تربية متغيرة لزمن متغير

 

علي أسعد وطفة 

 يـرى بعض الآباء والمعلمين أن أطفال اليوم يتميزون بكونهم أكثر صعوبـة وأشـد عنـادا مـن أطفال الأمس . ومـا أكثر عبـارات الدهشـة والاسـتغراب التـي نطقهـا عندما نلحظ ذلك التباين فنقول: "رحم الله أيام زمان" ولله دره من جيل ! وأي جيل وأي زمن ! وجيل آخر زمان ويمكننـا في إطار هـذه الرؤية أن نطـرح تسـاؤلات ترتسـم إزاءها الحـيرة عـلى الوجـوه : لماذا يتباين أطفال اليوم عن أطفال الأمس في طبيعـة سـلوكهم وفـي أنماط اسـتجاباتهم؟ لمـاذا يميلون إلى العنف والمشاكسـة وكـثرة الأسئلة؟وأخيرا لماذا يميلون إلي رفض بعض القيم والمبادئ والتصورات التي تشربناها وتمثلناها ؟ ولا نملك في نهاية الأمر إجابة عن هذه الأسئلة سوى مشاعر الحزن والأسف على أيام زمان يوم كنا أطفالا.

 وإذا لم يكن في مشاعر الحزن والحسرة على طرح المزيد من الأسئلة عـلى نحـو جـديد يتسم بدرجة أعلى من المنهجية والموضوعية: ما الذي تغير؟ هل هو الطفل ؟ أم نحن ؟ أم الظرف ؟ أم كل ذلك على السواء ؟وفـي الـوقت الـذي نجد فيه إجابة على تساؤلاتنا هذه نجد أنفسنا مطالبين بنوع من المنهجية التربوية الجديدة في التعامل مع أطفالنا وفـي توجـيههم وفـق تصـورات وقناعـات جديدة . وفي هذه المرحلة نجد أنفسنا وجهـا لوجـه أمام إشكالية جـديدة تتمثل في إيجاد المنهج التربوي المناسب لتحقيق افضل أشكال النمو والتكيف عند أطفالنا.

 وعندمـا نسـتطيع حقـا أن نجـد الإجابة الموضوعيـة عـلى جملــة التسـاؤلات المطروحـة ونعـثر عـلى المنهـج الـتربوي الجديد في تربية الأطفال فإننا لا ريـب نسـتطيع أن نضمـن للناشـئة والأطفال افضــل إمكانيات النمـو والازدهـار والتكـامل . وعـلى العكـس من ذلك تماما فإننا لن نستطيع إلا أن نكرس العقبات والحواجز أمام الأطفال عندما لا نستطيع أن نجد الموقف العصري السليم لهذه الإشكالية التربوية.

 إن إشكالية التباين بين الأجيال وإشكالية المنهج إزاء العملية التربويـة تشـكل موضـوع هذه المقالة التي تسعى إلى تسليط الضوء على بعض جوانب هذه المسألة التربوية.

السياق التاريخي لمسألة التباين بين الأجيال:


 الدهشـة التـي تعترينـا عندمـا ننظر إلى أطفال اليوم في سلوكهم ومواقفهم وطبيعة استجاباتهم التي لم نعرفها في أيام طفولتنا ليست بالأمر الجديد فهي مسألة تضرب جذورها العميقة في تاريخ الإنسانية فكل جـيل مـن الأجيال المتلاحقـة قـد خبر هذه التجربة التي تتعلق بملاحظة التباين بين الأجيال بين الآباء والأبناء.

