نظريات تفسير اللّعب

هناك عدة نظريات قامت بتفسير اللعب، وبالرغم من التباين الواضح بين هذه النظريات.في تفسيرها للعب من زوايا مختلفة، إلا أنها في الوقت نفسه تُكمِّل بعضها بعضاً، وأن الألعاب بشكل عام تجمع بين كل هـذه النظريات، ولقد كان لنظرية بياجيه في اللعب صـدىً كبيراً في الأوساط التربوية حيث ترتبـط نظريته ارتباطاً وثيقاً بتفسيره لنمو الذكاء، ويعتقـد بياجيه أن وجود عمليتي التمثل والمـواءمة ضروريتان، ويحدث التكيف الذكي عندما تتـعادل العمليتان أو تكونان في حالة توازن، فاللـعب والتـمثل جزء مكمل لنمو الذكاء ويسيران في المراحل نفسها.
إن نظرية بياجيه في اللعب تقوم على ثلاثة افتراضات رئيسة وهي كالآتي:
– يسير النمو العقلي في تسلسل محدد من الممكـن تسريعه أو تـأخيره، ولكن التجربة لا يمكن أن تغيره وحدها.
– إن هذا التسلسل لا يكون مستمراً بل يتألف من مراحل يجب أن تتم كل مرحلة منها قبل أن تبدأ المرحلة المعرفية التالية.
– إن التسلسل في النمو العقلي يمكن تفسيره اعتماداً على نوع العمليات المنطقية التي يشتمل عليها. 
وتضفي نظرية بياجيه على اللعب وظيفة بيولوجية واضحة بوصفه تكراراً نشـطاً وتدريباً يتمثل المواقف والخبرات الجديدة تمثلاً عقلياً ويقدم الوصف المـلائم لنمو المناشط المتتابعة. لقد كرّس بياجيه سنوات كثيرة من حياته لدراسة الأطفال دراسة متعمقة، ودفعته مواجهته للتكيف البيولوجي- كعالم بيولوجي- إلى تـوجيه اهتمامه لتكيف الإنسان والـبيئة. وتعتبر خاصية التكيف وظيفة أساسية للإنسان؛ فهو يحاول دائماً أن يوائم بين قدراته وبين متطلبات البيئـة. وبعد ذلك أصبح بياجيه أكثر اهتماماً بنمو قدرة التفكير، وركزت نظريته على الطبيعة البدائية للمعرفة ونموها. فقد اهتم بالنشاط العـقلي فيما يفـعله الإنـسان بتفاعـله مع العالم، واعتقـد أن المعرفة لا تأتي بالملاحظة السلبـية فالنـشاط الفعّال هو الذي يُحـوّل معـرفة الواقـع وإعـادة تشكيله.
وجاءت نظرية النمو المعرفي لبياجيه تتويـجاً لأعماله التي أكدت على أهمية التكيف والتواؤم كنتيجة للتفاعل بين الفرد والبيئة المادية والاجتماعية. ويرى بياجيه أن اللعـب يخدم وظيفة استمرارية الأنا للأطفال الصغار وأشار إلى أن تلك الوظيفة لا علاقة لها بعملية التفكير، ويرى بياجيه أن الطفل في عمر (2-4) سـنوات يستمر باللعب الرمزي أو اللعـب الإيهامي وفي الفترة ما بين (4-7) سنوات يكون اللعب الرمزي أكثر ارتباطـاً بالواقـع، وفي المرحلة التالية يصبح اللعب أكثر دقة وتنظيماً وإحكاماً (عبد الباقي، 2004). 
نجد أن بياجيه قد استخدم مفهوم اللعب في معناه الوصفي من خلال ذلك التتابع النمائي المتدرج لتطور اللعب، وهو أمر مرتبط بتصوير مفهوم المراحل التي يستند إليها في نظريته، أما اللعب بمعناه الدينامي فلم يدرجه في تصوره لمفهوم اللعـب الآمن من خـلال عرض ومناقشة مفهومه عن الرمزيةSecondary symbolism)) وقد ورد هذا التصور الدينامي لأصحاب نظرية التحليل النفسي (عبد الرزاق، 2002).
