النحوي اللغوي أبو حاتم السجستاني

كان إماماً في علوم الآداب، وعنه أخذ علماء عصره كأبي بكر محمد بن دريد والمبرد وابن قتيبة الدينوري وغيرهم، وقال المبرد: «سمعته يقول: قرأت كتاب سيبويه على الأخفش مرتين»، وكان كثير الرواية عن أبي زيد الأنصاري ومعمر بن المثنى أبي عبيدة والأصمعي، عالماً باللغة والشعر، حسن العلم بالعروض وإخراج المغمى، وله شعر جيد، ولم يكن حاذقاً في النحو، وكان إذا اجتمع بأبي عثمان المازني في دار عيسى بن جعفر الهاشمي تشاغل أو بادر بالخروج خوفاً من أن يسأله عن مسألة في النحو. وكان صالحاً عفيفاً يتصدق كل يوم بدينار، ويختم القرآن في كل أسبوع، وله نظم حسن.

وكان جماعا للكتب يتجر بها، ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له النسائي في سننه والبزار في مسنده. وفي يوم قال أبو حاتم لتلميذه: إذا أردت أن تضمن كتاباً سراً فخذ لبناً حليباً فاكتب به في قرطاس، فيذر المكتوب إليه عليه رماداً سخناً من رماد القراطيس فيظهر المكتوب، وإن كتبته بماء الزاج الأبيض، فإذا ذر عليه المكتوب إليه شيئاً من العفص ظهر، وكذا بالعكس.

قال محمد بن الحسن الأزدي: حدثنا أبو حاتم قال: وفد علينا عامل من أهل الكوفة ولم أر في عمال السلطان أبرع منه، فدخلت عليه مسلماً فقال لي: يا سجستاني، من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي، والمازني أعلمنا بالنحو، وهلال الرأي أفقهنا، والشاذكوني من أعلمنا بالحديث، وأنا-رحمك الله-انسب إلى علم القرآن، وابن الكلبي من أكتبنا للشروط. قال: فقال لكاتبه: إذا كان غداً فاجمعهم الي، قال: فجمعنا فقال: أيكم المازني؟ فقال أبو عثمان: ها أنا ذا، قال: هل يجزي في كفارة الطهارة عتق عبد أعور؟ قال المازني: لست صاحب فقه، أنا صاحب عربية، قال: يا زيادي، كيف يكتب بين بعل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم هلال الرأي، قال: يا هلال، كم اسند ابن عون عن الحسن؟ قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم الشاذكوني، قال: يا شاذكوني، من قرأ: (ألا أنهم يثنون صدورهم). قال: ليس هذا من علمي، هذا من علم أبي حاتم، قال: يا أبا حاتم، كيف تكتب كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف خصاصة أهل البصرة وما أصابهم بي وتسأله النظر بالبصرة؟ قلت: لست صاحب براعة وكتابة، أنا صاحب قرآن؛ قال: ما أقبح بالرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فناً واحداً حتى إذا سئل عن غيره لم يحل فيه ولم يمر، لكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عن هذا كله لأجاب.

تحدث عنه أبو داود والنسائي في كتابيهما، وأبو بكر البزار في مسنده، ومحمد بن هارون الروياني، وابن صاعد، وأبو بكر بن دريد، وأبو روق الهزاني، وعدد كثير.

وتخرج به أئمة، منهم أبو العباس المبرد، وكان جماعة للكتب يتجر فيها. وله باع طويل في اللغات والشعر، والعروض، واستخراج المغمى. وكان يقول : قرأت " كتاب " سيبويه على الأخفش مرتين .

توفي سنة ثمان وأربعين ومائتين، وقيل سنة خمسين، وقيل أربع وخمسين، وقيل خمس وخمسين ومائتين بالبصرة، وصلى عليه سليمان بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، وكان والي البصرة يومئذ، ودفن بسرة المصلى.

مصنفاته كثيرة نذكر منها: إعراب القرآن، الطير، المذكر والمؤنث، النبات، المقصور والممدود، الفرق، القراءات، المقاطع والمبادي، الفصاحة،  النخلة، الأضداد، القسي والنبال والسهام، السيوف والرماح، الدرع والفرس، وغيرها.

 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.