقادة التغيير ومهندسيه، وإن تحققت تكون المؤسسة مهيأة تهيئة تامة للتجديد والتطوير، ويصبحان مطلبا أساسياً لها، وتغدو المؤسسة بؤرة إشعاع لهما.
 
 
5- تقرير ماهية هذا التغيير؟ ويعترف العديد من قادة التغيير بصعوبة تقديم تعريف موضوعي للتغير فيما يتعلق بمواد التدريس واستراتيجيات تدريسها، والمناهج ومبررات تغييرها، والأفكار التربوية الجديدة التي يسعى التغيير إلى تقديمها ومطلوب من تبنيها. فهذه الأشياء تتغير وتتطور باستمرار لدرجة أنها قد تتطور وتتبدل في أثناء التطبيق، وإن حدث ذلك فإنه سيربك الناس ويؤدي للحيرة والتردد.
 
 
6- صعوبات راديكالية إجرائية تتمثل بالإجابة عن الأسئلة الآتية:
 
* ما هي المواد الدراسية التي سندخلها؟ من سيطور هذه المواد؟
 
* من سيعرف أو يصف مناحي أو استراتيجيات التدريس؟
 
* من سيقرر المناحي أو الاستراتيجيات التدريسية التي سيتم تبنيها؟
 
* ما هي الأفكار التربوية الجديدة التي سنتبناها؟ من يقرر ذلك؟
 
* هل سنطبق التجديد المقترح كما هو موصوف من الخبراء بدون إدخال أي تعديلات عليه أم أن بإمكاننا كمديرين ومعلمين منفذين أن نعدل ونطور في هذا التجديد بحيث يكون الناتج النهائي للتغير مهندسا وفق حاجاتنا ووفق ما نرى في ضوء خبراتنا؟
 
* مقاومة التغيير، لماذا؟
 
 
يمكن أن يقاوم الناس التغيير بشكل إيجابي نشط أو بشكل سلبي هادئ، فكثير من التغييرات التي تقدم أفكارا رائعة ومفيدة قد تحطمت على صخرة رفض ومقاومة الناس وخاصة المعلمين لها.
 
 
ولقد بينت (Rosbet Canter) أن مقاومة الناس للتغيير تعود لعدة أسباب من أهمها:
 
1- يشعر الناس أنهم لا يستطيعون ضبط التغيير، ويأتي هذا الشعور نتيجة لإحساسهم أن التغيير قد أسقط عليهم ولم يكن نابعا منهم.
 
2- يشعر الناس أن المستقبل غير مأمون وغير أكيد (خاصة فيما يتعلق بمستقبلهم الوظيفي).
 
3- عدم المعرفة نتيجة لغياب المعلومات التوضيحية الكافية عن الناس وعدم التواصل معهم بشكل مناسب يعرفهم بحقيقة الأمور. وغياب المعرفة عن الناس تدفعهم لاتخاذ مواقف سلبية تجاه التغيير أو التجديد ومن ثم مقاومته.
 
4- تشكك الناس بجدوى التغيير نتيجة لعدم استشارتهم به، فهم يتساءلون طالما أن هذا التجديد في مصلحتنا، لماذا لم نستشر به، لماذا لم تؤخذ آراؤنا؟ لماذا لم يشرحوه لنا؟
 
5- يتمسك الناس بمألوفهم وموروثهم ويحبون المحافظة عليه. ويشعرون أن التغيير سيطال هذا المألوف والموروث وسيحرمهم مما اعتادوا عليه وألفوه؛ لذلك يتشككون بالتغيير ويرفضوه.
 
6- يخشى الناس أن يفقدوا مكانتهم  (Face Water) نتيجة للتغيير، وقد يكون هذا من الأسباب الرئيسة التي تدفع الناس لمقاومة التغيير.
 
7- يشعر الناس بالقلق على مصير كفاياتهم المهنية ومهاراتهم وخبراتهم في ظل التغييرات الجديدة.. كما يتساءل الناس هل نستطيع بمهاراتنا وكفاياتنا الحالية مواكبة التغيير أم لا؟ هل نستطيع استخدام الأساليب والتقنيات الجديدة التي يتطلبها التغيير؟!
 
8- يشعر الناس أن التغيير لا يتوقف فالتغيير في حالة معينة سيمتد ليطال حالات أخرى لا يرغبون أن يصلها.. لذلك ينتابهم القلق عن عدم القدرة على التنبؤ بتأثيرات ونتائج التغيير، وهذا يولد لديهم الإحساس بعدم القدرة على ضبط التغيير.
 
9- يشعر الناس أن التغيير يعني دائماً المزيد من العمل والمزيد من الطلبات التي تثقل كاهلهم. وهذه حقيقة علينا كقادة مصارحة أنفسنا بها والعمل على التعامل معها بشكل إيجابي.
 
10- يقاوم الناس التغيير إذا أحبطهم وكانت نتائجه مخيبة لآمالهم، ويحبط التغيير الناس إذا قادة أشخاص لا يحترمون قيم الناس وماضيهم وتراثهم وخبراتهم ومعتقداتهم.
 
11- يشعر الناس أن التغيير قد يحمل المخاطر، والناس محقين بذلك فكثير من التجديدات أدت إلى مخاطر ومجازفات قد حملت الناس فوق طاقتهم بدون تحقيق أي فوائد تذكر.
 
12- يقاوم الناس التغيير لأنهم يشعرون أنه غير مناسب لهم وأنه يحتاج لمصادر وإمكانيات غير متوفرة لديهم.
 
