الثقافة والادب والاخلاق.. توضيح لكيفية الارتباط بمصدر الكون

سواء كان الحديث عن العمارة وبناء المدن او اللباس والزي الذي يرتديه الناس، وسواء كنا متفرجين على المؤسسات الاقتصادية والمالية السائدة والرائجة او نراقب النظام التعليمي. ان كلا من هذه الاجزاء تبدي في وعائها محتويات محددة تعود من حيث الماهية والجوهر الى منشأ محدد وان الاوجه هي وحدها التي تاخذ مظاهر ملونة. وكأن روحا واحدة نفخت في جسد كل هذه. بمنطلق وغاية محددة ومعرفة تدعو سكان ديار ما بصورة فردية وجماعية الى تلك الغاية. وفي هكذا فصل حيث تصل فيه الثقافة والحضارة الى تعايش كامل، فان كل شيء يوضع في محله بحيث تتحرك جميع القوى والمصادر والطاقات باتجاه واحد، وكل عامل لا ينقض ولا يحبط عاملا اخر. والسبب واضح للغاية: «الادب الذي يستحدث بعد استقراره في صدر المعمارين والخطاطين والعازفين واصحاب الفنون، صورته المادية في قالب حضارة شاملة»؛ الحضارة بتعريفها المحدد واحداثياتها التي يمكن دراستها، تظهر كل انطباعات واراء صناعها حول المنطلق والغاية وادب العيش.

والحصيلة ان سر بقاء وخلود اي حضارة وازدهارها وحيويتها يكمن في صلابة وقوة اخلاقها وادبها وثقافتها ما يضفي معنى على اجزائها ومكوناتها. وفضلا عن ذلك فان الثقافة والادب والاخلاق توضح كيفية الارتباط بمصدر الكون وسلوك الطريقة وامكانية نيل الغاية والوجهة. وبناء على ذلك يجب القول بان الهوية الموحدة والقابلة للتعريف لحضارة اي امة، تكفل حياة وديمومة تلك الحضارة. لكن حياة اي حضارة رهن بحفظ الاتصال بتلك الهوية. وبخلاف ذلك فانها ستؤول الى الزوال عاجلا أم آجلا وتتلاشى مكوناتها ومن يبقى في خضم الاحداث ويتشبث بكل حشيس من اجل النجاة، هو الانسان، وبما ان هذا الانسان لا يملك مستمسكا يتمسك به، فانه سيرسي عمله على اساس العبثية والتبعثر. وكما اشرنا فان هذا يشكل بداية لعصر «سوء الفهم». العصر الذي يغيب فيه اي تواصل قلبي وودي ولغوي وتتجه جميع التعاملات والمناسبات نحو التفرق والتبعثر. بحيث يبدو اليوم بان اي وجه من اوجه الحضارة قد بني على يد افراد غرباء عن احدهم الاخر. المعمارون الذين لا يتواصلون مع احدهم الاخر بتودد وتناغم.

إن الوصول الى «سر الكون» يتطلب جهدا وجدية كان اولو الالباب يفهمونه من خلال تجاوز الساحات الحيوانية الدنيئة، وسلوك طريق محفوف بالعناية الخاصة والا لما كان بوسعهم ابدا الوصول الى عنوان لعالم الاستئناس والمعرفة والاضطلاع بدور الوسيط بين العوام ومصدر الفيض والاحسان. ومع ذلك يجب الاذعان بان «اهل الادب الحقيقيين» وبفضل انتسابهم الى مصدر الكون، يعتبرون بين الناس، بمثابة «الراس» الذي يوجه ويقود «الجسم». لانهم سيصبحون راسم جميع الخطوط والعلاقات وشارح كل ما يجب وما لا يجب فعله وقوله. ولابد ان نعرف بانه قبل ان تتجه التعاملات والمناسبات وبصفة عامة الصور المادية للحياة في المجتمعات نحو الزوال والتلاشي، فان اهل الادب واعمالهم سيؤولون الى الزوال.

إن الاعمال المنفصلة عن الاصل، تقطع العلاقة بين حضارة امة ما وثقافتها واخلاقها وتجعل الشعر والكلام في خدمة تفسير الميول والرغبات الحيوانية والنفسانية، وبعدها فان الحُجب الواسعة ستنشر على يد اهل الرؤية المزيفين، الظلام والعتمة بين العوام ومصدر الكون والمعرفة لدرجة انه لا يمكن تشخيص الحقيقة عن المجاز، وعندها فان اي خطة وتدبر يعتمد لاصلاح شؤون الملك لن تكون نتيجته سوى الاضطراب والارتباك، لان البعد عن اولي الالباب يجعل من الصعب امكانية درك العلاقة الدقيقة القائمة بين الظواهر والمناسبات والهيكلية الثقافية. بحيث ان اي دواء يوصف سيكون مهدئا لالم ما لكنه سيضيف الما اخر. الهاجس الآخذ بالتزايد. وجميع القلوب المضطربة والاعمال والتدابير غير الجوهرية التي تاخذ كل وجه من اوجهها من مصدر، ستشكل اساسا لارساء مدنية مرتبكة، المدنية التي لا يتناغم اي من اجزائها ومكوناتها مع باقي الاجزاء.

إن التغير الحاصل في الادب واشباه الادباء الذين يتولون مهمة تأديب القوم، يمزقون النسب وان الانسان الفاقد للمعلم، سيطلق العنان لمطيته التي تاخذه الى الاجنبي تارة وتعود به الى الذات تارة اخرى.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.