 لقـد كان لحكماء العرب أن يدركوا بعمق أهمية الظرف المتغير في التـأثير عـلى طبيعـة الناس ويكمن ذلك في الحكمة العربية التي تؤكد على الظرف والتغير . ربوا أولادكم على غير أخلاقكم فانهم ولدوا لعصر غـير عصركم ولزمان غير زمانكم ولقد برزت هذه المسألة في عصر النهضة فـي البلـدان الأوربية كإشكالية تربوية ويتجلى ذلك في ما النقد الذي يوجهه الأسباني ج.ل. فيفي أحد كبار المفكرين التربويين في عصر النهضة إلى تربيـة الفتيـات وسلوكهن في عصره واللواتي كن يتجملن بالدهون والمسـاحيق والعطـور لإعجاب الرجـال وكـان يـرى في ذلك تناقضا مع التعـاليم الدينيـة المسـيحية ومـع القيـم التربويـة لعصـر طفولته وشـبابه. وقـد لاحـظ الفيلسـوف السويسـري هنري فريدريك أن شباب عصره كـانوا يميلـون إلى التمـرد بشـكل مـتزايد ويتجـهون نحو رفض القيم والمفاهيمالتي تبنتها الأجيال السابقة.

 ولـم يكـن لهـذه الدهشة ، التي تعتري كل جيل من أجيال الراشدين إزاء صغـارهم ، أن تطـرح نفسها قديما كما تطرح الآن في عصرنا - عصر التغـيرات التكنولوجيـة السـريعة - كإشكالية تربوية في غاية الأهمية والخـطورة . وبالتـالي فـان درجة الأهمية التي تطرح فيها هذه المسألة مرهونـة بوتـيرة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية ومدى حدتها . في العهـود القديمة لم يكن التباين بين الأجيال يطرح إشكالية تربوية . وذلك يعود إلى طبيعة التغيرات الاجتماعية البطيئة والمتكاسلة.

 فـي العصـور الحديثـة تـؤدي التغـيرات التكنولوجيــة الســريعة والمتلاحقـة إلى تغـيرات مماثلـة فـي بنية التصورات والمفاهيم وطرق التكـيف وهذا بدوره ينعكس على المسالة التربوية ويطرح ضرورة البحث عن مناهج جديدة وطرق جديدة قادرة على احتواء هذه التغيرات وتمكين الأطفال مـن أشكال جديدة للتكيف مع طبيعة العصر المتغير . فالتغير يجري بوتائر سريعة جدا وينعكس على أنماط السلوك والأفكار عند الناس صغـارهم وكبـارهم . وهذا يعني أن هذه التغيرات تحدث في الظروف وفي النـاس قبل أن تنعكس على النظام التربوي . فأثار التلفزيون على نمط التفكـير والسـلوك عنـد الأطفال يتـم بشـكل مباشر دون توسط العملية التربويـة، والنظـام الـتربوي لـم يستطع حتى هذه اللحظة احتواء هذه التجربـة التكنولوجيـة الجـديدة . أن مـا نريـد التـأكيد عليه هو أن التغـير فـي المنـاهج التربويـة والأساليب التربوية يبقى في حالة تخـلف بالقيـاس إلى التغـيرات الفعليـة القائمـة فـي مجال الشروط الموضوعيـة والذاتيـة لحيـاة النـاس الاجتماعية . وهنا يكمن الجانب الأكبر لأصول مسـألة الصـراع بين الأجيال المتلاحقة وخاصة بين أجيال المربين والمتربين.

الموازنة بين الأجيال وتقديس الماضي:

 إن تمجـيد الماضي في شخص أجياله السابقة يمكن أن  يعود إلى ميلنا لتقديسه ورفعه إلى درجة النموذج والمثال . ونحن لا شعوريا نميل إلى تمجيد أنفسنا بوصفنا المخلوقات الملائكية في مراحل طفولتنا وذلك أمر طبيعـي جـدا عندمـا نـدرك أن  مرحلـة الطفولـة التـي عشناها بشجونها وأفراحها ودعاباتها هي اجمل مراحل الحياة عند الإنسان . ونحن عندما نميـل إلى استعراض ذكريات الطفولة فهي الذكريات الجميلة التي تطفو وتحـلق فـي أجواء خيالنـا فنزعـة التمجيد الماضوية هي نزعة لأن سان الشعورية أو اللاشعوريه إلى تقديس طفولته وتمجيدها.

 فـي الأجيال الحـاضرة كما في الأجيال السابقة هناك أطفال مرحون وأطفال مشاكسـون كسـالى أطفال نشطون وأذكياء وهناك الأطفال الذين يميلون إلى الشدة والعنف.

