الإمام علي بن ابي طالب (ع) .. الولادة وبزوغ الفجر

 واننا اذ نستذكر الذكرى المباركة لولادة امير المؤمنين وبطل الاسلام الامام علي بن ابي طالب(ع) فأننا نستذكرها بكل ماتحمله هذه الذكرى العطرة والسيرة البهية من معاني ودلالات لهذه الشخصية الفذة التي كانت رمزا كبيرا للاسلام الحنيف وسيفا بتارا بوجه الكفرة المتجبرين، فكان بحق فتى الاسلام الاول بدون منازع، وقدم تضحيات وبطولات كبيرة للاسلام وخدمة نبيه الكريم محمد(ص) لم يستطع احد غيره ان يقدم عشر معشارها.

 ومهما اردنا ان نقول ونستذكر فضائل الامام علي(ع) فان الكلمات تبقى عاجزة عن ايفاء هذه الشخصية ولو جزء قليل جدا من حقها الكبير الذي يمثل شمسا ساطعة تنير درب المؤمنين نحو الهداية والايمان مهما حاول المغرضون واصحاب النوايا السيئة اخفاء هذا النور الساطع والمكانة الكبيرة لها لان شخصية الامام علي(ع) تعتبر حدا فاصلا بين الحق والباطل لان علي مع الحق والحق مع علي لايفترقان على مر الزمان.

 وبذلك فأن علي بن ابي طالب هو معيار متكامل لدرجة ايمان الاخرين وصدقهم. فمن اراد رضاء الله فعليه ان يستلهم من سيرة امير المؤمنين وسيد البلغاء والمتكلمين ووصي رسول رب العالمين المعاني والعبر التي تجعله يسمو بنفسه ويرتقي في حياة الهداية والصلاح ورضاء الله عز وجل والفوز بجنانه يوم الحساب.

 لقد وقف الامام علي(ع) مع الرسول الاعظم(ص) في جميع مراحل الدعوة الاسلامية منذ بدايتها وحتى استشهاده فكان خير ناصر ومعين وكان خير مصدق وخير فدائي وخير مجاهد شهدت له ساحات الوغى والحروب بطلا صنديدا وشجاعا لايهاب الموت ويستقبله بصدره في وقت قل فيه المضحون بانفسهم في سبيل الدعوة الاسلامية واعلاء شأن كلمة الحق.

 لم يهن ولم يضعف في يوم من الايام مهما تكالبت قوى الكفر والضلالة والنفاق على هذه الرسالة الفتية بأمكانياتها والكبيرة في معانيها ودلالاتها والتي استطاعت ان تغير وجه التاريخ وان تنقذ البشرية من الضلالة الى الهداية والايمان.

 لقد مثلت حياة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام اسمى معاني التضحية والفداء والشجاعة والبطولة والصبر والايثار والحق، التي تجسدت في شخصيته الفذة التي قل نظيرها،أن لم نقل انعدم مثيلها في التاريخ عدا شخص الرسول الكريم محمد(ص).

 لقد أختزل الاسلام برمته في شخصية علي بن ابي طالب(ع)، فمن اراد ان يعرف الاسلام الحقيقي كما هو دون زيف وتحريف فلينظر الى شخصية وسيرة امير المؤمنين(ع). ويكفي عليا فخرا بأنه وليد الكعبة الوحيد على مر التاريخ، وان يأتي النداء من الله العلي القدير على لسان جبريل  «لافتى الا علي لاسيف الا ذو الفقار». فعلي هو سيف الاسلام والمدافع عنه والفدائي الاول فيه، لم يتردد يوما عن قول الحق والدفاع عنه مهما كان ولمن كان.

 لقد كان الامام علي(ع) موسوعة علمية وادبية ودينية متنقلة فقد جمع من علوم الاولين والاخرين مما علمه له الرسول الاكرم (ص) ولم تصادفه مشكلة او مسألة الا وكان هو اهلا لحلها بصورة صحيحة لاتخالف شرع الله. وبذلك نهل منه المسلمون من الصحابة الكرام والتابعين وغيرهم واصبحت علومه مناهج دراسية متكاملة يدرس بعضها لحد الان في مدارس وجامعات العالم في مشارق الارض ومغاربها.

 وبين مدة واخرى يظهر اكتشاف علمي جديد في الدول المتقدمة نرى ان الامام علي قد تطرق او اشار له قبل اكثر من الف واربعمائة سنة. وهذا يشير بصورة قاطعة الى ان علم الرسول الاكرم من عند الله سبحانه وتعالى لانه خارق فوق طاقات البشر الاعتيادية ومستوى تفكيرهم وقدراتهم العقلية والمعرفية.

 لقد كان علي ومازال وسيبقى نورا ساطعا يضيء الدرب لكل المسلمين في مشارق الارض ومغاربها على الرغم مما قام به الاعداء الكثيرون له من محاولات كثيرة لطمس شخصيته وعدم اظهارها بوجهها الحقيقي على مدى التاريخ. ولكن مهما حاول هؤلاء الاعداء طمس الحقائق يزداد الناس تمسكا بعلي وبالمنهج الذي خطه للمسلمين.

