دور اللعب في تطوير مهارات حل المشكلات والدافعية للإنجاز

دور اللعب في تطوير مهارات حل المشكلات والدافعية للإنجاز
لقد لفت اللعب الأنظار إلى الأدوار التربوية والاجتماعية والأخلاقية والجسمية والنفسية… التي يقوم بها، واهتم به الأفراد والجماعات والمختصون، فأولوه عناية كبرى، وتمّت دراسته والتعمق بتفاصيله، واختلفت تعريفاته بحسب الدور الذي يقوم به، وسنقوم باستعراض بعض هذه التعريفات والوقوف على أهمها:

التعريفات العلمية لّلعب:
هناك عدد كبير من التعريفات التي تمثل أطراً نظرية لمفهوم اللعب يظهر فيها بين وجهات النظر المختلفة، فيما يلي نماذج لها: 
– يعرف فروبل (Frobel) اللعب باعتباره وسيلة يـحافظ بها الطفل على خبراته الكلية، حيث إن اللعب لديه هو:”ميكانيزم موحد للخبرة، وهو أكـثر أنشطة الطـفل روحانية” (بروس، 1992، 96).
– ويعرف بياجـيه (Piaget) اللعـب كما ورد في حـمزة (2008) “بأنه سيادة لعملية التمثل على عملية المواءمة، فاللـعب عبارة عن تـمثل خالص يغير المعلومات القادمة لكي تلائم متطلـبات الفـرد، وكل من اللعـب والمـحاكاة لهـمـا دور تكامـلي في تطـور الذكاء.
– ويعرف جروس (Gross) اللعب بأنه “نشاط غريزي يُكتسب من خلال التدريب والمِران، تدريباً للغرائز ليس على النحو الغريزي والجسمي وإنما على النحو السيكولوجي”. (السيد، 2002، 25).
– يعرف ويلكر (Welker) اللعب “بأنه يتكون من مدى متنوع من الأنشطة القوية والحيوية، والتي تحرك الكائن الحي أو أجزاءه خلال الفراغ، مثال ذلك:الجري، والقـفز، والتدحرج، وأحياناً الانقضاض ومطاردة الأشياء أو الحيوانات، والمصارعة، والمعالجات اليدوية النشطة لأجزاء الجسم أو للأشياء بطرق متنوعة (خليل، 2002، 10).
– وتعرف كاترين تايلوراللعب بأنه: “أنفاس الحياة للطفل، وأنه حياته، وليس فقط مجرد طريقة سارّة لتمضية الوقت وملء الفراغ”(Taylor,1972,991).
– ويعرف فيجوتسكي اللعب فيقول:”إن اللعب هو خلق لمواقف متخيلة وينشأ من جملة العوامل الاجتماعية والانفعالية والمعرفية” (Vygotsky,1983).
– كما يعرّف زهران اللعب على أنه: “أي سلوك يقوم به الفرد دون غاية عملية مسبقة، ويفهم بها العالم من حوله” (زهران، 1997،317).
ويرى جان بياجيه أن اللعب يتكون من استجابات يؤديها المرء من أجل الاستمتاع الوظيفي، وهناك ملامح معينة يمكن أن تميز اللعب وهي:
– إنه سلوك موجه داخلياً.
– يتميز بالتركيز على الوسائل والطرق وليس على الأهداف النهائية.
– يختلف عن السلوك الاستكشافي، فالأخير يُوجَّه بوساطة سؤال يدور في الذهن وهو:
ما هذا الشيء؟ ومن الذي يفعله؟ بينما يُوجِّه اللعب السؤال التالي: ما الذي يمكن أن أفعله بهذا الشيء؟
– يتميز بعدم الحِرَفية أو التمثيل.
– متحرر من التطبيق للقواعد الخارجية. (Lynn & Johnson,1993)