 
 
 
تقليل مقاومة التغيير
 
كيف تقلل مقاومة الناس للتغيير؟ كيف تكسب ولاءهم لهذا التغيير؟
 
إن تهيئة الناس للتغيير عملية أساسية لتنمية إحساسهم بالتغيير وإدراكهم له ومن ثم تفاعلهم معه وتبنيه، وفي هذا المجال هناك متغيرات لا حصر لها تؤثر على اتجاهات الناس وقناعاتهم؛ وبالتالي قبول برامج التغيير ودعمها أو عكس ذلك. ولكي تضمن عزيزي مدير المدرسة باعتبارك، قائد التغيير في مدرستك، النجاح لبرامج التغيير التي تقدمها، عليك اتخاذ الإجراءات الآتية:
 
1- حدد الأهداف، وأطلع المستهدفين عليها ليتمكنوا من استشراف الفوائد المرجوة منها، وليتعرفوا حاجتهم للتغيير، بهذا تكسب تأييدهم للتغير ومن ثم تبنيه ودعمه.
 
2- حدد الملامح الرئيسة والصورة العامة للنتائج المتوقعة وبين ما سيترتب على هذه النتائج من تأثيرات إيجابية تأتي في صالح المؤسسة وأفرادها.
 
3- بين أن التغيير يعبر عن حاجة أو حاجات أساسية للفئات المستهدفة.
 
4- ارسم الخطة العامة وناقشها مع الفئات المستهدفة، وأترك فيها مجالاً يمكن للمشاركين الإسهام من خلاله، فهذا يشعرهم بالانتماء لهذه الخطة.
 
5- اقبل التغييرات والتعديلات التي يقترحها المستهدفون ومنفذو الخطة طالما كان ذلك في صالح التغيير.
 
6- وزع الأدوار على المستهدفين حسب رغباتهم وقدراتهم واستعداداتهم وميولهم، واجعل لكل فرد منهم دورًا يؤديه ويشعره بالاعتزاز، واسمح له بأن يرسم معك الملامح النهائية للنتاجات المتوقعة.
 
7- درب المستهدفين لرفع كفاياتهم ومهاراتهم لكي يواكبوا التغيير ويلبوا متطلباته ويؤدون الأدوار المنوطة بهم بإتقان. وتذكر أن لدى الأفراد الرغبة في أن يتقنوا أعمالهم ويعرفوا كيف سيساهمون وكيف سيشاركون. بهذا لا يخافون التغيير ويقبلون عليه.
 
8- وضح الجوانب الآتية للناس وللمستهدفين:
 
* مضامين التغيير وما يعنيه بالنسبة للفئات المستهدفة بحيث يفهمونه بشكل مباشر، ويشعرهم بفائدته لهم ولغيرهم وللعمل؛ وبين أن التغيير استثمار له فوائد مادية ومعنوية عليهم وعلى مدرستهم؛ بهذا تساعدهم على قبوله وتنفيذه.
 
* فرص النجاح وأعط مؤشرات عليها.
 
* عمليات التغيير وإجراءاته بالنسبة للفئات المستهدفة.
 
* كيف سيؤثر التغيير إيجابيًا في الفئات المستهدفة وعملهم من حيث الوقت والجهد المصروف في العمل، ومن حيث مهاراتهم وكفاياتهم وأولوياتهم، وأدائهم وأداء طلابهم، وأوضاعهم الوظيفية ومكانتهم المهنية، وفرص الترقية.
 
* أن التغيير يتضمن عادة الصراع والاختلاف وعدم الاتفاق والتناقض والغموض؛ ويشكل كل ذلك جزءًا من العملية التي يقوم بها الأفراد وهم يشكلون معانيهم الذاتية للتغيير. وأن التطبيق سيجلي أي تناقض أو غموض حول التغيير.
 
* أن التغيير عملية بطيئة تحتاج لوقت طويل لتعطي نتائجها المأمولة.
 
* وفر الدعم والتعزيز والمصادر اللازمة في المراحل الأولى من التطبيق لأن الدعم في هذه المراحل هام وضروري لإكساب الناس الثقة بالعمل وبالتجديد وبفرص النجاح، وبهذا تكسب ثقتهم ودعمهم، وتتنامى دافعيتهم للعمل والصبر والاستمرار.
 
* طور في المؤسسة ثقافة تتقبل التغيير باعتباره شيئًا طبيعيًا ومتطلبًا حياتيًا للتقدم والتطور في الحياة.
 
* أحرص على تحقيق نجاحات في المراحل الأولى للتطبيق حتى ولو كانت صغرى؛ فهذه النجاحات تحفز الأفراد وستقود لنجاحات أخرى أعمق وأوسع. وتذكر القول المعروف (النجاح يقود للنجاح Success leads to Success).
 
* تعرف معيقات التغيير، وبصر الفئات المستهدفة بها، خذ هذه المعيقات بعين الاعتبار في أثناء التخطيط والتنفيذ.
 
* قلل من المخاطر المترتبة على التغيير لأن ذلك سيخفف من خوف الناس والمستهدفين ممن سيقلل مقاومتهم، وسيساعدهم على قبوله.
 
* فشل التغيير التربوي؛ الأسباب والعلاج.
 