استخدامات اللعب في العملية التعليمية: يُعد فروبل (Frobell) من أوائل التربويين الذين طالبوا بإدخال اللعب في المناهـج التربوية في جـميع مراحل التـعليم، وفي جميـع المواد الدراسـية، لاعـتقاده بأن اللعب يرسخ التعليم في ذهن المتعلم.
وأصبح اللعب في نظر الكثير من التربويين ذا دور بارز في حياة الطفل، مما دفـعهم إلى إدخاله في العملية التربوية، بوصفه أسلوباً من أساليب التدريس وعرف باسم التعلم (من خلال اللعـب). إذ اسـتخدمت الألعـاب اللـغوية في تدريـس مـهارات اللـغة العـربـية في المرحلة الأساسـية.(الصويركي، 2005).
ويمكن أن تستخدم الألعاب اللغوية أيضاً في دروس التدريب اللغوي؛ لما تثيره من مرح وترويح عن الطفل، والتخفيف من رتابة الدروس وجـعل المتعلمـين أكـثر تفاعـلاً مع ما يتعلمونه، وأكثر تجاوبا مع هذا النوع من النشاط. (جابر، 1991).
وأجريت العديد من الدراسات والبحوث التي تناولت أهمية الألعاب في العملية التعليمية، فقد استخدمت في تدريس موضوعات مختلفة من المواد الدراسية مثل: العلوم، الرياضيات، العلوم الاجتماعية والوطنية، والتربية الإسلامية، واللغة العربية، واللغة الإنجليزية، فضلاً عن استخدامها في تنمية بعض المهارات الحياتية والسلوكية في مراحل عمرية مختلفة، وتحصيل مفاهيم معينة.
ويرى بلقيس ومرعي (19877) أنَّ الألعاب التربوية عبـارة عن نماذج مبسطة تعبر عن الواقع، يمر المتعلم خلالها بمواقف تشبه مواقف الحياة اليومية، ويمارس فيها أدواراً تشبه الأدوار التي يمارسها الكبار في حياتهم، ومن هنا فإنَّ فكرتها الأساسية تدور حول جعل المتعلم مشاركاً وإيجابيا في المواقف التعليمية.
ومن الذين آمنوا بقيمة اللعب في النمو المعرفي، عالم النفس الروسي (فايجوسكي) الذي أرجع عدم قدرة الطفل على التفكير المجرد، إلى ربط المعنى بالشيء نفسه بحيث لا يمكنه التفكير في الحصان مثلا إلا إذا رآه، ولكن الطفل يتعامل في لعبه الإيهامي مع العصا وكأنها حصان فإنَّ ذلك يساعده على فصل المعنى عن الشيء نفسه، وهكذا يصبح اللعب الرمزي من وجهة نظر فايجوسكي ليس خيالا عابرا وإنما يعد وسيلة معينة على بناء تفكير الطفل، ثم يستمر كعملية موازنة للمنطق الراقي في مرحلة الرشد (Blanchard etl,1983).
وقد أكد (برونز) على أهمية اللعب في تنمية الابتكارية والمرونة، وأشار إلى أن الطفل تعنيه عملية اللعب نفسها أكثر مما تحققه من نتائج، كما أن الأطفال في لعبهم ينهجون أكثر من سبيل، ويقومون بمحاولات متنوعة لمعالجة مشكلات من صنع خيالهم تساعدهم على مواجهة مشكلات حقيقية في حياتهم مستقبلا، كما أن إدراك الطفل يتطور من خلال إدراك الأشياء المتشابهة في مجموعات، ويوجد العلاقات بينها لاستقراء المفهوم العام (البلهان، 2002)، وعليه فإنَّ (برونز) قد أكد على أهمية ألعاب التصنيف والمطابقة وقدرتها على المساهمة في النمو المعرفي للطفل.
وهناك علاقة أصلتها الدراسات العلمية بين اللعب والتفكير الابتكاري، لأن التفكير بمعناه العام، هو خبرات وأنشطة مصاحبة للإنسان، أو أنه نشاط ذهني يشتمل على مجموعة أفكار تثيره مشكلة تحتاج إلى حلّ، أو أنه عملية طرح الأفكار بطريقة منطقية متسلسلة، وتدعيم الأفكار بأساليب ملائمة (السرور، 2001).