إن كل التعريفات الـسابقة مجتمـعة تقدم تعريفاً مـقبولاً لمفهوم اللعب، ويظل الاختلاف قائماً ومرتبطاً بالإطار المرجعي لكل باحث وتوجهه النظري، وكذلك بالطبيعة الإجرائية لكل دراسـة بعينـها وهو ما يجعلـنا نتفق مع ما أشـار إليه شـيفر وأوكونر (Schaefer & Oconner,1983): إنه من الصعب لأي مهتم بدراسة اللـعب أن يحصل على تعريف محدد يشمل اللعب بكل جوانبه.
ولقد أصبح اللعب في عصرنا الحالي محط أنظار الباحثين والدارسين من علماء النفس والاجتماع والتربية والفلسفة وغيرهم، بعد أن كان ظاهرة عاديّة يمارسها الأطـفال في كل زمان ومكان. إلا أنه لم يتم التنبه إليه كظاهرة لها دورها ووظيفتها في الحياة الاجتماعية والنفسية، حتى جاء عصر النهضة، عندما اتجه عدد كبير من الأفراد إلى العمل الصـناعي والتجـاري وغيره، وما ترتب عليهما من انتشار ظاهرتي تقسيم العمل وزيادة الخدمات، ومن ثم انتظمت أوقات العمل وتحددت، وأصبحت تخص شريحة معينة من الناس، وهي شريحـة الذكـور الراشـدين في كثير من بلدان العالم، وأصبح هو نشـاط الكـبار، وبات اللعب من الأنشـطة التي تخص الصغار، ولقد كان للعب دورٌ في الحـضارات القديمة، واتخذ أشـكالاً متنوعةً، إلا أنه كان نشاطاً يمارسه كل من الصغار والكبار، دون محاولة لتفسيره أو معرفـة معناه وطبـيعته (السيد، 2002).
وفي الحضارة اليونانـية القديمة، نجد أن أفلاطون كان أول من اعتـرف بأن للعـب قيمة عملية، ويتضح في مـناداته في كـتاب القوانين (Laws) بتـوزيع التـفاحات على الصـبية لمساعدتهم على تعلم الحـساب، وبإعطاء أدوات بناء واقعيّة مُصغّرة لأطفال في سن الثالثة، كان عليهم أن يصبحوا بنّائين قي المستقبل.
وكان أطفال قدماء المصـريّين أول من عرفوا اللعب بالكرة، واللعب بالكرات الزجاجية، حيث كانوا يلعبون بكرات صـغيرة مأخوذة من الحجارة، كما عرفوا العديد من أنواع اللعب الأخرى وخاصةً تلك التي تصدر أصواتاً تثير متعة الطفل كالخشخاشة والجلاجل، حيث كانت تتخذ أشـكال الأواني والحيوانات المصنوعة من الطـين المحروق وبداخلها أحجار صغيرة؛ لإحداث صوت عند تحريكها (الحمامي، 1999).
فالإنسان بشكل عام مارس اللعب منذ بـداية الـتاريخ، إلا أنه لم يـتوفر لديـه الإدراك الاجتماعي (Social Perception) الكافي، ولا الوعي الكافي بوظائفه، لذلك فإنـه لم يتأمله ويدرسه دراسة علمية، بل إن آراء وأفكار الفلاسفة والمفكرين القدماء عن اللعب لم تخرج عن كونها محاولات لوصفه وصفاً سطحياً أو تـأمله تأملاً نمطياً، حتى إنَّ إشـارات أفـلاطـون وأرسطو لأهمية النماذج المُصغّرة لأدوات المهنة في لعب الصغار كانت مجرد إرهاصـات أولية، ظهرت أصداؤها في الكثير من الأفكار والمحاولات العلمية الحديثة التي تناولت اللعب بالبحث، والتي أخذت في الظهور واقتناع المتعلمين بالفكرة التي نادى بها كبار المصلحـين التربـويين، ابــتداءً من كوميــنيوس (Comenius) في القـرن السـابع عشـر، إلى روسو (Rousseau) وبستا لـوزي (Pasta Lozzi) وفـروبل (Frobel) في القرن الثامن عشر، وبـداية القرن التاسع عشر، والتقبل المتزايد لفكرة أن التربية ينبغي أن تأخذ بالاعتبار ميول الطـفل الطبيعية، ومراحل نموه، وقد بلغ هذا الاتـجاه ذروته في تأكيد فروبل على أهمية اللعب في التعلم، باعتباره تفتُّحاً لبراعم الطفولة (ميلر،1987).