 
 
 
أ- أسباب فشل التغيير:
 
يرى العديد من الناس أن فشل التغيير التربوي (إن فشل) يمكن أن يعزى لحقيقتين هما:
 
* عدم تجريب العديد من التجديدات والتغييرات التربوية ممارسة على أرض الواقع.
 
* وجود قوى اجتماعية وسياسية واقتصادية محافظة ومتشددة ترفض التغيير وتقاومه.
 
 
وإضافة للحقيقتين السابقتين نرى أن من بين الأسباب الرئيسة لفشل التغيير؛ عدم نجاح قادة التغيير في التغلب على الصعوبات العديدة التي تعترض التغيير.
 
 
 
وقد يعزى عدم النجاح هذا إلى أسباب عديدة منها:
 
1- غياب التخطيط الشامل الواعي الموضوعي الذي يأخذ كافة المدخلات بعين الاعتبار.
 
2- عدم توفر المصادر الكافية اللازمة للتغيير.
 
3- نقص في كفايات وقدرات القائمين على التغيير وكذلك منفذيه.
 
4- عدم تهيئة الناس وإعدادهم لمواكبة التغيير.
 
5- عدم توفر معلومات عن تجربة التغيير مسبقًا في الواقع التربوي.
 
6- مقاومة القوى الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية للتغيير التربوي؛ فهناك من يقول إن تلك القوى تتصدى للتغيير وتقاومه.
 
ولعل الحقيقة الأكثر سطوعًا هي أن التربويين أنفسهم من أشد الفئات مقاومة للتغيير؛ لأنهم محافظون بطبيعتهم وبحكم وظيفتهم التي تتمثل بالمحافظة على تراث الأمة وعاداتها وتقاليدها وقيمها.
 
 
 
 
ب- كيف نساعد في نجاح التغيير (التجديد) ؟
 
لعل من أبسط الطرق لمساعدة الأفراد والمجموعات على كل المستويات في المدرسة لكي ينجحوا في تحقيق إنجازات وتحسينات جوهرية تتمثل في ضرورة تركيز اهتمامهم الجدي لكل من محتوى التغيير وعملياته؛ وبعبارة أخرى عليهم الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماذا سنغير؟ ما الجديد المطروح؟ كيف سنغير؟
 
لقد بينت التجارب أن إحداث التغيير التربوي الفعال يحتاج لرؤية مشتركة واضحة، وفهم مشترك، وإلى انهماك المستهدفين في التغيير بطرق مبسطة بعيدة عن التعقيد، رغم وجود تعقيد في الرؤى الشخصية للأفراد وفي السياسات التربوية التي تحكم المدرسة وتوجهها. واستنادًا لذلك يكون من واجب قادة التغيير التربوي في المدرسة أن يبحثوا عن أبسط السبل لشرح وتوضيح مضامين التغيير وما ينطوي عليه من حقائق متعددة. والهدف من ذلك هو إعادة تكوين الأمور وصهرها وإخراجها في قالب جديد يفهمه الجميع. وعلينا أن ننتبه إلى أن تبني البساطة شيء جديد لكن علينا أن نحذر من المبالغة فيها لأن المبالغة فيها هي في الحقيقة تسطيح الأمور لدرجة تفقد معها مضامينها الحقيقية.
 
إن عملية التغيير والتطوير التربوي في المجتمعات الحديثة عملية مترابطة ومعقدة، لذلك فمن الضروري فهم هذه العملية وفهم أبعادها وتفاعلاتها. ولكي نساعد الآخرين على فهمها علينا أن نقدم لهم شرحا حسيا مباشرا بسيطا مدعوما بالأمثلة الواقعية بحيث يصبح التغيير ذا معنى بالنسبة للناس وللمستهدفين.
 
في مجال التغيير هناك حقيقة يجب أن نعيها جميعًا وهي أن التغيير والتجديدات أدوات يستخدمها بعض الناس (قادة التغيير) لتشكيل أو لتنظيم حياة الآخرين وحياة أبنائهم والتحكم بها باتجاه (ما هو أفضل) وفقًا لفهم وإدراك هؤلاء القادة. والحقيقة الثانية التي يجب أن نعيها أن بعض الناس يخططون للتغيير ويوجهونه ويساعدون على تحقيقه، وبعض الناس الآخرين ينتفع من هذا التغيير والبعض الآخر لا ينتفع. أضف إلى ذلك أن بعض نتائج التغيير تكون مقصودة وبعضها الآخر غير مقصود (Whiteside, 1978, P.20). وعلينا أن نتذكر في مجال التجديد أن الأفكار الجيدة قد لا تمثل دائمًا استثمارًا جيدًا إذا لم تطبق وتتطور بشكل جيد؛ أو إذا لم تتوفر المواد. والأدوات اللازمة الكافية لتطبيقها.
 
 
وإضافة لكل ما سبق علينا أن نعي النقاط الأساسية الآتية:
 
1- لا يمكن ضمان قيمة أو جدوى أي تغيير معين لأننا لا نستطيع أن نضمن أهدافه واحتمالات نجاح أو عدم نجاح التطبيق، وأهم من هذا وذاك أننا لا نستطيع ضمان أو ضبط النتائج. لذلك علينا أن لا نقبل أي فكرة تجديدية إلا بعد إخضاعها للدراسة والنقد الموضوعي البناء. وعلينا أن لا ننخدع بالادعاء القائل (إن التغيير يؤدي إلى التحسين والتطوير دائمًا).
 
