الحرية في فلسفة جان جاك روسو

خاليد الخطاط

 

يرى  صاحب كتاب إميل أن التمييز بين الإنسان والحيوان لا يكون بالتفكر كما أقر ذلك بيفون[1]Buffon(1707 – 1788) والتقليد الفلسفي السائد وقتها،"فكل حيوان له أفكار لأن له حواس، بل إنه يركب أفكاره إلى حد معين،والإنسان لا يختلف عن البهيمة بهذا الصدد إلا اختلاف الأكثر والأقل."[2]. وعليه لا يمكن أن نتخذ من التفكر معيارا للتمييز بين الإنسان والحيوان. فحسب جان جاك روسو J.J.ROUSSEAU(1712- 1778) "التمييز النوعي الذي للإنسان بين سائر الحيوان لا يقيمه الذهن بقدر ما يصنعه كون الإنسان فاعلا حرا"[3] .

ويؤكد روسو الأمر قائلا:" إني لا أرى في  كل حيوان إلا آلة محكمة الصنع، وهبت لها الطبيعة حواس لأجل تصريف نفسها بنفسها... وإني لأرى، على وجه الضبط، الأشياء نفسها في الآلة الإنسانية عدا فرقا واحدا وهو أن الطبيعة تجري بمفردها في الآلة البهيمية جميع أفعالها، على حين أن الإنسان يأتي أفعاله بصفته فاعلا حرا، البهيمة تقبل أو ترفض عن غريزة، والإنسان بمقتضى فعل حر."[4]فكيف بلور روسو أفكاره بخصوص الحرية ومضمونها في أهم مؤلفاته الفلسفية؟ وكيف استطاع أن يحدث انقلابا في طوبولوجيا هذا المفهوم حيث جعل منه معيارا للتمييز بين الانسان والحيوان؟.

أ‌-     الحرية في مؤلف "خطاب في العلوم والفنون":

نقف في نص هذا الخطاب  على فكرة أخرى مرتبطة بالحرية ، تلك التي تجعل من هذه الأخيرة مرادفة للاستقلال المدني Indépendance civileففي المجتمع المستقل المتمتع بسيادته لا تتمتع كل مكوناته بالحرية. فطبقة الحكام والنبلاء تنعم بالحرية مقابل حرمان طبقة المحكومين والعبيد من هذا الحق الطبيعي. لذلك يعتبر روسو أن المجتمع مناف للوضع الطبيعي الذي أقرته  الإرادة الإلهية، إنه وضع مفروض من لدن من كلفوا أنفسهم أمر تلبية حاجات الناس. فإذا كانت " للفكر حاجاته، كما للجسد. فحاجات الجسد هي أسس المجتمع، وحاجات الفكر هي مباهجه. وبينما تسهر السلطة الحاكمة وتسهر القوانين على أمن الناس المجتمعين ورفاههم، فإن العلوم والآداب والفنون، إذ هي أقل استبدادا وربما أكثر قدرة، تنشر أكاليل من الزهور على القيود الحديدية التي تكبلهم، وتقتل فيهم الشعور بالحرية الأصلية التي كان يبدو أنهم ولدوا من أجلها، وتجعلهم يعشقون عبوديتهم وتؤلف منهم ما يسمى شعوبا متحضرة. على الحاجة قامت العروش، وأما الفنون والعلوم فهي التي دعمتها. أيا سلاطين الأرض، أحبوا المواهب واحموا من يدعمها، أيتها الشعوب المتحضرة، اصقليها أنت، و يا معشر العبيد السعداء، أنتم مدينون لها بذلك الذوق الرفيع المرهف الذي  به تفخرون ."[5]بذلك تكون الثقافة وسلطتها على الناس مساهمة في تواري الحرية الطبيعية الأصلية لصالح عبودية تصير مع مرور الأيام حرية بديلة موهومة.

