«هبوط في الصحراء»

تمتاز هذه الطبعة بمطابقتها للنص الفارسي الكامل لآثار شريعتي الصحراوية، والمنشور في كتاب «هبوط در كوير».

يقع الكتاب في 864 صفحة من القطع الكبير / تجليد فني فاخر / مع سبعة فهارس علمية، وملحق خاص بوصية شريعتي الكاملة التي تنشر للمرة الأولى باللغة العربية، إضافة إلى نماذج مصورة بخط شريعتي نفسه.

قام بتعريب الكتاب الدكتور ياسر الفقيه والأستاذة مريم ميرزاده، وحققه الدكتور محمد حسين بزي الذي قال في مقدمته للكتاب.

«سنتان من عمري قضيتهما، بل مرّت فيَّ كأنّهما العمر بأكمله، فحتى لو قضيتُ بعدهما وأسلمتُ الروح؛ فإنّه يكفيني عند ربّي وفي ميراثي أنّني أنجزتُ لقرّاء العربيّة «هبوط في الصّحراء».

وأضاف «بزي» لئنْ تحقّق كتابا لـ علي شريعتي يجب أن تكون سبّاحاً ماهرا، فكيف إذا كان «هبوط في الصّحراء»؟! حيث هنا عليك أن تسبح في الرمل الحارق والغبار الملتهب تحت اشعة شمس ملتهبة.. حافي القدمين، عاري الجسم .. لا ماء يروي، وأحيانا لا هواء يكفي، لكن في كلّ الأحايين لا ثمار سوى شوك المعرفة في شوق المناجاة.

أذكر أنّني كنتُ أسبح مرّة وأطير أخرى ..!

أسبح في التاريخ الذي تجلّى على هيئة جغرافيا بسرعة غزال هام فعام فوق الرمال.. وأطير بسرعة سلحفاة استعارت من البطّ جناحيّه في ريح عصوف مفتّشا عن إبرة تراءت كظلّين لشبحين غابا وراء لاوتسو.. ليظهر كونفشيوس فجأة ممسكاً الميزان وعن يمينه بوذا المتشح بغصنيّ زيتون، حسبتهما من طور سيناء..! أي تخبط عشته وقد ظهر الثلاثة عليّ بروح واحدة وقلب واحد؟ لكن أي لذّة عشتها عندما تعرّفتُ إليهم .. ونهلتُ منهم بعد أن صحبتهم لقرنين..! لا، لسنتين، لا لساعتين، عفواً، ربما لدقيقتين تخلصتُ فيهما من «السمسارا» وعبرت «الكارما» دون ألم العقاب لتقبض على روحي «النيرفانا» الكاملة وأنا على قيد العشق صرت لا شيء.. صرتُ عاشقاً.

وأحياناً، وأنا أسبح -وفي نفس الوقت- كنتُ مضطراً للطواف في السّماء كي ألتقط نجمة من مثنوي، كانت خرجت مع أنفاس مولانا مرموزة لدرويش أمّيٍّ كي يدور في سماء «شمس» بعد أن طوى الأرض لأنّها لم تعد تَسَع عشقه.. من هناك، من الأعالي، من الأعلى رماني بها كي أقف على مقولات بابا طاهر الأولى والسُّهروردي في إمارة إشراقه.. وأنا إنْ لم أطِر إلى سماء شمس تبريز فكيف كنتُ سألحق بـ سارتر لأعيد للعدميّة روحها القديمة؟!

شريعتي في هذا الكتاب قد لاحق الغايات العظمى للدين، والمقاصد العليا للشريعة، ولكن بمنهج خاص، ولم أكن أتوقعه لحينه.

والآن، عندي من الحدّس الفكري ما يكفي لأقول: إنّ هذا الكتاب «هبوط في الصّحراء» بما فيه من فلسفة وعرفان وتاريخ وعلم نفس واجتماع وأديان ومذاهب وملل ونِحل وأساطير وحكايا وحكمة وأمثلة وشعر ورواية، وحتى القصّة القصيرة؛ سيؤسّس لمدرسة جديدة في فهم الفكر الديني؛ سيما عند الناطقين بالضاد. مدرسة قوامها استدعاء التاريخ وشخوصه واسقاطهما على الواقع الفكري المعيش، ليس اسقاطهما فقط؛ بل تقمّصهما -بعد الهبوط فيه- بكلّ المعنويات العالية والفلسفات الكبرى.