2- ضرورة تقويم التغييرات والتجديدات التربوية في ضوء النتائج المترتبة عليها في حالات حسية ملموسة. وعلينا أن نتحفظ على كل التجديدات التي لا تقدم شيئًا في الواقع الملموس.
 
3- هناك مجموعة كبيرة وقيمة من التجديدات تخلق فينا الأمل والقناعة لتبني التجديد وتطبيقه.
 
4- سيصاب الناس والمعلمون والطلاب بالإحباط وسيقاومون التجديد إذا أدخلنا تغييرات عديدة على المدرسة ورغم ذلك بقيت عملية التدريس ونتائج الطلاب على حالها القديم ولم تتحسن.
 
 
 
 
آثار المدير في التغيير
 
يتوقع الناس من المدير أن يكون قائدًا للتغيير، إدخالاً وتطبيقًا وإدارة حتى لو لم يكن يعرف عن هذا التغيير ما يكفي. وهذا أمر يثير القلق والمشاكل في حد ذاته. وإذا أضفنا لذلك سيل المطالب المتصارعة أو المتناقصة، والمشكلات الأخرى التي يعيش المدير في خضمها، كل ذلك يجعل من دور المدير كقائد للتغيير في المدرسة دورًا مشكلاً أو صعبًا؛ خاصة إذا كان التغيير المطلوب غير معروف وغير محدد المعاني والمعالم، ومما يزيد الأمور غموضًا بروز شعارات تربوية في مجال التغيير ترسم صورة وأدوارًا كبيرة جدًا للمدير؛ ومن هذه الشعارات (المدير حارس بوابة التغيير)، (المدير مفتاح التغيير)، (المدرسة وحدة التغيير والمدير قائدها).
 
إن المطلوب من المدير -في مجال التغيير- تغيير دوره وممارسة أدوار جديدة. وإذا نجح المدير في ذلك فإنه يكون قد حقق تجديدًا أو تغييرًا مهمًا جدًا له وللمدرسة أكثر من أي تجديد آخر رغم أن تغيير الدور له تكاليفه ومخاطره إلى جانب منافعه المفترضة؛ مما يخلق ازدواجية حتى لدى المديرين الراغبين في المحاولة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه لم يتم إعداد المدير لإدارة مثل هذه الإشكاليات، وحتى لو تم إعداده لها فإنه لا يمتلك الوقت اللازم للتعامل معها. ورغم هذه التناقضات يبقى المدير ذا دور أساسي في التغيير يجعله في مقدمته. وخلال العقود الأخيرة من القرن العشرين أصبح هناك اهتمام في دور المدير ليس كمدخل ووكيل للتغيير فقط، بل اتسع هذا الدور ليشمل دوره في تغيير ثقافة المؤسسة أيضًا.
 
 
 
 
المدير المؤثر في التغيير
 
هذا النوع من المديرين يوفر للمعلمين ما يحتاجونه أو يطلبونه من مصادر تعمل أو تسهم في تنميتهم مهنيًا (دورات، تبادل الخبرات، الالتحاق ببرامج دراسية…. الخ). ويتابعهم ويعتني بهم بنفسه، ويعمل على إثارة دافعيتهم لتبني وتنفيذ البرامج التجديدية بإيجابية، كما يزور الغرف الصفية للتأكد من فاعلية التدريس ولتقديم الدعم للمعلم إذا رأى أنه بحاجة لذلك. وبالنسبة للطلاب يتابع هذا المدير تعلم الطلاب ودرجة تحسنه، ويحرص على إثارة دافعيتهم للتعلم وممارسة النشاطات المتنوعة. والمدير المؤثر يسهم ويشارك مباشرة في التجديد؛ ربما يكون لا يعرف الرياضيات أو العلوم أو التاريخ، لكن المعلم يراه خبيرًا في مجال التخطيط، ومجال تطوير المنهج وربما مجال التدريس. شيء واحد يحتاجه المدير في هذا المجال وهو اكتساب وتطوير خبرته التربوية في المجالات التربوية المتنوعة اللازمة له مثل التخطيط وإدارة الصفوف واستراتيجيات التدريس، وإدارة التغيير. كما أن المدير المؤثر يعمل مع المعلمين في مجالس أو مجموعات حسب المواد التي يدرسونها لمساعدتهم في تخطيط أعمالهم الحالية والأعمال التي يتطلبها منهم التجديد والتطوير، فهو يعقد لقاءات متعددة ودورية معهم، ويناقشهم في خططهم وآرائهم، وفي ضوء ذلك وبعد زمن ليس بطويل سيصبح هذا المدير خبيرًا في المهام والخطط والأعمال التي يناقشها مع المعلمين. وهذا شيء مهم وليس شيئًا هامشيًا؛ لذا على المدير أن يخصص جزءًا من وقته لعقد لقاءات مع المعلمين وفرق العمل وأن يحضر معظم لقاءاتهم وليس بالضرورة كلها؛ بشرط أن يبقى على معرفة وإطلاع بما يعملون. وفي عمله معهم عليه أن يساعد المعلمين في تطوير أدوات ووسائل قياس وتقويم لتقويم عملهم ومدى تقدمهم واستخلاص التغذية الراجعة المناسبة وتوظيفها في تحسين العمل.
 
 
 
 
ممارسات المدير المؤثر
 
نخلص من السياقات السابقة أن المدير المؤثر يقوم بالممارسات الآتية:
 
1- بناء وتطوير ترتيبات واستراتيجيات مؤسسية داعمة تشيع أجواء الثقة والأمن في المدرسة.
 