من خلال الفكرتين السابقتين المرتبطتين بالحرية يمكن أن نستشف شرط قيامها. فهي لا تكون ممكنة التحقق على الوجه الأكمل إلا في إطار حياة الوحدة. لأن نشوء المجتمع هو نشوء اصطناعي، فهو أصل للعبودية، فيه تنتفي الحرية كمعطى طبيعي قادر على الظهور والبزوغ في بيئة لا توافق الإنسانية. إن الإنسان الطبيعي يعيش وحيدا، حاجاته محدودة ومقدور على إشباعها، مستقلا استقلالا تاما عن الآخرين. وعليه كان "يطيب للأمراء دائما أن يروا الفنون الممتعة والسفاسف غير المكلفة للمال تنتشر بين رعاياهم، إذ فضلا عن تنشئتهم هكذا على دناءة جديرة بالعبيد، فهم يعلمون جيدا أن الرعايا كلما عظمت حاجياتهم، عظمت القيود التي تكبلهم."[6]

إن تصور الحرية الأصلية كما عرض له روسو بين ثنايا الخطاب الأول لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعتبره نظرية متكاملة في الحرية، لأن الحديث عنها جاء في إطار تحليل  طبيعة العلاقة القائمة بين تقدم الفنون والعلوم من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى وما يعرفه من انحطاط أخلاقي. ومع ذلك يمكن أن نعتبر ما ورد من أفكار خاصة بالحرية في هذا الخطاب الأول بمثابة إشارات أولى لتوصيف حرية إنسان الطبيعة التي تعرض إليها الخطاب الثاني بنوع من التفصيل والوضوح والعمق في التحليل. فما هي الصورة التي رسمها روسو للحرية في الخطاب الثاني؟ وما هي مقوماتها؟

ب - الحرية في مؤلف " خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر ":

يتطرق القسم الأول من الخطاب الثاني إلى وصف العلامات والخصائص الفيزيقية والأخلاقية للإنسان الطبيعي. فمن جهة بنائه الفيزيقي لا يعدو أن يكون سوى حيوان تكوينه وتنظيمه أرقى من تكوين الحيوانات الأخرى. فـ"إذا نظرنا إليه كما وجب أن يكون ما إن خرج من لدن الطبيعة، رأيناه حيوانا قوته تقل عن قوة بعض الحيوانات، ورشاقته تقل عن رشاقة بعضها الآخر. ولكن إذا اعتبرنا جملة ما فيه وجدناه أجدى الحيوانات كلها وأصلحها تكوينا."[7]وإذا ما نظرنا إلى إنسان حالة الطبيعة من جهة الأخلاقية وجب اعتبار وضعه الخاص داخل المنظومة الطبيعية الذي يجعله الكائن الوحيد الموسوم بالأخلاقي. فما الذي يمنحه هذا الوضع الاعتباري؟

إن بيفون Buffonوالتقليد الفلسفي السائد في القرن الثامن عشر أرجعا الوضع الاعتباري للإنسان كونه ينفرد بملكة العقل.[8]فبالعقل يتميز عن الحيوان وباقي المخلوقات الأخرى.  لكن مع روسو الذي عاصر هذه الحقبة نسجل انزياحه الكامل عن التقليد الفلسفي، بل إنه اصطف كمعارض لهذا الطرح حين اعتبر الحرية هي الخاصية التي تجسد الاختلاف النوعي بين الإنسان والكائنات الأخرى. يقول روسو في هذا الشأن:" فإني لا أرى في كل حيوان إلا آلة محكمة الصنع، وهبت لها الطبيعة حواس لأجل تصريف نفسها بنفسها، ولأجل أن تتقي، إلى حد معين، كل ما ينزع إلى تدميرها أو تعطيل عملها. وإني لأرى، على وجه الضبط، الأشياء نفسها في الآلة الإنسانية عدا فرقا واحدا وهو أن الطبيعة تجري بمفردها في الآلة البهيمية جميع أفعالها. على حين أن الإنسان يأتي أفعاله بصفته فاعلا حرا."[9]

الحرية هي الميزة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان، وبها ينفلت من الضرورة الطبيعية التي تسمح لنا بتنبؤ المسلك الذي يسلكه الكائن مادام لا يجد بدا من طاعة قوانين الطبيعة وصوتها الصاخب. إنها "أمارة على كل حيوان، وما على البهيمة إلا الطاعة."[10]إن الحيوان بهذا المعنى فاقد لكل قدرة على الإرادة والاختيار.

