الشاعرة بروين اعتصامي.. ترانيم على شفاه البؤساء والفقراء

بروين اعتصامي، شاعرة ايرانية معاصرة معروفة ومن كبار الشعراء الايرانيين، وتكون شاعرية بروين تساوي شاعرية أشعر الشعراء الرجال الايرانيين وأكبرهم قدراً ومنزلة، مما جعل هذه الشاعرة، وحسب ما يشهد عليه جهابذة اللغة الفارسية وعلماء الأدب الفارسي المعاصرين، تحتل الشاعرة اعتصامي مكانة مرموقة في الشعر، لم يصل اليها حتى الشعراء الرجال الفحول.

ولدت رخشنده اعتصامي والمعروفة ببروين اعتصامي عام ۱۹۰٦م. في مدينة تبريز. وفتحت عينها على الحياة وترعرعت وهي تحت إشراف أبيها العالم والأديب الفصيح الذي أعرب عن اعتقاده بضرورة تربية البنات، وذلك باصدار كتاب بعنوان «تربية النساء». انتقلت بروين برفقة أبيها الى طهران وهي بنت صغيرة. تلقت الأدبين الفارسي والعربي عند والدها واغترفت كثيراً من مناهل العلم والأدب والفضل لدى أساطين وجهابذة العلم والأدب، والذين كانوا يجتمعون في منزل والدها. ولطالما كانت بروين تبهرهم بما يصدر عن عبقريتها الغزيرة ونبوغها العالي. أنشدت بروين الشعر وهي في الثامنة من عمرها، وبادرت بتنمية قدراتها الشعرية الكامنة والكشف عن ذوقها الشعري عبر نظمها لقطعات أدبية رائعة مقتبسة ممّا ترجمه والدها من الكتب والأعمال الأجنبية والتركية والعربية.

دخلت بروين المدرسة الاميركية للبنات في ايران، والتي كانت تديرها آنذاك السيدة ميس شولر، لتكون على علم ومعرفة بالآداب الأجنبية. وتفرغت لدراسة اللغة والأدب الانجليزي وتخرجت بنجاح من هناك في عام ۱۹۲٤.

كان لبروين حضور واسع في كلّ رحلاتها مع والدها داخل ايران وخارجها، ما وفر لها آفاقاً جديدة للحصول على تجارب قيمة ومعلومات نافعة لمستقبلها.

يكمن سر النجاح الباهر القيم لهذه المرأة المثقفة والأديبة، في الاهتمام والعناية الخاصة التي أولاها إياها أبوها الذي ذاع صيته آنذاك، هذا فضلاً عن تمتعها بعبقرية وموهبة الهية غزيرة. فلم يدّخر الأب جهداً في تربية بنته الكفوءة، خاصة في تلك الفترة التي كانت المرأة الايرانية تعاني من حرمانها من حق التعليم والدراسة وعدم وجود مدارس للبنات. كان أبوها الميرزا يوسف اعتصامي بن الميرزا ابراهيم خان المستوفي والملقب باعتصام الملك من أهالي مدينة آشتيان، وكان قد توجه في عنفوان شبابه الى مدينة تبريز وعاش هناك حتى أواخر عمره.

اعتصام الملك هو من الروّاد الرئيسيين للنهضة الأدبية في ايران. وفي الحقيقة كان من روّاد حركة التغيير في النثر الفارسي. إذ لعب دوراً مفصلياً في تنمية قدرات الشباب الكامنة وذلك من خلال محاولته ترجمة روائع الأعمال الأدبية لكبار كتاب وأدباء العالم الى الفارسية. فقام اعتصام الملك بترجمة ما يزيد عن ۱۷ عنوان كتاب إضافة الى أنه تمكن من تقديم إصدارات وأعمال علمية وأدبية وأخلاقية وتاريخية واقتصادية وفنية منوعة وقيمة في أسلوب رصين ونافع.

رفضت هذه الشاعرة الملتزمة الحرة، العرض الذي قدّم لها للولوج في البلاط الملكي رفضاً باتاً؛ ما يدل على عزتها وكرامتها النبيلة. كما لم تقبل الميدالية المهداة إليها من قبل وزارة المعارف الايرانية.

