الرسوم النباتية والهندسية..

 ويذكر عدد من الباحثين أن الفنانين الذين يزينون الصفحات المكتوبة ويذهبونها كانوا أرفع الفنانين قدرا بعد الخطاطين أنفسهم. يقوم الخطاط بإتمام عمله ثم يبدأ الفنان من بعده، وعلى الخطاط أن يترك أماكن فراغ في بعض الصفحات لترسم فيها الصور المطلوبة بعد ذلك، ومما يدلنا على هذا الأمر وصول عدد من المخطوطات بها هذه الفراغات دون رسوم إلينا، وبعد انتهاء الخطاط يسلم المخطوط إلى فنان إخصائي في رسم الهوامش وتزيينها بالزخارف، ثم إلى آخر لتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى وصفحاته الأخيرة وبداية فصوله وعناوينه وغير ذلك من الزخارف المتفرقة.

ولوجود بعض الأمور المرتبطة بالعقيدة الإسلامية خصوصا في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، نجد أن الفنان المسلم ركز على الرسوم النباتية والهندسية المذهّبة بعيدا عن الصور المجسمة للإنسان والحيوان، وأبدع الفنان المسلم في هذه الرسوم حتى بلغت الغاية في الاتزان والدقة وتوافق الألوان، بل أن هذه الزخارف أصبحت نماذج تنقل عنها الرسوم في التحف المعدنية والخزفية والمنسوجات والسجاد، وهو ما مكن مؤرخي تاريخ الفن من معرفة قسط وافر من تطور الرسوم والزخارف والعصور التي تنتمي إليها؛ ذلك لأن عددا كبيرا من المصاحف والمخطوطات المذهبة يحمل تاريخ إنتاجه وأحيانا كثيرة اسم الفنان.

وابتداء من القرن التاسع الهجري بدأ تطور جديد في الشكل الفني فقد أضيف للرسوم النباتية والهندسية التوسع في الرسوم الآدمية والحيوانية. ولم تكن الشعوب الإسلامية على درجة واحدة من التقدم في هذه الفنون التي كانت منذ البداية خليط من العناصر الساسانية والبيزنطية والقبطية، فضلا عن بعض الرسوم المنقولة عن كتب اليهود والمسيحيين الشرقيين، وكانت إيران من أكثر الشعوب الإسلامية تقدما في هذا المجال، فهناك إحدى مخطوطات الشاهنامة 831هـ 1427م يقال إن بها صورة الخطاط والمذهب والمصور الذين اشتركوا في إنتاجه وصوره السلطان بايسنقر الذي قدموا إليه هذا المخطوط.

وفي مصر نجد أن أبدع المصاحف المذهبة والمخطوطات تعود إلى العصر المملوكي، كما أن هذه الفنون لم تكن قاصرة على المصاحف والمخطوطات الإسلامية فقد كان الإنجيل والكتب الدينية المسيحية تذهب وتزين صفحاتها، ونرى ذلك واضحا في بعض المخطوطات المحفوظة في المتحف القبطي بالقاهرة وكان هناك تأثير وتأثر واضح بين الفنانين المسلمين في هذا المجال فنجد فناني تركيا تأثروا بفناني إيران، وكذلك فناني الأندلس والمغرب الأقصى كانوا لا يختلفون كثيرا عن الفنانين المصريين في أساليبهم الفنية. ومن أهم المخطوطات المذهبة الموجودة في دار الكتب المصرية مخطوط «بستان سعدي» للشاعر الإيراني سعدي الشيرازي الذي عاش في الفترة ما بين 1184 ـ 1291 تقريبا، وهذا الكتاب يحتوي على عشرة أبواب عبارة عن شعر سهل جميل في موضوعات: العدل، والحب، والقناعة، والتواضع، وقد ضمنها الشاعر بعض نوادر الملوك ورجال البلاط والأولياء وأبطال الحروب. ويذكر د. زكي محمد حسن أن أهمية هذا المخطوط تقود إلى أنه أساس ما يعرفه مؤرخو الفنون الإسلامية عن «بهزاد» أعظم المصورين الإيرانيين في كل العصور، فان فيه أربع صور يثق الأخصائيون بصحة نسبتها إلى هذا الفنان أكثر من ثقتهم بصحة ما ينسب إليه طمعا في الربح.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.