2- القيام بالإرشاد والتوجيه والتعزيز والمتابعة في المدرسة.
 
3- يدير التغييرات والتجديدات ودوره أساسي وجوهري فيها، ويشير المعلمون إليه بأنه زنبرك المدرسة ويضع إصبعه على نبضها.
 
4- يتفقد العمل اليومي ويتابع العمل متجولاً في الممرات ويدخل إلى الغرف الصفية متابعًا ومتفقدًا.
 
5- يدعم المعلمين في المواقف الصفية، ويقوم بالتدريس في الصفوف.
 
6- يعرف ما يتعلق بكل تغيير أو تجديد في الصف.
 
7- يشارك (بشكل نشط ومباشر)  المعلمين في التخطيط ووضع السياسات.
 
8- يتعرف على ما لدى المعلمين من أفكار خلاقه.
 
9- يهتم بالجانب الأكاديمي ويصرف وقتًا أطول في مناقشة هذا الجانب ودعمه.
 
10- يحرص على رفع مستوى تحصيل الطلاب.
 
11- يخصص وقتًا مناسبًا للحديث مع المعلمين والتعاون معهم في التخطيط لعملهم، ورفع مستواهم الأكاديمي وتقرير البرامج اللازمة لذلك.
 
12- يساعد المعلمين على التواصل والتعاون فيما بينهم بما يرفع مستواهم الأكاديمي وأداءهم التربوي ويحسنهما.
 
13- يخطط ويبني نماذج لكيفية استغلال الوقت بالشكل المناسب للمدرسة والعمل.
 
14- يحرص على حل المشكلات، ويتعاون مع المعلمين والزملاء الآخرين في حلها. (Teddlie, kirby, & Stringfield, 1989, Mortimer etal, 1988, PP.250-251. Louis & Miles, 1 990)
 
15- يعمل وبشكل نشط من أجل جعل المدرسة مجتمعًا يحرص جميع العاملين على الانتماء إليها.
 
16- تنمية روح الجماعة والمشاركة بين العاملين في المدرسة معلمين وطلاب ومشرفين.. الخ.
 
17- التأثير المباشر في التدريس من خلال الملاحظة المباشرة والعمل المباشر مع المعلمين في التخطيط والتدريس في الصفوف.
 
18- توفير المصادر اللازمة للعمل التربوي ولإدخال التغييرات والتجديدات المطلوبة.
 
19- خلق مناخات عمل ثابتة ومستقرة وآمنة.
 
20- خلق ثقافات عمل مهنية في المدرسة تساعد المعلمين على تبادل الخبرات والنمو الأكاديمي والتربوي.
 
21- الانفتاح على مؤسسات المجتمع المحلي والعمل معها من أجل دعم التطوير والتجديد التربوي في المدرسة (Hall& Hard, 1987, P. 27).
 
وقد بين الأدب التربوي أن تيسير التغيير يرتبط بالدرجة الأولى بالمدير المبادر (المنشط)/ المؤثر، يليه في الدرجة الثانية المدير الإداري، أما المدير الأقل تأثيرًا أو نجاحًا فكان المدير المستجيب/ غير المؤثر (Hall & Hard, 1987 PP. 252 -253).
 
 
 
 
تغيير ثقافة المدرسة…. لماذا ثقافة التغيير؟
 
لا يتمثل التجديد أو التطوير التربوي بمجرد إدخال تحسينات أو تجديدات تربوية بسيطة، فهذه الفعاليات المحدودة ستكون ذات آثار محدودة ولن يكتب لها الاستمرار إن لم تزرع وتنبت في بيئات ومناخات مناسبة لتبني التجديد والتطوير المستمرين ودعمهما. وقد بين ليذوود وجانتزي (Leithwaad & Jantzi , 1990) أن المديرين الناجحين في تحويل ثقافة المدرسة لقبول التجديدات والتغييرات التربوية الهادفة إلى تحسين المدرسة قد استخدموا ست (6) استراتيجيات عريضة لتحقيق أهدافهم.
 
 
 وهذه الاستراتيجيات هي:
 
1- تقوية وتعزيز ثقافة التغيير (التحسين والتجديد) في المدرسة.
 
2- استخدام آليات إدارية متنوعة لإثارة وتعزيز العالمين وحفزهم على تغيير ثقافة العمل في المدرسة.
 
3- العمل على دعم وتطوير وتأهيل موظفي المدرسة.
 
4- الانخراط والمشاركة في عمليات تواصل عديدة ومباشرة لبناء معايير ثقافية وقيم ومعتقدات تربوية تدعم التغيير والتجديد في المدرسة. 
 
5- تقاسم السلطة والمسؤولية مع الآخرين.
 
6- استخدام المشاهير ممن يشكلون القدوة والمثال للتعبير عن القيم الثقافية التي يريد غرسها وتجذيرها في المدرسة (P.22).
 
 
نفهم من ذلك أن المدير الناجح في إدخال وتطبيق التحسينات والتجديدات التربوية متعاون، ومتحمس، ويعمل على بناء نظرة (ثقافة) جديدة للمدرسة هي ثقافة التغيير.
 
 
 
 
ملامح المدرسة التي تسودها ثقافة التغيير
 
في ضوء معطيات الأدب التربوي يمكن رسم الصورة الآتية للمدرسة التي تسودها ثقافة التغيير:
 
* مكان عمل لتحقيق الأهداف المشتركة التي يسعون إلى تحقيقها جميعًا.
 