وقدّم الألمانيان لازارس وشالر (Lazars & Shalr) كُتيِّبـاً عن اللعب وركّـز الكاتبان على تفسير معنى اللعب وعلاقته بالراحة والاسترخاء للجسم المتعب وكيف يؤثر على تنشيط الجسم والعقل، وذلك لمواجهة الحياة اليومية (عثمان، 1995). 
أمّا استخدام اللعب كعلاج، فقد أشارت أكسلين (Axline ,1969) إلى أن المغزى الذي يستند إليه استخدام اللعب في العلاج هـو أن اللعب يستند إلى حقيقة مهمّة، وهي أن اللعب عند الأطفال هو الوسيط الطبيعي الذي يُعبِّر به الطفل عن ذاته، فاللعب يتيح للطفـل أن يعبر من خلالـه عن مشاعره ومشاكله بنفس الطريقة التي يستطيع بها علاج الراشـدين أن يعبـِّروا بالكلام عن مشاعرهم ومشاكلهم.
ويساعد اللعب في تطوير النظام الخُلقي عند الأطفال، إذ إن ممارسة الألعاب الجماعيـة، تزوّد الطفل بقيم خُلقية، إضافةً إلى اكتسابه معارف ومفاهيم ومهارات سلوكـية، كالالتـزام بالدور والنظام واتّباع القواعد الناظمة (قطامي، 1990). ويكتسب الطفل المعارف والخبرات من خلال اللعب، مما يُنمِّي قدراته العـقلية كالتفكير والتمثيل (حافظ، 2002).
كما أنَّ اللعب وسيلة فعّالة في اكتشاف شخصية الأطـفال وإمكانـاتهم النفسـية والعقلية والثقافية، بالإضافة إلى أنه أداة تشخيص تكشف عمّا يعانيه الأطفال من اضطرابات سلوكية وانفعالية (الخوالدة، 2003).
وهو ما يؤكده الباحثان شارلز ولندا (Charles & Linda , 1988) فيما أشارا إليه من استخدام اللعب في إرشاد الطفل كضرورةً يفرضها النمو المعرفي المحدد للطفل في التعبير اللفظي عن المشاعر والأفكار، كـما أنّ اللعـب هو الوسـيط الطبيـعي للتعبير والاتصـال لديهم. إن المعلم الفاعل هو الذي ينظـم اللعب لطـلابه، ويوجِّـهه كأدوات لتنمية تفكيرهم، ويختار الألعاب التي تشجعهم على التفكير العلمي (الحيلة، 2003).
ويذكر بنكر(Bunker,1991) أنَّ الأطفال الذين يمارسون اللعب كانت ثقتهم بأنفسهم أعلى من ثقة الأطفال الذين كانوا منعزلين ولا سيّما اللعب والمهارات الحركية والأنشطة.(صوالحة، 2004).
ويذكر(صوالحة، 2004) أن اللعب يؤدي إلى تطوير القوى العقلية المعرفية عـند الأطفال الذين يمارسونه بكفايـة، وتتمثل دلالات النمو العقلي المعرفي في تطوير الخصائص العقلية بعامة التي يستدل عليها بإنماء القدرة على التفكـير، والتذكر والتصور، والتخيل، والتبصر، والملاحظة، والتحليل، وإدراك العلاقات، والتوقع والتنبؤ والتحكم، وزيادة الفهم لطبيعة الأشياء وخصائصها، واكتساب المعلومات ومفاهيم جديدة عنها.

 

د.يحيى القبالي
 

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.