 وإذا كـان ذلـك هـو واقـع الحـال فـإن الميل إلى تقديس الماضي وإعلاء شأنه يمكن أن يفسر كردود فعل تجاه الصعوبات التي نواجهها في تربيـة أطفالنا وفي توجيههم ونحن عندما نخفق وحين لا نستطيع أن ندرك أسباب إخفاقنا الحقيقيـة فـي تربيـة أطفالنـا نـنزع إلى النكوص المـاضوي أملين أن نجـد فيـه تفسـيرا وهميـا . وفـي كل حال لا يبقى أمامنا سـوى أن نضع الأجيال الحاضرة في قفص الاتهام وأن نحكم عليها بـالقصور والعـدم لنبرر لأنفسنا ما اعتراها من قصور وفشل في القدرة عـلى فهم الظروف التي تحيط بأطفال اليوم وناشئته ومن ضعف في إيجاد البدائل التربوية الممكنة التي تتيح لنا أن نأخذ زمام المبادرة في توجيه أطفالنا نحو بر الأمان.

الأزمة التربوية وصراع الأجيال:


ممـا لاشـك فيـه أن التغـيرات الاجتماعيـة والتكنولوجيـة الكــبرى المتلاحقـة والمتواتـرة قـد أدت إلى تكـوين نظـام جديد من المفاهيم والتصـورات والأفكار والقيـم التـي تختلف وكثيرا ما يتعارض مع القيم والمفـاهيم والتصورات التقليدية القديمة وتكمن الأزمة التربوية في وجـود أنظمـة ثقافيـة متعددة على وجه الخصوص . وتتجسد قيم الثقافة التقليديـة فأكثر فاكثر كلما توجهنا صعودا في سلم الأجيال القديمة والتـي تتمثـل بمجـتمع الآباء والراشـدين بينمـا تميل قيم الثقافة المعـاصرة إلى الحضور بدرجة اكبر كلما توجهنا تدريجيا نحو الأجيال الصغيرة على المستوى العمري أي عند الناشئة والأطفال.

 لـم تظهر في المجتمعات التقليدية والتي تتميز بوتائر منخفضة جدا للتغـير الاجتمـاعي حـدة التنـاقض بيـن القديم والجديد كما يشهدها عصرنـا أو المجتمعـات الحديثـة فـي المجتمعـات القديمة والتقليدية يسـيطر الراشـدون مـن آباء ومعلميـن عـلى زمـام العملية التربوية ويشـكلون المصـادر الوحيدة لكل عملية تربوية أو معرفية وعلى العكس مـن ذلـك ففـي المجتمعات الحديثة المعاصرة لا يفقد الآباء والراشدون دورهـم كمصـدر وحيد للمعرفة وكمصدر وحيد لكل عمل تربوي فحسب وإنما قـد يفقـدون القـدرة عـلى التكـيف فـي مواجهـة التغـيرات العلميـة والتكنولوجية المعـاصرة . فالراشـدون فـي المجتمعات التقليدية وفي إطار الثقافة المحدودة مطالبون باحتواء ثقافة مجتمعهم وقيمه، وهم بـذلك قـادرون عـلى الأخذ بزمام المبادرة في كل عمل تربوي وذلك على مدىالحياة.

 وفـي إطار التنـوع الثقـافي والعلمـي غـير المحـدود فـي إطار المجتمعات الحديثة يفقد الراشدون القدرة على متابعة دورهم التقليدي حـيث يسـتطيع الطفـل نفسه وفي مراحل مبكرة من العمر أن يتقدم على ذويه فـي مجـالات فكريـة ونشـاطات علميـة ومهنيـة مختلفة وذلك بفضل القنـوات العلميـة والمعرفية المتعددة والمتنوعة كالمدرسة والراديو والتلفزيون والصحافة والنشاطات الاجتماعية والثقافية المتاحة.

