أن تري إيران

وقالت الأديبة التونسية صاحبة كتاب 'رحلة بألف رحلة'، في حوار مع إرنا، إن مؤلفها هو 'أنموذج ثقافي يعرف بخصوصيات الشعب الإيراني بمنظار الواقع والتجربة' التي عاشتها وتعايشت معها، وأن هذا الأنموذج الأدبي 'كان نتاج كشف الحقيقة التي لطالما طمست داخل مجتمعاتنا الإسلامية'.
وحسب الأديبة مني بعزاوي، 'فقد أظهرت الصورة المسموعة مغالطة ظالمة في حق الشعب الإيراني، وأضحت هذه المغالطات تمتد وتنتشر بصفة مباشرة دون حجة أو دليل'، مضيفة القول: 'كان من واجبي كباحثة وأديبة أن أتناول بالطرح تجربتي المتواضعة التي عشتها في إيران للكشف عن ثقافة هذا البلد المتقدم والمتطور علي جميع المستويات الذي يزخر بثقافة الرقي والتميّز'. 
وأضافت مني بعزاوي قائلة: 'كان دافعي ينم عن مسؤولية ثقافية وأدبية من أجل تنوير الآخر اعتمادا علي التجربة العينية وعلي الصورة الواقعية والحجة المباشرة'.
وأوضحت الأديبة التونسية أن الرحلات التي قامت بها إلي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في إطار دورة تكوينية حظيت بها، 'كانت مناسبة للتشبّع بالثقافة والعلم و المعرفة'، مؤكدة أن 'ما سمعته وما قرأته في بعض المراجع قليل جدا مقارنة بما اكتشفته هناك، وأن ما يردد ويقال حول إيران يتنافي تماما مع ما شاهدته عيونها وما تعايشت معه'.
في هذا السياق قالت الأديبة 'اكتشفت بلدا سابحا في الحضارات والفنون والتفنن، فضلا عن عمق الثقافة ومميزاتها'، مفصلة أنها وجدت 'إيران بلدا مؤمنا بالديانات ومتعايشا مع الاختلافات المذهبية والإيديولوجية إلي حدّ كبير، وهذا ما يعكس ثقافة عميقة اكتسبها الشعب الإيراني'.
وأشادت الأديبة بالشعب الإيراني وقالت إنه 'شعب مسالم ومثقف، يحظي بتفكير إنساني عميق يتعايش مع مختلف الشعوب والأديان ويحترم كل الطوائف والمذاهب والإيديولوجيات، شعب متمسّك بهويته الإسلامية ومدافع عن لغته وثقافته وحضاراته إلي أبعد الحدود، شعب صامد وصبور وحكيم، يستطيع التأقلم مع الظروف و الوضعيات الصعبة بحكم التجارب القاسية التي تعايش معها، شعب يدافع عن مبادئه وقيمه، شعب لا يستسلم لأحد ولا يبيع شرف وطنه، والأهم أنه شعب لا يطعن بالظهر وإن طُعن'. 
وأضافت الأديبة أن الشعب الإيراني 'لا يقف عند حدود الزمان أو المكان، فقد تدرّب علي تربية النفس من خلال الصبر والمقاومة والعمل الجاد والمسؤول، وفقا لوصية الإمام الخميني رحمه الله ونظرياته الحكيمة والبناءة'، مضيفة أن 'الشعب الإيراني لم يستسلم ولم يتاجر ببلاده من أجل تحقيق مآرب مادية، ولم يدخل نظام التبعية مع الغرب، فقد حافظ علي نظامه الإسلامي الخاص المتبع لنظام ولاية الفقيه، مما جعل سمة الإسلام سابقة لمعني الدولة في النظام العام لها، حيث يطلق علي إيران 'الجمهورية الإسلامية الإيرانية' وشعار رايتها 'الله أكبر'، هذه الراية التي جمعت بين اللون الأخضر والأبيض والأحمر التي هي مكوّن من ثلاث دلالات ثقافية عميقة تكشف عن رمزية الدين الإسلامي والسلام والشجاعة'. 
كما أشادت الأديبة التونسية إشادة خاصة بالمرأة الايرانية، فقالت إنها اكتشفت، خلال زياراتها إيران، 'أن 'المرأة الإيرانية تحظي بقيمة بارزة في مجالات متعددة، بل إنها تتبوأ أبرز المناصب داخل الجمهورية، فقد ساهمت بدورها في الرقي بمجتمعها وتطويره، حتي أنها قد أسهمت في بلورة الشأن التربوي داخل المؤسسات التربوية، علي غرار المعاهد والجامعات. كما احتلت مكانة رائدة في مجال التعليم والإنتاج الفكري وأظهرت كفاءتها في تنمية الفعل العلمي وتفعيل النماذج النظرية والتطبيقية في مجالات التكنولوجيا'. 
وأبرزت الأديبة البعد الحضاري العميق لإيران، مؤكدة أن حضارات إيران 'تمتد امتدادا تاريخيا وفكريا، وتزخر بمعالم سابحة في حضارات شتي مرت عبر العصور'، وأنها لاحظت خلال زياراتها 'الهوية الحضارية المجّسدة في مختلف المعالم والمتاحف التي تبرز فنون النقش الحضاري السابح في عوالم ورموز مختلفة، علي غرار الحضارة الساسانية والحضارة الصفوية والزرادشتية والفارسية وغيرها من الحضارات'.