 اننا عندما نستذكر مولد الامام علي(ع) علينا ان نضع نصب اعيننا المبادىء والقيم التي عاش ودافع من اجلها امير المؤمنين، ولتكن مناسبة متجددة للوقوف على واقع الدين الاسلامي حاليا ومما يحاول اعداء هذا الدين من تشويه صورته الحقيقية التي اوجدها الرسول الكريم محمد(ص) ونشرها ابن عمه علي بن ابي طالب(ع) بسيفه وأبقاها ابن امير المؤمنين الحسين الشهيد عليه السلام، للعمل لازالة مالحق به من تشويه وزيف.

 اننا ما أحوجنا في هذا الزمان لشخص مثل علي بن ابي طالب ليقيم اعوجاج الحق وينتصر للمظلومين ويهز عروش الجبابرة والطغاة.

 ليكن عملنا خالصا لوجه الله تعالى ورسوله ودينه الحنيف. لنعمل من اجل بناء شخصيتنا الاسلامية الحقيقية التي تدعو الى الايمان والخير والتوحيد. لنعمل على لم شملنا وجمع صفوفنا لمواجهة اعدائنا الحقيقيين.

 علينا ان نجعل من الذكرى السنوية لولادة الامام علي بن ابي طالب(ع) مناسبة اسلامية وعيدا كبيرا يحتفل فيه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها وان تكون مناسبة تتجدد فيها الوحدة الاسلامية وتتعزز وتتعمق وتقوى اواصرها المتينة ومناسبة لرأب الصدع الذي قد يصيب هذه الوحدة لاسمح الله. لان الامة الاسلامية عليها ان تخلد عظماؤها لان تخليد العظماء هو تخليد لمسيرة هذه الامة واعتزازها بنفسها وانجازاتها على مر التاريخ.

 ولاتوجد شخصية في الاسلام على مر العصور اعظم واسمى من شخصية الامام علي بن ابي طالب(ع) عدا شخصية الرسول الاعظم محمد(ص) لانه هو معلم البشرية الاول وهاديها ومنبع علم وايمان الامام علي(ع) وهاديه وجاعله اول القوم اسلاما واكثرهم ايمانا.

 اننا فخورون لأنتمائنا الى الخط القويم الذي اتبعه امير المؤمنين(ع) الذي هو طريق الاسلام الحقيقي من غير تزييف وتشويه لان الامام علي هو النبع الصافي الذي ينبغي ان ينهل منه الاخرون معاني الفضيلة والقيم والايمان والصلاح والحق والايثار والصبر والشجاعة ونصرة المظلوم والوقوف بوجه الظالم، وليتجسد هذا الانتماء بالعمل لرفع شأن الدين الاسلامي، وتوضيح الحقائق كما هي للاخرين، وابعاد الحيف والظلم الذي لحق به.

 اننا عندما نحتفل بذكرى ولادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) فهذا يعني ان ماخطه عليا لنا يتجدد يوما بعد اخر وينتشر. ونحن بانتظار الامل المنشود الامام المهدي المنتظر(عج)، الذي سوف ينقذنا مما نحن فيه، ويملأ الارض عدلا ونورا، فهو امل المستضعفين وقاهر عروش الجبابرة والمتكبرين.

 لنتمسك بعلي بن ابي طالب، ولنسير على الخط الذي رسمه للاسلام، ولندافع عنه بكل جرأة وشجاعة، ليقود حياتنا الى الخير والصلاح والهداية ورضا الله سبحانه وتعالى. وعلينا ان نستغل هذه المناسبة الكبرى والفرحة التي تنتاب قلوب المسلمين في كافة بقاع الدنيا لنشر الحقائق عن هذه الشخصية العظيمة وعن الدين الاسلامي للاخرين من خلال استغلال جميع وسائل الاتصال والاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وخاصة القنوات الفضائية وشبكة الانترنت لتكن مناسبة يتوحد فيها المسلمون ويحاولوا ابراز فضائل الدين الاسلامي وتعاليمه السمحاء وكونه دين حياة ودين عمل ودين اخلاق ودين رضاء الله وفوز بجنان الخلد لكل العالم من الديانات الاخرى وبصورة جميلة ومقنعة للاخرين وباساليب النقاش العلمي الهادىء والرصين ومحاولة اقناع الاخرين بتعاليم ديننا ومبادئنا وشخصياتنا العظيمة من غير تعصب وتعال على الاخرين.

 لاننا في هذه المرحلة بحاجة كبيرة الى وقفة تأمل وانطلاقة جديدة لنشر تعاليم الاسلام السمحاء من خلال مختلف وسائل الاتصال الحديثة التي لم تكن متوفرة سابقا وان نخاطب الغرب باللغة التي يفهمونها وان نحاول ازالة النظرة المشوهة التي يحاول اعداؤنا تكريسها لدى الاخرين عن الاسلام كونه دين حرب ودماء وانما علينا ان نبين للاخرين بان الاسلام دين هداية وصلاح ودين عمل وحياة.

 لابد لنا اخيرا ان نبارك للمسلمين في مشارق الارض ومغاربها ذكرى الولادة الميمونة لامير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب(ع). وكل عام والجميع بالف خير.

 واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين.

 

 

بقلم: أ.د. موفق عبدالعزيز الحسناوي

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.