إن أول المعاني والدلالات التي يكسبها روسو لمفهوم الحرية في الخطاب الثاني تلك التي تجعل من الحرية مرادفة للقدرة على الاختيار. فبموجب ذلك يكون الإنسان مخيرا بين الإذعان والمقاومة. وهو واع تمام الوعي بهذه الإمكانية. فيقر أنه حر ومن حقه ممارسة هذا الحق. وفي "هذا الوعي بهذه الحرية تتجلى روحانية النفس التي له: ذلك أن الفيزيقا تفسر، على نحو ما، التنظيم الميكانيكي الذي للحواس. أما القدرة المريدة أو قل القدرة على الاختيار فلا تنطوي إلا على أفعال روحانية خالصة لا يمكن أن يشرح منها شيء بقوانين الميكانيكا."[11]

هذا، ونقف على دلالة ثانية لمفهوم الحرية في هذا الخطاب تلك القاضية بالاستقلال والتحرر التام من التبعية للآخرين واللهث وراء الحاجات. فكيف لا والإنسان الطبيعي لا يعرف الشر إلا عندما تربطه بأشباهه علاقة اجتماعية. فالإنسان لم يعرف العبودية والتبعية إلا عندما انخرط في الحياة الاجتماعية. فعلاقة السيد والعبد لا يمكنها أن تتحقق في حالة الطبيعة حيث يعيش الأفراد مستقلين عن بعضهم البعض "بلا سكن ثابت ولا حاجة لأحدهم بالآخر، فلا يكادون يتلاقون مدة الحياة إلا مرة واحدة أو مرتين دون أن يتعارفوا أو يتبادلون الكلام."[12]. وينص روسو على أن الاستعباد ما كان له أن يكون إن لو لم تحصل التبعية بين الأفراد. فـلما كانت "روابط الاستعباد لم تنشأ إلا من تبعية البشر لبعض، ومن الحاجات المتبادلة التي تجمعهم، لزم على كل شخص أن يدرك أن من المحال استعباد إنسان دون وضعه سلفا في حالة لا يستطيع بموجبها الاستغناء عن غيره، ولما لم يكن هذا الوضع موجودا في حالة الطبيعة، ظل كل شخص فيها حرا من أي نير، وكانت شريعة الأقوى لا طائلة منها."[13]

إن الحرية بالنسبة لروسو تبقى منافيا للتسيد، فإذا كان التابع للآخرين غير مستقل عنهم، فهو ليس حرا، وكل متبوع هو أيضا ليس حرا لأن الحرية تقتضي وتستلزم المساواة بين الناس. مساواة تتقوم بخضوع الجميع لنفس القانون الذي يفترض فيه أن يرسم حدودا لممارسة هذه الحرية. حدود ترسمها حرية الآخرين. فالعلاقة بين الحرية والقانون لا تقتصر على حالة الاجتماع، بل على حالة الطبيعة أيضا حيث يكون الفرد حرا بفضل القانون الطبيعي الذي يسري على الجميع والذي خصه روسو بخاصيتين أساسيتين بدونهما تسقط عنه صفة القانون، فـ"كل ما يمكننا أن نتبينه، في موضوع هذا القانون، هو أنه – لكي يكون قانونا -  وجب على إرادة الشخص الملزم بالقانون لا أن تذعن له عن معرفة ودراية وحسب، وإنما لزم زيادة على ذلك – لكي يكون القانون طبيعيا- أن يتكلم مباشرة بلسان الطبيعة."[14]

إن الإنسان الطبيعي هو إنسان مستقل عن أشباهه، كما هو مستقل ومتحرر من قيود حاجاته. صحيح أن الحاجة تشكل لديه دافعا للإشباع، ولا يمكنه أن يقاوم هذا الدافع. لكن ما إن يحصل لديه الإشباع المرغوب لا تعدو الحاجة بالنسبة إليه منبها ومثيرا. لقد كان بالإمكان أن يكون إنسان الطور الطبيعي سجينا لرغباته وأهوائه وحاجاته إن هي تعدت الحاجات الأساسية، والحال أنه في حالته هذه لا يعرف من الحاجات والرغبات إلا ما هو أساسي. فحاجاته إذن محدودة جدا و"لا تتجاوز رغباته حد حاجاته الفيزيقية.[15]".[16]