* بيئة يتشارك فيها المعلمون ويتعاونون ويتبادلون الخبرة والدعم.
 
* تحقق النمو المهني المناسب للمعلمين من خلال توفير فرص وخبرات تعلمية مناسبة ومتكافئة لهم.
 
* مكان عمل يكسب المعلمين القوة والثقة والاطمئنان الوظيفي.
 
* تزرع في المعلمين قيم الانتماء والالتزام والنماء وتؤكد عيها وتثمنها في موظفيها.
 
* تؤكد على تعليم الطلاب وتعلمهم.
 
* تؤكد وتبني اتجاهات إيجابية نحو التطوير والتجديد.
 
* تشجع المعلمين والطلاب والمجتمع المحلي على تقديم مبادرات تربوية جديدة.
 
* تشجع المعلمين على تطبيق الأفكار الجديدة وتجريبها.
 
* لها معايير نوعية للعمل والإنجاز.
 
* لها نظام حوافز وعلاوات ومساءلة عادلة ويشجع المبادرات والإبداع.
 
 
إن الدور الحقيقي لمدير المدرسة الناجح لا يكمن في تبني التغيير وإدخاله إليها وإدارته فقط، بل يتعداه إلى تغيير ثقافة المدرسة إلى ثقافة تقبل التغيير وتدعمه وتعمل على تنفيذه بنجاح.. وإذا نجح المدير في تغيير ثقافة المدرسة إلى الصورة التي رسمناها فمن المتوقع أن نرى المعلمين يعلمون متعاونين مع بعضهم في عمليات تخطيط وتنظيم وتنفيذ عمليات التعليم والتعلم… وفي ضوء ذلك يصدق من يقول: (إن المدير مفتاح الفعل التربوي في المدرسة وقائده).
 
 
 
 
     ماذا نعمل؟
 
واستنادًا لذلك كله، يمكننا إبراز النقاط الآتية حول المدير والتغيير:
 
1- مدير المدرسة بحاجة لمن يوضح له معنى التغيير، وآلياته وكيفية إدارته، وكيفية التعامل مع المستهدفين به.
 
2- المدير -بشكل خاص- يقع في بؤرة التغيير وهو الشخص الرئيس الذي يحمل هم التغيير ومتاعبه.
 
3- يفترض -خاصة في أجواء التغيير- خلق فرص للتعاون المهني وتبادل الخبرات بين المديرين من أجل تحسين قدراتهم على التفاعل مع التغيير وإدارته.
 
4- اضطلاع المدير بأدوار إشرافية وأخرى إدارية قد يعقد أجواء التغيير، وينعكس سلبا على التغيير نفسه ويعيقه.
 
 
وفي أجواء التغيير يواجه المدير عددًا من التحديات أو الصعوبات عليه أن يعرف كيف يتغلب عليها (وقد لا تكون هذه المهمة مهمته وحده) مما يعني أن مدير المدرسة بحاجة لدعم من مخططي التغيير للتغلب على هذه التحديات، ومن أبرز هذه التحديات:
 
 
 
    عدم الانفتاح على المعلمين
 
في أجواء التغيير يحمل المدير أعباء وهمومًا كثيرة، ورغم ذلك يحجم معظم المديرين عن الانفتاح على المعلمين لمشاركته همومه الناجمة عن العمل والتغيير لوجود الطباع بين المعلمين (يعرفه المدير عندما كان معلما) يفيد بضرورة الإبقاء على مسافة فاصلة في العلاقة بين المعلم والمدير، للمحافظة على الاحترام المهني المتبادل بينهما.
 
 
 
    كيفية إرشاد المعلمين وتوجيههم:
 
إن كيفية التعامل مع المعلمين وتوجيههم، وتصحيح مسارهم في العمل قضية كبرى يواجهها معظم المديرين. ومن الأمور التي يفترض أن يعرفها المدير أن إخبار المعلم بما هو خطأ، أو الإصرار على التغيير، ومحاولة فرض وجهة نظر معينة؛ كلها وسائل لن تعطي نتائج إيجابية ولن تؤثر في المعلم ولن تساعد في تغيير قناعاته واتجاهاته أو تطوير ممارساته. وعلى المدير أن يدرك أن القوة والقسوة لن تعطيا التغيير أي مصداقية أو أي شرعية؛ وهذه خبرة يعرفها المدير عندما كان معلما. فقد فشلت محاولاته للتغيير سلوك الطلاب بهذه الأساليب والوسائل. ولعل في هذا درسًا مناسبًا له..
 
 
 
    التأثير في المعلم:
 
لعل المشكلة الأكبر ولربما الأخطر التي يعاني منها مدير المدرسة تكمن في اقتناعه -وهو اقتناع خاطئ- بعدم قدرته على التأثير إلا بشكل بسيط في فعاليات غرف الصف خاصة في بعض الحصص مثل حصص الانجليزي والرياضيات والعلوم. ويرى بعض المديرين أن من الصعب التأثير إيجابيًا وباتجاه التغيير في المعلم ذي الخبرة أو ذي الأقدمية الكبيرة، أو المعلم المشاكس، خاصة إذا كان مدعومًا من جهات أخرى.. وفي مثل هذه الحالات يتجنب المدير المعلمين ويقلل من اتصالاته معهم إلى الحد الأدنى، وهنا ألا يحق لنا أن نتساءل هل سيكون هناك تغيير مهم بدون تواصل وتفاعل قوي بين المدير والمعلمين؟
 
