سلسلة ” حكايات كما يجب أن تُروى “

ليلى جبارة

تغيرت طرق التربية وتعددت وسائل الحصول على المعلومة وذلك لسهولة وسيولة استقاء المعرفة في عصر تطور وسائل الاتصال وتقدم المعلوماتية وهندستها، لتصل إلى المنازل والمدارس وحتى أيادي الأطفال على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية.
لذا وجب الاهتمام والتخطيط بدقةٍ لتفعيل المساق التربوي الذي تقدمه التكنولوجيا الحديثة ذات الدور الهام في دعم التطور الفكري للطفل بما توفره من برمجيات ومواد علمية متنوعة تعتمد تقنيات عالية الجودة من جمالية الصورة وتناسق ألوانها، وعذوبة الصوت وتناغمه، ووضوح النص ومقروئيته، غير أنها تبقى بحاجة لإشراف مختص كالمعلم مثلا، مهمته الترشيد والتوجيه و الانتقاء بتأطير المادة المقدمة، واختيار الأسلوب الأنسب في الإلقاء والتلقين، ومن ثمة تنشيط الذهن واستعمال المهارات ليتمكن المتلقي من التفاعل معها ويستغلها للاندماج مع باقي عناصر المجتمع بل ويصير عنصرا فاعلا تم تنشئته وفق أسس سليمة.

1- دور القصة في تنشئة الطفل

تعد القصة إحدى أبرز وأهم وسائل التنشئة التي يعتمدها المربون سواء كانوا معلمين أو آباء، لأنها عادة ما تجذب الطفل، و تؤثر فيه وترْسَخُ في ذاكرته خاصة إذا ما تمت العناية بطرق إيصالها، كتقديمها في قالب مشوق ومثير، فتنقل الكلمات والإيحاءات الطفل إلى عالم من الخيال الواسع يسافر فيه برا، و بحرا وجوا، يمشي بروحه مع شخصيات مِقْدامة ليستكشف المدن والمعالم ويغوص في الأعماق ليستخرج حُللا من الأفكار والقيم ويحلق بعيدا في آفاق السماء ليبلغ العلى في مغامرة صار يتخيل نفسه جزءا منها.
سيبلور مَلكة التمييز ويصبح قادرا على تحديد الصواب من الخطأ، ينمي نزعة الخير لديه ويستعمل وجدانه ليُقاسم الآخرين أحاسيسهم، فيحزن لمصابهم ويسعد بنجاحاتهم لما استقاه من دروس وعبر. فضلا عن تنمية الرصيد اللغوي واكتساب شتى ضُروب المهارات، و التعابير الجميلة و الدقيقة، و المفردات الجديدة والقوية إلى غير ذلك.
فالطفل يتأثر بصفة مباشرة بما حوله وعادة ما يميل إلى تقليد من يُصَوَّرون على أنهم أبطال، وعليه لزمت العناية بما يصاغ له. ومهمة الحرص تقع على عاتق المعلم، فهو المكلف بالاختيار الدقيق والنوعي لما سيقدمه.
و للأسف فإن أغلب القصص التي توجه لفئة الصغار -وتحديدا القصص العالمية الشهيرة والتي يتعارف عليها منذ زمن طويل بل تشكل تراثا ينتقل من جيل لآخر دونما رقابة- تستبيح-في إطار صراع قوى الخير مع قوى الشر- طرقا ملتوية كالاحتيال والخديعة معتمدة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وهذه قاعدة خاطئة لا يمكن اعتمادها في تكوين شخصية الطفل.

2- حكايات مخالفة تقدم للطفل

الكثير من الحكايات العامة والمنتشرة لا تتناسب دلالاتها مع ما يجب أن يتلقاه الطفل، إذ أن إهمال مضامينها واضح يتجلى في المخالفات والتجاوزات والقضايا المغلوطة. لاعتمادها على الخرافة والأسطورة وكل ما تحمله من أوهام وغيبيات معقدة وكذا اللجوء إلى استعمال الرعب والفزع.
ومنها ما يسرد مغالطات تاريخية بالانتقاص من شخصيات عظيمة، مثلما صوّر الخليفة العباسي هارون الرشيد على أنه كثير اللهو، أكبر همه هو السهر والسمر، رغم أنه من أتقى الناس وأكثرهم جدا واجتهادا، فقد كان يحج عاما ويغزو عاما، مهتما بالعلم ومُكرما للعلماء.
كما تم رفع شأن أفراد هم في الأصل أدنياء وُضعاء، كمن يمتهن السحر فيجسد في شخصية بطل خارق يأتي بالأعاجيب ويمكنه التحكم في من حوله، والحقيقة أنه شرير معتد آثم كان الأولى نبذه.