  إن كل ما يعرف الإنسان الطبيعي من الخيرات، إنما الطعام الجنس والراحة، وهي حاجات في متناوله بدون عناء. لذلك لا ينبغي أن نتصوره مندفعا نحو رغبات متجددة، بل  ينبغي النظر إليه مكتفيا بتلبية حاجاته الحيوية الأساسية. إنه يشبه حيوانا "قاعدا تحت شجرة بلوط، ناقعا عطشه من أول جدول ماء، واجدا سريره لنومه عند جذع شجرة أمدته بوجبة طعام، وهكذا إذا بجميع حاجاته قد قضيت."[17]

جـ -الحرية في مؤلف "إميل":

يفتتح روسو الفصل الأول من الكتاب الأول لكتابه العقد الاجتماعيContrat socialبالقول: "ولد الإنسان حرا، وفي كل مكان، هو الآن يرسف في الأغلال"[18]. وهي القضية التي نجدها بشكل صريح في مؤلفه إميل، إذ يؤكد على أن الإنسان المدني "يولد ويعيش ويموت في رق العبودية، حين يولد يوتقونه بقماط، وحين يموت يسمرون عليه تابوتا، ومادام على وجه الدنيا، فهو مكبل بشتى النظم."[19]فماهي حقيقة الحرية الطبيعية للإنسان في مؤلف إميل؟ وماهي تمظهراتها؟

إن الحرية الطبيعية للإنسان تظهر -  في أدنى تجل لها -  في المستوى الفيزيقي، إذ يعبر عنها بالرغبة الجامحة والمستمرة في الحركة. وهي حاجة طبيعية، وكل مانع يعترض إرضاء هذا النزوع نحو تلبيتها، إنما هو بمثابة عرقلة للنمو الطبيعي للطفل. وعليه فإن الحرية خير، والحاجة إلى الحركة هي أول تمظهر لها. فالأطفال يحتاجون "إلى أن يقفزوا ويجروا ويصيحوا كلما راق لهم ذلك، وجميع حركاتهم هذه، إنما هي في الواقع احتياجات بدنهم وتكوينهم الذي يريد أن يتقوى بالنشاط والرياضة." [20]. لذلك منحت الطبيعة الطفل "وسائل خاصة لتقوية الجسم وتنميته."[21].

ولما كانت الحرية طبيعية في الطفل، كان علينا أن"...نترك للطفولة ممارسة الحرية الطبيعية، تلك الحرية التي تبعد الأطفال ولو إلى حين عن الرذائل التي نصاب بها حتما تحت نير العبودية."[22]. لكن هذا لا يعني أن حرية الطفل تبقى في إطار حرية الحركة، وإنما تتجاوز هذا الحد إلى أن تصير حرية للإرادة. وهذا أمر مرهون بنمو وتطور ملكاته التي تجعل منه كائنا أخلاقيا.

أن تكون الحرية هي حرية الإرادة، فهذا معناه أن الكائن الإنساني يحقق إردته fait sa volontéدون الاتكال على الآخرين أو الطمع في مساعدتهم. أي أن يكون بمقدوره أن يكفي ذاته بذاته، فهو في غنى عن الجميع ولا يرغب إلا فيما هو قادر على تحقيقه وإشباعه.[23]ومن ثمة كانت الحرية أول الخيرات. وكان إنسان حالة الطبيعة هو الجدير بهذه الحرية، لأن له القوى لإشباع حاجاته المحدودة. وبفعل الضعف الذي تعانيه الطفولة، فإنها لا تملك القوى الكافية لتلبية حاجاتها التي تفوق الإمكانيات التي وهبتها إياها الطبيعة. فكانت حريته منقوصة كتلك التي صارت للإنسان المدني.[24]