 
 
    نقص في الكفايات أو المعلومات:
 
المدير مركز عملية تغيير للأفراد والمدرسة وبهذا يحتاج للمعرفة والفهم والمهارات اللازمة لعملية التغيير لكي يميز الغث من السمين في عملية التغيير ومن ثم اختيار الأشياء الجيدة وتطبيقها. ويخشى أن كفاياته لا تسمح له بذلك. كما أن المدير لا يستطيع أن يعرف وبشكل مطلق ما هي التغييرات الجيدة، وليس لديه معلومات كافية حول كيفية تطبيق هذه التغييرات بشكل يحقق أكبر مقدار من الإيجابيات ويتغلب على السلبيات أو يقللها إلى الحد الأدنى، كما أنه لا يعرف حقيقة الأدوار المنوطة به ولا كيف يقوم بها.
 
 
 
 
 
العناصر اللازمة لنجاح التغيير في ثقافة المدرسة
 
يمكن تقديم النصائح الآتية للمدير للإسهام -بالأفعال لا بالأقوال- في التغيير والتجديد والتغلب على مناعة ثقافة المدرسة وقناعاتها:
 
1- تجنب أشكال التفكير القائم على الأماني والخيال. بمعنى آخر تجنب قول (لو أن، لو عملت) فإن لو تفتح عمل الشيطان وتقود للأوهام وتولد في النفس الوهن والخذلان.
 
2- تجنب تحويل اللوم وتجييره إلى مصادر خارجية. فكر في المشكلة منطلقًا من نفسك ومن معلميك وممارساتكم وإجراءاتكم.
 
3- ابدأ بسيطًا (صغيرًا) وفكر كبيرًا.
 
4- ركز في التغيير على الشيء المحسوس الملحوظ والمهم مثل المنهج والتدريس، وتحصيل الطلاب، وتطوير أداء المعلمين.
 
5- ركز على الأشياء الأساسية في ثقافة المدرسة مثل: ثقافة النمو المهني، والتعاون والتشارك، والدعم المتبادل، والعلاقات الاجتماعية، وأشكال التواصل الجيد، والانفتاح، والتفاعل مع المجتمع، وقبول الأفكار الأخرى، وقبول التجديد… الخ.
 
6- تحمل المخاطرة، ومارس بدون خوف أو تردد. إن الآمال المعقودة على التغيير والتجديد تستحق منك المخاطرة والتجريب. لكن أعرف متى تكون حذرًا.
 
7- ادعم الآخرين وشجعهم وفوضهم ما يحتاجونه من الصلاحيات. بهذا تعطيهم الثقة وتعطيهم القوة، ولا يخفى ما لذلك من آثار إيجابية على مصلحة العمل.
 
8- وضع الرؤية العامة للتغيير في ضوء كل من الأهداف وعمليات التغيير.
 
9- وضح للمعلمين أهمية وفاعلية الأفكار والتغيير الجديد؛ فهذا شيء مهم لإخراج التحسينات والتغييرات المقترحة إلى حيز الوجود في المدرسة.
 
10- حدد الأشياء التي لن تفعلها، والأشياء التي يجب أن تفعلها.
 
11- أعمل تحالفات مع الأفراد أو الجهات التي تؤثر أو يمكن أن تؤثر في مسار العمل.
 
12- تابع وتعرف الأمور على حقيقتها، أعرف أين مركز التغيير، أين توجد بؤرة العمل أو التركيز، أين يوجد التماسك والترابط والانسجام والتوافق، وتأكد أن ذلك كله حقيقي وليس مجرد مظاهر خادعة كاذبة. ولعل هذا ما يجعل دورك -عزيزي المدير- محوريًا وأساسيًا في التجديد.
 
 
 
 
دروس في مجال التغيير
 
في ضوء السياقات السابقة التي قدمناها حول التغيير، نستشف دروسًا وعبرًا يمكن إجمالها بما يأتي: 
 
1- التغيير متعدد الأبعاد، ويمكن أن يتغير (التغيير) وفقًا للشخص الواحد أو وفقًا للمجموعة أو المجموعات المستهدفة به، أو تلك التي تقوم على تنفيذه.
 
2- يتكون التغيير من العلاقة التفاعلية التبادلية بين أبعاده المتعددة، ولن يكون أثره عميقًا وملموسًا ما لم يشمل هذه الأبعاد الثلاثة بشكل متناسق.
 
3- لكي تحدث تغيرات عميقة وجوهرية يجب أن نتعرف الفئات المستهدفة وحاجاتها واتجاهاتها، ومن ثم علينا تطوير إحساس هذه الفئات بالتغيير وبمفهومه. وإضافة لذلك يحتاج التغيير العميق لاستخدام المواد التربوية والإمكانيات المتاحة بشكل سليم متكامل ومتوافق يخدم ويعمق التجديدات التربوية في مجال استراتيجيات التدريس والنظريات التربوية والسلوكيات التدريسية للمعلمين والسلوكيات التعلمية للطلاب.
 
4- قد نحتاج لوقت طويل للتغلب على القناعات والخبرات التاريخية للمعلمين في تفاعلهم مع المديرين.
 
5- دور المدير في التغيير دور محوري أساسي.
 
6- العلاقات المهنية الجيدة بين المدير ومعلميه، والتواصل الإيجابي، ومناخات الدعم المتبادل والتعاون والثقة المتبادلة؛ كلها أشياء أساسية لنجاح التغيير والعمل التربوي في المدرسة بشكل عام.
 