سمات شعر بروين

تأثرت الشاعرة بروين اعتصامي في نظم قصائدها، بالشاعر الايراني القديم العملاق ناصر خسرو قبادياني، وتنطوي أشعارها على مضامين ومعاني اخلاقية وعرفانية سامية.

نظمت بروين أشعارها المفعمة بالحكمة والخصال الحميدة، بلغة شعرية فصيحة بليغة تؤثر على كل مخاطب وقارئ بعيداً عن شريحته الاجتماعية. وقد نجحت بروين في إخراج الشعر من حلته الأرستقراطية ليكون ترانيم على شفاه البؤساء والفقراء، وذلك بسبب تربيتها وترعوعها في بيت الشعر والأدب والحكمة.

كما تأثرت بروين في إنشاد قصائدها، بالشاعرين الكبيرين الشيرازيين حافظ وسعدي. وكانت اشعارها مزيجاً من النمطين الأدبيين الأكثر انتشاراً وتأثيراً، أي الخراساني والعراقي. ولاشك بأن اشعار بروين اعتصامي لم تكن بمثابة تقليد للقصيدة التراثية؛ بل كانت محاولة لبعث الشعر الفارسي الكلاسيكي من خلال اطلاق نهضة أدبية حديثة، للتعبير عن مستجدات العصر وامتزاجها بينابيع ومناهل التراث الاسلامي الاصيل. كانت بروين معجبة بالشاعر المعاصر ملك الشعراء بهار، وجاء الإصدار الاول لديوانها الشعري، بمقدمة رائعة كتبها ملك الشعراء وضمّنها بحصيلة دراسته وتقييمه لمكانة بروين الشعرية والأدبية وميزات كلامها الشعري. ويشتمل هذا الديوان على ۱٥۰ قصيدة ومثنوياً، وأهدت بروين ديوانها هذا الى والدها الفاضل العالم، ايماناً منها بالتأثير العميق لما بذله الوالد من جهود حثيثة في تنمية مواهبها الشعرية والكشف عن نبوغها الأدبي.

إن العبقرية الغزيرة والموهبة الالهية التي كانت تحظى بها بروين، تجلت في نظمها قصائد وأشعاراً رائعة، جعلت البعض يظنون بأن هذه الأشعار ليست نتاج فكر الشاعرة.

تعتبر الشاعرة بروين اعتصامي من شعراء وشاعرات العصر الحديث في ايران، حيث أضافت في شعرها معاني جديدة للأدب الفارسي الحديث وصاغت المضامين الشعرية بأسلوب سلس ولغة سهلة جذابة تعتمد على الموروثات الأخلاقية والثقافة الأسلامية؛ كل ذلك جعل الشاعرة تقف في قمة الأدب النسوي الأيراني المعاصر، وتظهر نجمة ساطعة في سماء الأدب الفارسي. ويقول الاستاذ ملك الشعراء في وصفه لشعر بروين: إن بروين في إنشاء قصائدها وبعد ذكر مضامين عرفانية وحكمية عالية، تقود الروح البشرية إلى الحياة والآمال واغتنام الفرص والفضيلة، والوصول إلى الكمال والغاية السامية.

توفيت بروين في إحدى ليالي الربيع عام ۱۹٤۱ بطهران إثر مرض الحصبة، الذي ألمّ بها كثيراً، وتمّ نقل جثمانها الى مدينة قم المقدسة، حيث مقبرة والدها العالم والفاضل، وووريت الثرى في مقبرة عائلية. وقد فقد الوسط الأدبي جّراء رحيل الشاعرة كماً هائلاً من عطاءات بروين ونتاجاتها الادبية والفكرية، التي كان بإمكانها أن تهديها الى رياض اللغة والأدب الفارسي.

جدير بالاشارة هنا الى أن بروين أنشدت قصيدة شعرية مؤلمة للحد مقبرتها ونقشت عليها ما يبعث على الحزن في قلب كل من يزور قبرها.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.