يرى روسو أن بعض الأطفال لا يتمتعون حتى بتلك الحرية المنقوصة. إذ تهيمن عليهم حاجاتهم وأهواؤهم وترمي بهم في جماح عبوديتها. وهو أمر خارج عن طبيعتهم، لأن هذه العبودية ناتجة عن سوء التربية التي لا تميز "بدقة بين الحاجة الحقيقية أو الحاجة الطبيعية، وبين الحاجة المبنية على نزوة بدأت تنبت في رأسه، أو الحاجة التي تنجم عن فرط الحيوية فيه."[25]

يعتبر روسو أن تجربة الخطأ والصواب لدى الكائن الإنساني هي بمثابة دليل على حرية إرادته وتجل من تجليات ممارستها. فـهذا الكائن له القدرة دائما على الإرادة، في حين لا يكون دائما قادرا على تنفيذ ما ترغب فيه إرادته. وعندما ينساق وراء أهوائه وغوايتها، فإنه يخضع خضوعا بينا لموضوعات خارجية. يقول روسو:"عندما ألوم نفسي على ذلك الضعف، لا أصغي إلا لصوت إرادتي. فأنا عبد برذائلي، وحر بندمي. وشعوري بحريتي لا يمحى مني إلا عندما أبتذل نفسي فأمنع صوت الروح من الارتفاع ضد قانون الجسد."[26]

البين إذن، أن الإنسان حر، فعال لما يريد. لكن تحقيق إرادته هاته تبقى مشروطة بأن تتوفر لديه الأدوات والقوى الكافية التي تمكنه من  تلبية حاجاته و أهوائه. وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا في حالة الطبيعة. أما الإنسان المدني فهو مستغرق في حاجات متولدة من رحم الحالة المدنية، ولا يملك لها العدة والقوى القادرة على تلبيتها بشكل كامل. ما يبقي الإنسان غارقا في عبوديتها. وهذا الوضع المدني هو ما يجعل الأفراد تابعين لبعضهم البعض، لأن ما يملكه أحدهم من وسائل لبلوغ إشباع تلك الحاجات اللاطبيعية يفتقر إليه الآخرون. لهذا السبب يقيم روسو تميزا دقيقا بين التبعية للأشياء والتبعية للناس:" هناك نوعان من التبعية: تبعية الأشياء، والأشياء تابعة للطبيعة. وهناك تبعية البشر، والناس تابعون للمجتمع. فأما تبعية الأشياء فهي خالية من الأخلاقيات، ولا تضر مطلقا بالحرية، ولا تنجم عنها رذائل. وأما تبعية البشر فهي مختلة الترتيب ولهذا تنجم عنها كافة الرذائل."[27]

 ولما كانت الحرية هي استقلالية الإرادة عن كل الإرادات الفردية وعن إرادة المجتمع، وكان الإنسان ذا طبيعة خيرة، وكانت هذه الحرية ذاتها جزء من طبيعته، كانت إرادته إرادة خيرة. وبما أن روسو يعتبر أن الإنسان فعال في أحكامه، وأن إدراكه ليس إلا القدرة على المقارنة والحكم، "تبين أن حريته ليست إلا قدرة مماثلة لهذه القدرة أو ناجمة عنها. فالإنسان يختار الخير مثلما يحكم بالحق. ومن يسئ الحكم يسئ الاختيار."[28]. الحرية إذن مقرونة باختيار الخير. فالإنسان عندما لا يريد الخير فهو ليس حرا، كما أنه ليس حرا في أن يختار الشر. يقول روسو:

"لا شك في أنني لست حرا في ألا أريد خيري. ولست حرا في أن أريد شري، بيد أن حرتي هي إلا عجزي عن إرادة شيء، سوى ما يوافقني أو ما أقدر أنه كذلك. من غير أن يجبرني على ذلك عنصر غريب عني. فهل ينجم عن هذا أنني لست سيد نفسي لأني لا أستطيع أن أكون غير ما أنا؟"[29]

المراجع 

 