 ينعكـس التبـاين الثقـافي بيـن المجتمعـات التقليدية والمجتمعات الحديثـة عـلى بنيـة المفاهيم والتصورات التي يحملها الأطفال في كل مجـتمع ومـن الأمور المهمـة التي تشكل إطارا موضوعيا لما نشهده من تبـاين بيـن الأجيال يكـمن فـي وحدة المصادر الثقافية وتنوعها ففي المجـتمع التقليـدي الذي ينتمي إليه بعضنا وآباؤنا يتميز بالتجانس الثقـافي ووحـدة المصادر الثقافية وهذا بدوره يؤدي إلى وجود أنماط ثابتـة ومتجانسـة مـن السلوك والقيم والاتجاهات والعادات والتقاليد بيـن أفراد الجماعة . وعلى العكس من ذلك نجد درجة عليا من التنوع والغنـى والانتقائية فـي تبنـي أنمـاط مختلفة من السلوك والاتجاهات والقيم.

 ويعـود ذلـك كلـه إلى التنوع والغنى في الأنماط الثقافية وفي المثـيرات التربويـة وإلى تعـاقب الموجــات الجــديدة للتغــيرات التكنولوجية التي تحمل معها أنماط جديدة من أساليب العمل والتفكير والقيـم الثقافيـة ويحـدث لنـا أن نجـد عند أطفالنا بعضا من القيم الثقافيـة وبعضـا مـن الاتجاهات التي لم يسبق لنا أن عرفناها والتي تتنـاقض مـع هـذه التـي تمثلناهـا وعندهـا ينشـأ الصراع بين الآباء والأبناء وترتفع الحواجز أمام صيغ التفاهم والحوار الموضوعي.

نحو مقاربة جديدة في تحليل الأزمة التربوية:


 يجـدر بنـا عنـد تحـليل المسـألة التربوية أن نأخذ في اعتبارنا ثلاثـة محـاور أساسية وأن نسعى إلى تحليل طبيعة العلاقة القائمة بين هذه المحاور:

أولا :المربــون وهــذا يعنــي جملــة القــائمين عــلى العمليــة التربوية من أباء وأمهات ومعلمين.

ثانيـا : المـتربون ويمثلـون مجــتمع الأطفال والناشــئة والشــباب وكـل هـؤلاء الـذين يحتاجون إلى المساعدة من اجل نموهم وتكيفهم.

ثالثـا : الوسـط ونعنـي بـه العمليــات التــي تتــم بيــن المــربي والمــتربي كالوســط العــائلي والوســط المدرســي فالوســط هــو الإطار الـذي يحتوي أيضا كل ما يمكن مشاهدته ولمسه أي كل ما يجري تحت بصـر الأطفال وسـمعهم فـي الشـارع وفي المنزل وفي المدرسة.

 فالعمليـة التربويـة هـي لقـاء تفاعل بين هذه العناصر المختلفة فالمربون يعملون على مساعدة المتربين في الوصول إلى حالة التكيف التـي يقتضيهـا الوسـط الاجتمـاعي وهـم يتبنون لتحقيق ذلك أنماط من الفعاليـات التربويـة والثقافية التي تعلموها أيضا في إطار حياتهم ووسـطهم الاجتمـاعي . إن الطرائق التربويـة التي يعتمدها المربون في عملهـم غالبـا ما تنتمي إلى الأطر المرجعية الثقافية التقليدية لعهد طفولتهم وصباهم وهي في اكثر الأحيان تتسم بكونها طرق وأساليب تقليدية لا تنسجم مع طبيعة العصر وطبيعة التغيرات الجارية فيه . وهنا تكمن عقدة المسألة وذلك عندما يعتقد هؤلاء المربون بكفاية الطرائق القديمة وعندمـا لا يأخذون بعيـن الاعتبـار آثـار وتنـوع التغـيرات الاجتماعية الجارية على حياة الأطفال التربوية والفكرية.

إشكالية التوازن بين المنهج والغاية والتغيير الثقافي:


لمـاذا نـربي ؟ ما غايتنا التربويـة ؟ ما وسائلنا ؟ أسئلة يجب أن يطرحهـا كـل مربي ولكن السؤال الحيوي الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف نحقق الانسجام بين الغايات والوسائل وفي الوقت الذي نستطيع فيه أن نجـد الإجابة الموضوعية الواعية على هذه التساؤلات يمكن لنا أن نمضيمـن اجـل أن يتكـيف فـي دفـع العمليـة التربوية نحو تحقيق التكامل والازدهار في شخص الأطفال والناشة.