3- إعادة صياغة حكايات عالمية

جاءت سلسلة ” حكايات كما يجب أن تروى ” لتعيد صقل حكايات عالمية معروفة لا حدود جغرافية أو زمنية تحدها، كتبت منذ مئات أو آلاف السنين وفي مجتمعات مختلفة بمعتقدات غريبة عن معتقدات المجتمعات العربية المحافظة، إلا أنها امتدت وانتشرت على نطاق واسع فتعلق بها الكثير من الأطفال وصاروا يتغنون بها، يعيدون تمثيلها أثناء لعبهم بعدما أحبوا شخصياتها البطولية وتقمصوا أدوارها رغم عيوبها الكثيرة من كذب وسرقة وسذاجة غطى عليها حب المغامرة و الإقدام، لذا بات من الضروري إعادة صياغة مفاهيم هذه الحكايات الراسخة في الأذهان منذ عقود والسعي لتكييفها كي تتأقلم مع نُظم المجتمع القويم وفطرته السليمة.

4- خطة التغيير

إن التغيير سيشمل جوانب معينة دون أخرى، حيث تحافظ الحكاية على قوامها الأصلي وتتبع الحبكة الأولى مع إعادة تجديد أبعاد سيرورة الأحداث وتوجيه الأهداف، بحذف ما هو غير مفيد أو غير ضروري وإدماج المنطق إن لزم الأمر مع الإبقاء على الخيال ببعث الحس والشعور في الجماد، و استعمال ألسن الحيوانات بما يتلاءم مع اهتمامات الطفل، وجعل الشخصيات الرئيسية تتسم بالذكاء والجد والفضائل مثل الأمانة والشرف والشجاعة والصدق، مع الإبقاء على العناصر السيئة وإبراز علاتها لتظهر نتيجة أفعالها الخاطئة وما يصحبها من إخفاقات ونهايات أليمة أو ندم ورجوع عن الزلل.
فتصوير المكان والزمان وتتابع الأحداث، وكذا العُقد والحل مع إضفاء الغموض والأسرار، واعتماد أساليب التشويق سيزيد من إثارة فضول الطفل بما يعكس تطلعاته ويلبي احتياجاته، فيسعى لتشغيل فكره محاولا إسقاط بعض أحداث القصة على ما يعايشه في حياته اليومية أو ما يتمنى أن يصل إليه أو يحققه مستقبلا، كمن يتوسم أن يصير معلما أو قائدا أو طبيبا لأنه أعجب بشخصية معينة فأراد أن يحذو حذوها ويزاول مهنتها.

5- النتيجة

إعادة صياغة المادة الأولية الخصبة لجُملة من الحكايات المثيرة والتي لها مكانة خاصة في حياة الطفل سيشكل نماذج تربوية فعالة تجعله أكثر حبا للتعلم، و تشعره بالطمأنينة، و تحبب إليه الخُلق القويم، فيسعى إلى المثالية وتصحيح الأخطاء مع فتح مجال للإبداع والذوق المميز لديه فتتحرر قدراته وطاقته الكامنة.
فكثيرا ما يجد المربي نفسه محرجا أمام مواقف مخالفة وتصرفات سيئة وردت في قصة موجهة للصغار، فيبقى حائرا في تجاوزها أو عاجزا عن تغييرها، و قد يتخلى عنها ويلجأ لانتقاء عناوين محددة تفاديا لهذا الإشكال، لكن المفارقة تكمن في أن الطفل قد يطالب بقصة ذاع صيتها وسمع عنها من أصدقائه أو في وسائل الإعلام أو حتى أنها تبرمج في المقررات الدراسية بكل ما فيها من تجاوزات يتقبلها الصغير تلقائيا لغياب الفكر النقدي البناء لديه، وعليه فسلسلة ” حكايات كما يجب أن تروى ” هي الحل الأمثل لهذه المعضلة بما تقدمه من مفاهيم معدلة وأفكار متقنة مقننة، بأسلوب دقيق في المعالجة قصد تحقيق بناء فكري سليم، ودعم موروث ثقافي رصين، وخَلق جو ترفيهي آمن.

المرجع :https://www.new-educ.com/

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.