[1]- جورج دي بوفون (بالإنجليزية: Georges-Louis Leclerc, Comte de Buffon) هو مؤرخ طبيعي، رياضياتيو عالم كونيفرنسي. ولد في كوت دورفي 7 سبتمبر 1707 وتوفي في باريسفي 16 أبريل 1788. كتب 36 مجلَّد في'التَّاريخ الطَّبيعي'، حيث شملت كلّ المعارف التّي تخصّ العلوم الطَّبيعيَّة في ذاك الوقت (نظريَّة الأرض، التَّاريخ العامّ للحيوانات، والتَّاريخ الطَّبيعي للإنسان، وعن الطّيور والمعادن أيضا). وفي عام 1727مأصدر الجزء الأوَّل المخصَّص للأرض من هذه المجموعة (التَّاريخ الطّبيعي).أنظر:

http://fr.wikipedia.org/wiki/Georges-Louis_Leclerc_de_Buffon.

[2]- جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، ترجمة بولس غانم، تدقيق وتعليق وتقديم عبد العزيز لبيب، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت،2009.، ص.83.

[3]- المصدر نفسه، ص. 83.

[4]- المصدر نفسه، صص:82 - 83.

[5]- المصدر نفسه، ص.20.

[6]- المصدر نفسه، ص.20.

[7]- نفسه، ص.72.

[8]- لا يكمن هم روسو في إقصاء العقل، وإنما  في إعادة ترتيب الملكات الإنسانية: فخاصية الإنسانية الأولى هي ملكة الإرادة لا ملكة الفهم والتصور. أما العقل فسيتغير استعماله دون أن تتبذل طبيعته. فالتنوير سيدفع به في اتجاه عملي. وهي الزاوية التي يتقاسمها روسو مع الفلاسفة في مسألة العقل.

[9]- جان جاك روسو، خطاب في أصل التفاوت وفي أسسه بين البشر، مصدر سابق، ، صص:82-83.

[10]- المصدر نفسه، ص.83.

[11]- المصدر نفسه، ص.84.

[12]- المصدر نفسه، ص.89.

[13]- المصدر نفسه، ص.112.

[14]- المصدر السابق، صص:56-57.

[15]-في تعليق له على هذه النقطة يقول روسو :"هذا ما يبدو لي في منتهى الوضوح، ولا أدري كيف أتصور من أين يمكن لفلاسفتنا أن يولدوا جميع هذه الأهواء التي ينسبونها إلى الإنسان الطبيعي، وإذا ما استثنينا الضروري الفيزيقي الذي تقتضيه الطبيعة نفسها، فإن جميع احتياجاتنا الأخرى ليست احتياجات إلا بأمرين: إما بحكم العادة – طالما لم تكن حاجات قبل الاعتياد عليها- وإما نتيجة الرغبة، ولا يرغب المرء البتة إلا في ما يكون في مستطاعه أن يعرفه. يتبع ذلك أن الإنسان المتوحش، وهو لا يشتهي من الأشياء إلا ما له به معرفة، لا يعرف من الأشياء ما في مقدوره حيازتها، أو ما سهل عليه تحصيله، فلا شيء أهنأ من نفسه، ولا شيء أضيق من عقله.".المصدر نفسه، ص.193.

[16]- المصدر نفسه، ص.86.

[17]- المصدر السابق، ص.72.

[18]-جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي ، ترجمة وتقديم وتعليق عبد العزيز لبيب،المنظمة العربية للترجمة، ط1، بيروت،2011.،ص.78.

[19]- جان جاك روسو، إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، ترجمة نظمي لوقا، تقديم أحمد زكي محمد،الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة،(د.ت)، ص.34.

[20]- المصدرالسابق، ص.84.

[21]- المصدر السابق، ص.84.

[22]- المصدر السابق، ص.100.

[23]-J.J.Rousseau, Emile ou de l’éducation, Ibid,pp.113-114.

[24]- Ibid, p.114

[25]- جان جاك روسو، إميل أو تربية الطفل من المهد إلى الرشد، مصدر سابق، ص.85.

[26]- المصدر نفسه، ص.84.

[27]- المصدر نفسه، ص.84.

[28]- المصدر السابق، ص.211.

[29]- المصدر السابق،211.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.