 لمـاذا نربى وما الهدف من التربية ؟ ببساطة نحن نربي من اجل أن يتكـيف أطفالنا مع وسطهم الاجتماعي يصبحوا قادرين على اكتساب الهوية الاجتماعيـة فـي ميـادين العمل والإنتاج . وبعبارة والناشئة يمكن أن نقول نحـن نربي أطفالنا من اجل أن نحقق لهم السعادة في حياتهم الاجتماعية الآنية والمستقبلية.

والسـؤال الثـاني هو ما الذي نريده نقله إلى أطفالنا من خلال العملية التربويـة؟ ما نريد نقله هو الثقافة السائدة في المجتمع الذي نعيش فيه ولكن ما هي وسائلنا وطرائقنا في نقل الثقافة وفي تربية الأجيال ؟ هنا تكمن معضلة ما نبحث عنه وما نسعى إلى تقصيه.

 تشـير الملاحظـة الدائمـة إلى أن جـميع المـربين يسـعون إلى تحقيق السـعادة للأطفال والمتربين . ولكنهم يختلفون في تحديد نوع الثقافة التي يريدون نقلها إلى الناشئة ويختلفون في تحديد الطرائق والمناهج والأساليب التربوية المناسبة لنقل الثقافة القائمة.

 ينهج بعض الآباء والمربين في تربية أطفالهم نهجا تقليديا يرتكز عـلى نسـق مـن تصـوراتهم واعتباراتهم التقليدية الخاصة وهم لا يقيمون وزنـا لطبيعـة التغـير الثقـافي والحضـاري المتسـارع . إنهم يريدون لأطفالهم أن يكونـوا صورة طبق الأصل لما هم عليه ولما تعودوه ونشأوا عليه في طفولتهم وشبابهم وهي تربية تتصف بأنها أنانية ومريضة وأنها تخـالف منطـق التطـور وحركتـه . وهـي فـوق ذلك كله تؤدي إلى انحراف الأطفال وفقـدان القـدرة عـلى التكيف والنمو والازدهار وبعض المربين يؤمنـون بـالجديد وأهميتـه ولكـنهم لا يستطيعون العثـور على المناهج التربويـة الجـديدة المناسـبة لنقـل ذلـك الجـديد إلى الأجيال وإلى الناشئة وهذا بدوره ينعكس سلبا على طبيعةالعملية التربوية ومسارها.

 وتكـمن المشـكلة اليـوم فـي ارتفاع نسبة الآباء الذين يربون وفقا لتصـوراتهم الخاصـة وفقـا لمنهج تربوي يتميز بالأنانية وذلك دون وعي منهم لآثار ونتائج ممارساتهم التربوية . فالتربية التسلطية على سبيل المثـال التـي تسـعى إلى إخضاع الأطفال وتشكيلهم وفق قوالب جاهزة هي تربيـة جاهلـة للحيـاة وشـروط الوجـود المتجددة جاهلة بطبيعة الطفل وضـرورة توفـير السبل العاطفية من حب وحنان والتي تعتبر ضرورية جدا لنموه وازدهاره.

ضرورة الوعي التربوي لتربية متغيرة من أجل عصر متغير:


لكـي تكون التربية من اجل أطفالنا وليست من أجلنا نحن ، من أجل أن تكـون تربيـة لعصـرهم وليس لعصرنـا تتجـلى أهميـة الـوعي الشامل لطبيعـة العصـر عمومـا والـوعي الـتربوي عـلى وجـه الخصوص فالعملية التربويـة لـم تعـد كمـا كانت في عهود سابقة نوعا من السلوك العفوي البسـيط الـذي يمكـن لنـا أن نمارسـه فـي إعداد أطفالنا إنها اليوم عمليـة تتصـف بدرجـة عليا من الدقة والتعقيد والخطورة . ونحن نحتاج اليـوم إلى قـدر كبـير مـن الثقافة التربوية كي يتاح لنا أن نمارس فعلنـا الـتربوي دون مخـاطر وانعكاسـات سـلبية عـلى نمـو أطفالنــا وناشئتنا.

