الإمام علي بن موسى الرضا(ع).. ذروة الكمال الإنساني

ومنطلقا غنيا للعلوم المختلفة ومفتاحاً لكنوزها ومنهلاً لطلابها فأجلوا غوامض العلوم وبينوا مناهج الاحكام وأسسوا دعائم الفكر فكانوا اقطاب للدين وفيضاً للعطاء إن الظاهرة التي امتاز بها أئمة أهل البيت(ع) ان لهم الحق على الاخرين في الاخذ منهم وليس لاحد من الناس عليهم حق الاخذ منه وان المتتبع لتاريخهم ليجد انهم لم يأخذوا أو يتلمذوا على يد أحد سوى آبائهم وقد شهد لهم بذلك حتى خصومهم، وتاريخهم حافل بتميزهم الفريد الذي لا يشاركهم فيه أحد من علماء الامة وحكمائها في العلم والحكمة والفكر.

ولم يعهد عن أي واحد منهم(ع) تعب أو تلكؤ في الإجابة عن أي سؤال ورد عليه في مختلف العلوم والقضايا رغم ان البعض منهم(ع) كان في سن لا تسمح له الاجابة عادة ولا ندعي هنا الغلو فيهم وانهم يعلمون الغيب كما يقول البعض عنا بل عقيدتنا فيهم انهم مبلغون عن صاحب الرسالة(ص) ما خفي على الامة من أسرار الرسالة وكوامنها والحافظون لكليات التشريع والعارفون بموارد تطبيقاته وهذا ما أخذناه من وصيه جدهم الرسول الاعظم(ص) في الحديث الذي روي عن الخاص والعام (أني أوشك أن أدعى فاجيب، واني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، وان اللطيف الخبير، اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم اعلم منكم).

والامام منهم(ع) منصوص عليه من الله سبحانه وتعالى بالامامة ويكون تعريفه الى الامة بواسطة الامام الذي قبله فنرى كل امام عندما يحس بدنو اجله يكثر من الوصايا بالامام الذي بعده لكي لا تختلف الامة في امامها ولكن على الرغم من الوصايا الكثيرة من الأئمة(ع) بتعيين خلفائهم في منصب الامامة إلا ان بعض المنحرفين دفعتهم المغريات المادية والسياسية فشذوا عن الصراط القويم وزاغوا عن طريق الحق المتمثل بأهل البيت(ع) وابتدعوا فرقاً ضالة وجمعوا لهم اتباعاً سخروهم لمصالحهم الشخصية وأغراضهم الدنيوية والعجيب انه على الرغم من ان الأئمة(ع) تبرؤا من هذه الفرق ومن اصحابها ولعنوهم ألا ان المؤرخين يعدونها من الشيعة وينسبون ما ابتدعت هذه الفرق من ضلالات على المذهب الشيعي.

 من هذه الفرق الضالة المضلة فرقة الواقفية، التي ظهرت بعد وفاة الامام موسى بن جعفر الكاظم(ع) مباشرة والتي ادعت ان الامام الكاظم لم يمت بل رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم وانه المهدي ولا إمام بعده وقد روج لهذه الفكرة التي احدثت انقساماً كبيراً وخلافاً حاداً بين الشيعة وكثر اصحابها ولم تقتصر ضلالتهم على انفسهم بل عملوا جاهدين على حرف الشيعة عن الامام الرضا(ع) ومذهبه الحق.

لقد أوضح الامام الكاظم(ع) مكانة ولده الرضا(ع) واكد على انه وارثه ووصيه في الامامة واوصى اصحابه بالرجوع اليه في اكثر من حديث كقوله(ع) «ابني هذا سيد ولدي» ثم تلا قوله تعالى «ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم» ولسنا هنا بصدد الحديث عن حقيقة امامة الرضا(ع) فهي أوضح من الشمس بقدر ما نحن بصدد الحديث عن اهم الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والاخلاقية والفكرية للامام الرضا(ع) وأهم الاحداث التي جرت في عصره وموقفه ومنها.