تنوعت الدراسات المعنية بالعلاقة بين اللعب والتفكير تنوعا ملحوظا، ومن أهم الدراسات العربية تلك الدراسة التي هدفت إلى فحص أثر بعض برامج تنمية التفكير الابتكاري لدى أطفال الروضة، من خلال برنامجي اللعب والرسم (وحيش، 1984) وقد استخدمت اختبار تورانس للحركات والأفعال واختبار تورانس لأشكال الصورة، وتوصلت إلى وجود فروق دالة إحصائياً لصالح المجموعة التجريبية، وتفوقها على المجموعة الضابطة.
كما هدفت دراسة ياوكي وهرنسر (Yawkey & Hrncir, 19822) إلى تحديد تأثير أنماط اللعب الخيالي على النمو اللغوي والإدراك اللغوي عند الأطفال الصغار، وقد توصلت الدراسة إلى وجود تأثير جوهري لهذه الأنماط، كما أنَّ هناك فروقا دالة إحصائيا بين الذكور والإناث في التطبيق القبلي والبعدي للمقياس لصالح الإناث.
وفي دراسة قام بها جودمان (Godman, 19911) هدفت الكشف عن العلاقة بين النمو اللغوي لدى أطفال الروضة وألعابهم التمثيلية، وتوصلت الدراسة إلى وجود علاقة إيجابية، وأنَّ النمو اللغوي يزداد لدى أطفال الروضة الذين يمارسون تلك الألعاب.
أما دراسة راند Rand, 1991) فقد هدفت إلى تحديد مدى أهمية وفائدة تخطيط خبرات اللعب السيودرامي في تنمية اللغة لدى الأطفال الذين خضعوا للعلاج بالقصص من خلال اللعب السيودرامي، قد حصلوا في الاختبارات على درجات أعلى بكثير من هؤلاء الذين خضعوا للعلاج بالقصص دون استخدام اللعب. وفي السياق نفسه هدفت دراسة دكتروف (Docptoroff, 1991) إلى معرفة تأثير مهارات تدريس اللعب السيودرامي في استخدام لعب الدور السيودرامي والتفاعل الاجتماعي لدى الأطفال، وقد توصلت الدراسة إلى أن التحسن الذي طرأ على سلوك الأطفال لم يكن عاليا، ولكن بصفة عامة فإنَّ الإكثار من استخدام لعب الأدوار مع الأطفال يسهم في تنمية سلوكهم وتفاعلهم الاجتماعي.
كما هدفت دراسة تايلور وستيل (Taylar & bSsteel,2002) إلى الكشف عن العلاقة بين اللعب والابتكار، وتوصلت الدراسة إلى أن الأطفال الشغوفين باللعب يتمتعون بالقيادة النشيطة وحب الاستطلاع والابتكار والحفز الذاتي.
تكثر الدراسات الأجنبية التي تلفت الانتباه إلى أهمية دور اللعب في النمو السليم المتوازن للطفل في الجوانب الجسمية والاجتماعية والنفسية والمعرفية؛ وذلك لأنَّ اللعب يوفر بيئة غنية بالخبرات (Pepler,1986, Manning & Boals,1987) كما كشفت دراسات أخرى عن مساهمة اللعب في مساعدة الطفل على القيام بالأنشطة الخلاقة، وتنمية قدراته واستعداداته، والارتقاء بمستوى دافعيته (Karnes, 1983).
وذهبت دراسات أخرى إلى أن أنشطة اللعب – بسبب أنها محببة ومرغوبة وممتعة للطفل – يمكن أن يستفاد منها في توجيه الطفل نحو أنشطة أكثر إبداعاً وثراء، وكذلك تنمية مهارات التفكير الابتكاري لديه وحل المشكلات عند الأطفال الصغار.