 ويمكن لنا أن نؤكد في سلم الأولويات نحو وعي تربوي يجنبنا ويجنب أطفالنـا الوقـوع فـي مطـب الإشكاليات التربوية الحادة أن نؤكد على أهمية النقاط التالية:

أولا : يجـب أن نـدرك العصـر الـذي يعيش فيـه أطفالنــا يخــتلف عــن العصر الذي أحاط بطفولتنا على مستوى القيم والمفاهيم والتصورات...

ثانيـا : يجـب علينـا أن نعــي أن الطــرائق التربويــة التقليديــة لـم تعد صالحة ومشروعة في تربية أطفال اليوم وعلينا أن نعرف الجديد والمسـتجد فـي المنـاهج التربويـة الحديثة والمتطورة التي تنسجم مع طبيعة العصر وروح الحياة المتغيرة والمتجددة.

ثالثـا : يجـب علينـا أيضا أن نعــي تــأثير المثــيرات التربويــة الجـديدة والتـي تتعلـق عـلى الأرجح بوسائل الإعلام من راديو وتلفزيون وصحـف ومجـلات وفي قدرة هذه الوسائل على تشكيل القيم والاتجاهات التي تتباين مع ماتعلمناه ومع ما طبعنا عليه.

رابعـا: كمـا يجـب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن مظاهر التباين والاختلاف بين قيمنا واتجاهاتنا وهذه التي يحملها أطفالنا هي نتاج طبيعي لجملة التغـيرات الجارية عبر الزمن ولجملة المثيرات الثقافية الجديدة التي تموج تعددا وغنى وتنوعا في عصر التكنولوجيا الحديثة.

خامسـا: إن الإقرار بجهلنا لما يجري حولنا يمثل منطلقا تربويا يتصف بالموضوعيـة وأن سـعينا الـدائم للبحـث عـن الأساليب الحقيقية لسلوك أطفالنـا من شأنه أن يمنحنا القدرة على تحقيق النجاح في تربيتهم وفي تحقيق نموهم وكمالهم.

سادســا: إن مبادئ الحريــة والتســامح والعقلانيــة والتفهــم والـوعي والديمقراطيـة قـد أصبحت مبادئ العصر ومبادئ كل عمل تربوي خـلاق يتجه نحو تفجير الطاقات وصقل المواهب وتحقيق النمو السليم عند الناشـئة والأطفال .... فأطفال اليـوم يطالبون بالعدالة والمساواة والحجة وهم لا يستطيعون قبول الأشياء على عواهنها بل يسيرون على مبدأ عقلانيتها وعدالتها وهذا أمر تشير إليه الملاحظة اليومية الدائمة.

سـابعا : يجـب أن نضـع فـي اعتبارنـا أهمية وضـرورة تنميـة وعينــا التربوي في كل مناسبة وفي كل حين وأن نخضع تصوراتنا الماضوية للنقد والتحـليل وإعادة النظر ... لأن الاكتفاء بما لدينا من معرفة تربوية يعني في نهاية المطاف التحجر والعزلة والاختناق.

وأخيرا: أن ننطلـق فـي كـل عمل تربوي من مبدأ التربية لزمن متغير. فالتربيـة اليـوم ليسـت للتكيف مع ما هو قائم فحسب بل يجب أن تكون تربية متغيرة قادرة على احتواء الجديد وتمثله في حركة دائمة لا تنقطع والحكمـة في ذلك أن نمنح أطفالنا قدرة متجددة على التكيف مع الجديد ونمثلـه دون الوقـوع فـي الأزمة التربويـة التـي نعـاني منها اليوم فالمفـاهيم والتصورات والقيم التي تشربناها في طفولتنا تقع في إطار المطلـق والغائيـة والشـمولية وهـي بوصفهـا كذلك قادتنا إلى نوع من الجـمود والتقـوقع أسقطتنا خـارج مسـارالـزمن ودورته وكرست فينا إحساسا عميقا لامسناه بالغربة والاغتراب عن روح العصر الذي نعيش فيه.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.