كما أن عوالم اللّغة والهندسة والعمارة –تضيف مني بعزاوي- 'تنم عن إبراز مختلف الفنون والتجليات الحضارية والتاريخية التي ساهمت في إثراء هذا البلد'، وأنه يمكن القول 'إنّ الثقافة الإيرانية لم تتوقف عند حدود الثقافة الواحدة، بل حققت انفتاحا شاسعا لكون إيران بلدا يعيش داخل ثقافات متعددة ومختلفة، نظرا لتعدد الهويات والأعراق التي تتوزع بين الفرس والآذريين والأكراد والعرب والبلوش والتركمان واللور والأرمن والزرادشتية وغيرها'.
وحسب الباحثة، فإن 'هذا التعدد أفرز تعايشا سلميا داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كما أفضي إلي توطيد العلاقات الإنسانية والانفتاح علي الشعوب'، لذلك 'عدّت إيران بلد التعايش السلمي والمذهبي بامتياز'، مؤكدة أنها 'لم تر أي انتشار للتعصب الفكري أو المذهبي هناك. كما أنها لم تشهد تقسيمات عرقية أو إيديولوجية لاعتبار أنّ الشعب الإيراني يؤمن إيمانا مطلقا بوحدة المسلمين وباتحاد الإنسانية رغم اختلاف الثقافات واللّغات'. 
وعن الحضارة والثقافة الفارسية قالت الباحثة التونسية إنها، خلال دراستها الأكاديمية في الجامعات التونسية، 'تعرفت علي عديد القامات الأدبية الفارسية علي غرار عمر الخيام و سعد الدين الشيرازي، فضلا عن ابن سينا و الفردوسي ومولانا جلال الدين الرومي و فريد الدين العطار، وغيرهم من الرموز التي تسكن ذاكرة كل مثقف وكل باحث في العالم'، معتبرة أن 'الأدب الفارسي اكتسب حظوة بارزة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر، وقد ساهم في بلورة وتأسيس آليات ومناهج الأدب العربي، من خلال امتداد حركات الترجمة، فضلا عن تأثير الأدب العربي في الأدب الفارسي، بحيث كان الأدب الفارسي جامعا بين الثقافة الفارسية والثقافة العربية، حتي إن أغلب الأدباء العرب قد تأثروا بالثقافة الفارسية وكان أغلب رؤاهم متجهة نحو الفكر الفارسي، علي غرار الشاعر الأعشي وامرئ القيس وأبو العتاهية وجبران خليل جبران وغيرهم كثير'.
وبحسب الباحثة، فإن 'الباحث اليوم، ومهما كان اختصاصه ومجال بحثه، لا يمكنه الاستغناء عن الأدب الفارسي، من أجل استقصاء الدلالات والمعاني وتبويب عملية التشخيص وبناء فن المحاكاة والمناظرة، فضلا عن إبراز الحكمة المتعالية السابحة في الرمزية'. 
بالمقابل أكدت الباحثة أن الأدب العربي 'أثر في بعض أدباء وعلماء الفرس، علي غرار ابن المقفع وابن سينا وسيبويه والتوحيدي و الخوارزمي وهذا ما يعكس قيمة التفاعل والانفتاح بين الثقافتين، علي اعتبار أن الثقافة هي مرآة المجتمع الإسلامي وآفاق تميّزه'. 
وعن كتابها 'رحلة بألف رحلة الذي صدر في سنة 2018، وحققه الكاتب الكويتي 'محمد صرخوه' وأشرف علي تقديمه المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس السيد 'محمد أسدي موحد'، فأكدت الكاتبة أن 'آراء النخب المثقفة في تونس كانت إيجابية جدا، حيث كان الكتاب مرفقا بالحجج والأدلة العينية، وكان أنموذجا ثقافيا يعرّف بثقافة الشعب الإيراني وحضاراته وقد اعتبره البعض أنموذجا متميزا من ناحية الطرح والكتابة، وقد أطلق عليه بعض الأساتذة كتاب 'مناقب إيران'، لكونه يكشف عن مميزات وخصوصيات سابحة في التطور وفي الإيجابية'.
وأشارت الكاتبة إلي أن هذا الكتاب 'كان متوفرا في معرضي الكتاب الدولي بتونس وإيران، وقد لاقي نجاحا جماهيريا في تونس وإيران والجزائر والكويت ولبنان، وإن شاء الله نقوم بطباعة الطبعة الثانية في أقرب الآجال، بعد التعديل والإضافة'. 
هذا وأشارت الباحثة التونسية مني بعزاوي إلي أن علاقتها بالحضارة الإيرانية وثقافتها بدأ من خلال 'اطلاعاتها الأكاديمية العليا لكونها باحثة في مجال التصوّف والعرفان الإسلامي الذي هو مجال بحثها لإتمام رسالة الدكتوراه، حيث كان بحثها منضويا تحت الدراسات الصوفية في القرن الرابع للهجرة، من خلال كتابات محمد بن عبد الجبار النفّري، ومن خلال هذا البحث اكتشفت أنّ هذه الشخصية الصوفية المطموسة تاريخيا قد تأثرت بالعرفان الإسلامي من أقطاب الصوفية الفرس'. 
وقد أعربت الباحثة التونسية عن امتنانها وشكرها للمركز الثقافي الإيراني بتونس ولمستشاره الثقافي السيد ' محمد أسدي موحد' الذي 'يحرص تمام الحرص علي مساعدة الطلبة والباحثين في مجالات بحوثهم الأكاديمية حتي إنّه ما انفك يسهر علي تشجيعهم ومواصلة دروب التعلّم من أجل تحقيق النجاح والتفوّق'.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.