الطبيب العالم الفيلسوف.. أبوبكر الرازي

كانت الفلسفة الطبيعية هي المفهوم عند علماء القرن التاسع (الثالث الهجري) من إطلاق لفظ الفلسفة، وذلك في مقابل علم الكلام، وكانت الفلسفة تُنسب الى فيثاغورس، وبَقيت الى القرن العاشر. وكان أكبر ممثليها رازي الطبيب المشهور (المتوفي عام 933 أو 932م).

ولد الرازي بالري، وقد تثقف ثقافة رياضية، ثم أقبل على تعلم الطب والفلسفة الطبيعية بشغف عظيم. ولكنه كان ينفر من علم الكلام . ودرس المنطق، حتى انتهى الى معرفة أشكال القياس الحملية، في كتاب القياس. وبعد أن تولى تدبير بيمارستان الري وبغداد شرع في الأسفار، ونزل في قصور ملوك كثيرين، منهم منصور بن إسحاق الساماني، وقد وضع باسمه كتاباً في الطب.

كان الرازي يعظم صناعة الطب وما تتطلبه من دراسات، وهو يؤثر الحكمة التي تضافرت على تكوينها القرون ووعتها بطونُ الكتب، ويعتبرها خيراً من التجارب التي يكتسبها شخص واحد في حياته القصيرة، وهو يفضل هذه التجارب على نتائج الاستدلالات المنطقية التي لم تُمحصها التجربة .

يذهب الرازي الى أن النفس هي التي لها الشأن الأول فيما بينها وبين البدن من صلة، وإن ما يجري في نفس الإنسان من خواطر وما تعانيه من آلام يمكن عند الرازي أن يستشف من خلال الملامح الظاهرة، ولذلك فقد أوجب الرازي على طبيب الجسم أن يكون طبيباً للروح أيضاً ولذلك وضع قواعد للطب الروحاني، هي ضرب من التدبير للنفس .

وقد وجد الرازي أن الشر في الوجود أكثر من الخير وهو ما يعرف اللذة بأنها ليست سوى الراحة من الألم .

ومع أن الرازي كان يعظم شأن أرسطو وجالينوس، فإنه لم يكلف نفسه مشقة خاصة للتعمق في فهم مؤلفاتهما، وقد اجتهد في دراسة الكيمياء، وكان يعتبر أنها صناعة صحيحة تستند الى وجود مادة أولية، وأنها صناعة لا غنى للفيلسوف عنها، بل كان يعتقد فيثاغورس وديمقريط وافلاطون وارسطو وجالينوس كانوا من المشتغلين بالكيمياء. وقد خالف الرازي أصحاب أرسطو بقوله إن الجسم يحوي في ذاته مبدأ الحركة، ولو أن الرازي هذا وجد من يؤمن به ويتم بناءه لكان نظرية مثمرة في العلم الطبيعي.

ومذهب الرازي فيما بعد الطبيعة يقوم على النظريات القديمة التي كان معاصروه ينسبونها الى أنكساغوراس وأنياذوقليس وماني وغيرهم. ورأس مذهبه خمس مبادئ قديمة هي: البارئ تعالى، والنفس الكلية، والهيولي الأولى، والمكان المطلق، والزمان المطلق، وهي المبادئ التي لا بد منها لوجود هذا العالم.

فالإحساسات الجزئية تدل على الهيولي بالمعنى المطلق، والجمع بين محسوسات مختلفة يستلزم المكان، وإدراك ما يختلف على المادة من أحوال وتغير يستلزم القول بالزمان، ووجود الأحياء يدلنا على وجود النفس، ووجود العقل في بعض الكائنات الحية وقدرتها على إتقان الصنعة يدل على وجود خالق أحسنَ كل شيء خلقه .

ومع أن الرازي كان يقول بقدم المبادئ الخمسة، فهو يقول بوجود خالق، بل هو يقص علينا حكاية الخلق، واول المخلوقات نورٌ روحاني خالص بسيط، وهو الهيولي أو الأصل الذي تتقوم منه النفوس، وهي جواهر روحانية نورانية بسيطة، ويسمى هذا الاصل النوراني أو الهيولي النورانية، أو العالم العلوي الذي نشأت منه النفوس، بالعقل أو النور الفائض من نور الله، ويتبع النور ظل خلُقت منه النفوس الحيوانية خادمة للنفس الناطقة. هذا وقد توفي أبو بكر الرازي عام 372 للهجرة.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.