حياة الامام الرضا(ع)

كانت حياة الامام الرضا(ع) مدرسة تفيض بالعطاء وتشع بالعلم والادب وشخصيته قدوة في الاخلاق الفاضلة فهو اضافة الى ما تمتع به من علم وفقه امتاز بادبه العالي وخلقه الرفيع ولا يسعنا هنا الحديث عنه(ع) مفصلاً ولكن نورد باقة من صفاته الكريمة على لسان أحد معاصريه فعن ابراهيم بن العباس الصولي انه قال (ما رأيت ابا الحسن الرضا(ع) جفا احداً بكلامه قط، وما رأيته قطع على احد كلامه قط حتى يفرغ منه وما رد احداً عن حاجة يقدر عليها وما مد رجليه بين جليس له قط ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم وكان اذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائس –الى ان قال- فمن زعم انه رأى مثله في فضله فلا تصدوه) ويكفينا هذا الحديث للدلالة على شخصية الامام ومقوماته الاخلاقية التي انسجمت تماماَ مع رسالته تصدقوه فجسدها عملاً رسالياً تسلق به قمة الكمال الانساني وأرتفع الى مشارف العظمة الذاتية فحينما يجلس الامام(ع) الى مائدته ومن حوله مماليكه وبوابه وسائس دوابه ليس إلا ليعطي الامة درساً في الانسانية الفاضلة التي تؤمن بكرامة الانسان وليعرض نظرية الاسلام عملياً في طبيعة السلوك الذي يجب ان يعتمده الانسان مهما كان مركزه مع اخيه الانسان فرفعه المقام وسمو المركز لا يستدعيان ان يحتقر الانسان من دونه في ذلك أو يشعره بوضاعة شخصيته فتتسع الهوة بين افراد الامة ويتوزع كيانها في فصائل متنافرة يمزقها الحقد وتنهشها البغضاء فهذه النماذج العملية من اخلاقه وانسانيته(ع) والتي استمدها ميراثاً نقياً يعبق بالرحمة من جده الرسول الاعظم(ص) وآبائه الطاهرين(ع) هي التي تستمد الامم قوتها منها وتبني عليها دعائم مجدها وتضمن بها ديمومتها.

استشهاده(ع)

لم يكن المأمون ذلك الشخص الزاهد بالخلافة حتى يقلدها للإمام الرضا وقد قتل من اجلها اخاه الامين وقتل حتى من خدموه وثبتوا ملكه وكان لهم الفضل في تصفية خصومه امثال طاهر بن الحسين والفضل بن سهل وغيرهما فكيف بالامام الرضا الذي كان اشد الناس خطراً عليه فدس اليه سما قتله وكانت شهادته في اخر من صفر سنة 203هـ

خلاصة

لقد كانت حياة أهل البيت (ع) كلها بذل وعطاء لخير الانسان وبدون حدود رغم ملاقوه من ضغوط والمحن والبلايا من قبل الحكومات التي عاصروها ولرب سائل يسأل.. لماذا كل هذا الاهتمام بتلك الشخصيات والاحداث التاريخية التي رافقتها رغم مضي زمن طويل عليها؟ ولماذا نستذكر تلك الاحداث المأساوية التي جرت عليهم واقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهادهم؟ ثم... ما الغاية من ذلك في هذا الوقت؟ أليس الاحرى ان ننسى تلك المآسي ونعيش واقعنا بخيره وشره فالأئمة مضوا الى ربهم وكذلك الحكومات التي عاصرتهم؟ قبل ان نجيب على هذه الاسئلة ننصح اصحابها بقراءة تاريخ أهل البيت(ع) بتمعن والوقوف على مواقفهم وتأمل اقوالهم وحكمهم ونحن متأكدون بأنه سوف تتولد لديهم اجوبة كافية لأسئلتهم واضافة الى ذلك فأنه من أراد الجواب على هذه الاسئلة فليراجع حديث الثقلين لمعرفة مالهم (ع) من الفضل والشرف ولو كان امرهم انهم مضوا كغيرهم من الشخصيات التاريخية لما قرنهم النبي الاكرم (ص) بالقرآن ولما امرنا بالتمسك بهم، فهم احياء بعلمهم وفضلهم واخلاقهم وانسانيتهم وتواضعهم وهم الاسوة والقدوة التي يجب علينا ان نجسدها في حياتنا العملية، فكل واحد منهم (ع) كان قمة في الكمال البشري وما قدمناه عن حياة كوكب من هذه الكواكب ألا وهو الامام علي بن موسى الرضا(ع) وما اتصف به من الصفات العظيمة ليحدونا الى التأمل والتفكير واخذ العبر في تلك الصفات التي توارثها عن آبائه الطاهرين.

 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.