أمّا دراسة دنسكاي (Danskyk, 19800) فقد هدفت إلى اختبار الفرض القائل: بأن اللعب الحر لا ينمي الطلاقة أوتوماتيكيا، لكنه يعزز الطلاقة عندما تتمثل في اللعب خصائص اللعب الرمزي، وقد توصلت الدراسة إلى أن اللعب يعزز الطلاقة إذا كان يساعد الأطفال على التخيل، بمعنى أن هذه الصفة (استثارة التخيل) هي المتغير الوسيط في تأثير اللعب في الطلاقة كأحد جوانب التفكير الابتكاري. وهناك دراسة أخرى قام بها ببلر وروس (Pepler & Rose) هدفت إلى معرفة السلوك الذي يقترن باللعب مع مواد تشجع التفكير المحدد أو اللعب بمواد التفكير المنطلق وكذلك معرفة تأثير اللعب في حل المشكلات بطريقة واحدة أو أكثر من طريقة، أظهرت الدراسة فروقاً ذات دلالة إحصائية لصالح المجموعة التجريبية، حيث تفوقت مجموعة اللعب المنطلق في مقياس التفكير المنطلق، كذلك تفوقت مجموعة اللعب المحدد في قياس التفكير المحدد. كما هدفت دراسة ياوكي وهرنسر (Yawkey & Hrncir) إلى تحديد أنماط اللعب الخيالي على النمو اللغوي والإدراك اللغوي عند الأطفال الصغار، وقد توصلت الدراسة إلى وجود تأثير جوهري لهذه الأنماط، كما أظهرت الدراسة فروقاً فردية دالة إحصائيا بين الذكور والإناث في التطبيق القبلي والبعدي للمقياس اللغوي لصالح الإناث.
وهدفت دراسة والدون (Waldon,19822) إلى التحقق فيما إذا كانت هناك فروق بين أطفال الروضة الذين مارسوا اللعب الخيالي لمدة طويلة، والذين مارسوا اللعب لمدة قصيرة من حيث القدرة على التفكير المتشعب، واستخدمت الدراسة اختبار تورانس للتفكير الابتكاري، وتوصلت الدراسة إلى زيادة الدرجة على مقياس الطلاقة، ومقياس المرونة، بفروق ذات دلالة جوهرية لدى الأطفال الذين مارسوا اللعب الخيالي لمدة طويلة، عن الأطفال الذين مارسوا اللعب لمدة قصيرة.
كما هدفت دراسة دنسكاي وسلفرمان (Dansky & Silverman, 1975) إلى اختبار تأثير اللعب على طلاقة الطفل، وأجريت الدراسة على ثلاث مجموعات، إحداها مارست اللعب، أما المجموعتان الأخريان فلم تمارسا اللعب، وتوصلت الدراسة إلى تفوق مجموعة اللعب على المجموعتين الأخريين، ودعمت النتائج الفرض القائل بأن أنشطة اللعب تتيح المجال لصقل الطلاقة الترابطية للطفل.
كما هدفت دراسة لي (li, 19788) إلى فحص تأثير اللعب على الاستجابات التي تتميز بالجدة عند أطفال الروضة، وقد توصلت الدراسة إلى تفوق أطفال مجموعة اللعب الحر واللعب الرمزي على المجموعات الضابطة، كما دعمت النتائج الفرضية القائلة بأن اتجاهات اللعب الرمزي تتيح الحرية للطلاقة التعبيرية.
أما دراسة (منسي، 19877) فقد هدفت إلى تحديد أثر استخدام الأطفال للألعاب المحببة إليهم في تفكيرهم الابتكاري، والسمات الابتكارية لديهم، وتوصلت الدراسة إلى أن أداء الأطفال في اختبارات التفكير الابتكاري يتأثر بالأنشطة التي تسبق تطبيق الاختبارات عليهم، وبالتالي يتعين ضبط تلك الأنشطة أولاً قبل أعمال المثير حتى يمكن معرفة تأثيره في التفكير الابتكاري.
كما قام منسي (19877) بدراسة أخرى كان الهدف منها معرفة علاقة التنبيه الموجب والسالب باستخدام اللعب وعلاقته بالتفكير الابتكاري لدى الأطفال، وقد استخدمت اختبار تورانس للتفكير الابتكاري (اختبار الصور) وتوصلت إلى أن سلوكيات اللعب لدى الأطفال ما قبل المدرسة ذات علاقة موجبة بالطلاقة.
كما هدفت دراسة (صادق، 19899) إلى التعرف على خبرة اللعب (سلوكيات، أنماط، أدوات) في ضوء قدرتين من قدرات التفكير التباعدي (الطلاقة، المرونة). وقد توصلت الدراسة إلى أن الأطفال ذوي السلوك الرمزي يتمتعون بدرجة عالية من الطلاقة والمرونة، بينما الأطفال الذين يختارون أدوات لعب متنوعة يحققون درجة عالية في الطلاقة.

 

د.يحيى القبالي
 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.