وختم محمد حسين بزي مقدمته قائلاً.

وها أنا، ورغم أنّ معاناتي -بل معانقتي للأرواح العالية وسَفري الملكوتي- في تحقيق هذا الكتاب والتي تحتاج كتاباً -لا يقلّ حجماً عن هذا الكتاب- لتدوينها، لكنّني طفتُ مع شريعتي كلّ الأديان وكلّ الحضارات وكلّ الثقافات، بل وكلّ التاريخ البشري، فضلاً عن كلّ الأسئلة والإجابات .. وبعد أن نفضتُ يدي وقلبي وعقلي من الأرض وأفكارها وأساطيرها وأديانها وشخوصِها عرجت معه إلى سماء التوحيد الخالص؛ ولأهبط معه إلى الصّحراء الخالية من كل شيء سوى الواحد الأحد.. من هذه الصّحراء تقمصته وانطلقتُ وحيداً؛ لكنّني لستُ غريباً .. نعم لست غريباً؛ لأنّني كنتُ عاصرتُ معه كلّ فكرة، وكلّ وحي، وكلّ آية، وكلّ روح، وشربتها نقطة نقطة، نشوة نشوة، بهمّة السالك وهيبة المُوحِّد بين قوسي الصعود والهبوط..

ووصلتُ .. ووصلتُ إلى العقل فيما وراء العقل.

وجاء في الصفحة الخلفية للغلاف مقتطفات من كلمتي الإمام السيّد موسى الصدر والشهيد الدكتور مصطفى شمران في رثاء الدكتور شريعتي، وممّا قاله الإمام الصدر:

«الدكتور شريعتي، كان أحد قادة الفكر الإسلامي في العالم. أفكاره قيِّمة جداً، وكان يحضر درسه الأسبوعي، حوالي ستة آلاف طالب وطالبة جامعيين في مؤسسة باسم «حسينية إرشاد». طبعاً حُورِب  أيضاً من قبل مجموعة الذين يعتبرون الإسلام محتكراً لهم، ومن حقهم وميراثهم، وهم وحدهم يفهمون الدين، ولا يحق لأحد أن يفهم غيرهم. هذا الرجل (علي شريعتي) بالفعل كان مصدر الإلهام ومصدر التفكير والعطاء للكثير من الحركات الإسلاميّة، من جملتها حركتنا، ولذلك نحن نعتبره فقيدنا وخسارتنا، ونكرّمه في هذا اليوم.

وممّا قاله الشهيد مصطفى شمران:

«يا علي .. ربما تعجب لو أخبرتكَ أنّه خلال الأسبوع الماضي، قد ذهبت لساحة معركة بنت جبيل، وقضيتُ عدّة أيام بمعاقل تلّة مسعود الأمامية؛ بين مجاهدي حركة أمل، وحملتُ معي كتاباً واحداً ؛ كان كتابكَ «الصحراء»، صحراء غنيّة بعالم الفكر والفيض، صحراء رفعتني إلى السموات، ووصلتني بالأزل والأبد، صحراء سمعتُ فيها نداء العدم؛ فارتحتُ من وطأة وزخم الوجود، فحلّقتُ إلى ملكوت السموات، ووصلتُ إلى درجة الوحدة والاتحاد .. صحراء أذابت جوهر وجودي ووضعتني عارياً أمام شمس الحقيقة المحرقة..، وحرقت جميع الأكاذيب والزيف فأضحى دخاناً، وعرضتني في مذبح العشق قرباناً لربِّ الكون.

متدينو التعصّب والجهل طعنوك وحاربوك بحربة التكفير، ولم يترّفعوا أو يتهاونوا عن أية عداوة أو اتهام.. والمتغربون أيضاً الذين سمّوا أنفسهم بالباطل مفكرين؛ أهانوكَ واتهموكَ  بالرجعية.

أيضاً، نظام الشاه لم يستطع تحمّل وجودك؛ رأى تنويرك ضد مصالحه؛ فقيّدك بالسلاسل ثم قتلك.

وفي سياق متصل أفادت دار الأمير أنها قريباً بصدد إصدار كتابين جديدين للدكتور شريعتي هما: «نحن وإقبال» و«مع أعزائنا المخاطبين».

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.