7- نقطة البداية الصحيحة للتغيير تكون بإحداث التغيير في أنفسنا وليس في تغيير النظام، ولا في تغيير الناس الذين حولنا.
 
8- تهيئة الناس وتأهيل المستهدفين وتوفير المصادر اللازمة من الأوليات الهامة لإدخال التغيير وإنجاح تطبيقه.
 
9- التغيير والتجديد في المدرسة عملية مؤسسية تشمل المدرسة ونظمها وقيمها وقناعاتها، وبرامجها ومناهجها وطرق وأساليب التدريس والتقويم، وجميع عناصر الفعل التربوي فيها.
 
10- إن الآمال المعقودة على التغيير والتجديد تستحق المخاطرة والتجريب.
 
والرسالة التي نريد أن نوصلها لك -أخي المدير- أن عليك التفكير وشكل نقدي عما إذا كانت مفاهيمك أو تصوراتك الخاصة لدورك تفرض عليك محددات غير ضرورية تحد من مقدرتك على القيام بهذا الدور. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا النوع من التفكير يصعب القيام به بدون مساعدة لذا فإن التعاون مع المعلمين والتغذية الراجعة منهم ومن المديرين الآخرين تعد أشياء ضرورية لمسيرة التغيير. وفي تقويمه للتغيير والحاجة إليه يمكن أن يقوم المدير بالحديث مع المعلمين لتعرف وجهات نظرهم. وإذا تعرف العديد من المعلمين هذه الحاجة، أو إذا لاحظ المدير أن هناك مشكلة خطيرة أو كبيرة؛ فإن عليه أن يشرع بوضع خطة إجرائية للتغيير، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة واهتمامات المعلمين وما يقدمه الأدب التربوي من فرضيات ونظريات تتعلق بالتغيير وإدارته.
 
وباختصار نقول: أن المديرين المؤثرين يخصصون وقتًا مناسبًا للقاء المعلمين والتحدث معهم، يخططون، يساعدون المعلمين على عقد اجتماعات فيما بينهم والتعاون والعمل ضمن مجموعات وأن يكونوا على معرفة ودراية بما يحدث. ويخطط هؤلاء المديرون لكيفية اختصار وتقليل مقدار الوقت المصروف في الأعمال الإدارة الروتينية، ويخصصون للتغيير الفرصة المناسبة.
 
قد نحتاج لوقت طويل للتغلب على القناعات والخبرات التاريخية للمعلمين في تفاعلهم مع المديرين، ولكن هناك دليل أن المعلمين -في مجال التغيير- يحبون أو يميلون للعمل مع زملائهم وتلقي الدعم المباشر من المديرين. ونفهم من ذلك أن المدير المؤثر هو المفتاح لخلق الظروف المناسبة للتطوير والنمو المهني المستمرين للمعلمين.
 
إذا كانت العلاقة بين المعلم والمدير عدائية ويسودها التوتر والتشكك، فإن هذه السمات ستنشر بين سائر أفراد المدرسة وتصبح مناخًا سائدًا فيها. وفي ذلك ما فيه من آثار سلبية على العمل والتغيير والتجديدي ومن ثم أداء المعلمين وتعلم الطلاب وتحصيلهم. أما إذا كانت العلاقة بين المدير والمعلم إيجابية وتعاونية، تستند إلى الثقة والاحترام، والتقدير المهني؛ فإنها تكون مفيدة وداعمة وتكشف عن الأفراد أصحاب المعرفة والكفاية والتأثير؛ وكل هذا يصب في مصلحة المدرسة ويدفع التغيير والتجديد فيها إلى الأمام.  
 
 
 
 
 
المراجع حسب تسلسل ورودها في النص
 
اتجاهات ومفاهيم وتطبيقات حديثة في التربية - سلسلة التثقيف التربوي (1) ، إعداد : د. منصور عبد العزيز بن سلمه ، أ. محمد بن عبد الله الزغيبي  د. راشد بن حسين العبد الكريم   د. وجيه قاسم القاسم ، من إصدار وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية ، الطبعة الأولى ، 1429هـ - 2008م
 
(Fullan: 1992)
 
(Fullant Steiglbauer: 1990)
 
Carnevale, A. P., Gainer, L. J., & Meltzer, A. S. (1990).
 
Workplace basics: the essential skills employers want. 
 
San Francisco: Jossey- Bass).
 
Savage, E. & Sterry, L. (1990 a). A conceptual framework for technology education, Part 1. The Technology Teacher, 50 (1), 6-11.
 
(Carnevale, Gainer& Meltzer 1990).
 
(Charters & Jones: 1973).
 
(Sarson: 1982)
 
(Sarson: 1982
 
.(Whiteside, 1978, P.20
 
(Teddlie, kirby, & Stringfield, 1989. Mortimer, & etal, 1988, PP.250-51. Louis & Miles, 1 990)
 
(Hall& Hord, 1987, P. 27)
 
(Leithwood & Jantzi, 1990)
 
 
توثيق مصدر المقال
تلتزم   مهارات النجاح للتنمية البشرية بحماية حقوق المؤلفين وكتاب مقالات تعلم وإبرازهم . ولتوثيق ذلك نود هنا أن نبرز معلومات توثيقية عن كاتب المقال: د. محمد بن علي شيبان العامري .
الکلمات الرئیسیة: 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.