الـ(نوروز).. مناسبة عريقة تحمل في طياتها جميع العناصر الدينية والطبيعية والتاريخية

ويتميز تاريخ هذه الأرض الحضارية الموغلة في القدم بتراث خالد ظل أبناء المجتمع الإيراني متمسكين بالكثير من طقوسه وتقاليده على مر العصور؛ ويزخر هذا التراث التاريخي بأيام ومهرجانات وإحتفالات تعيد إلى الأذهان الكثير من الحكايات والأساطير والقصص والأحداث التي لعبت أدوراً مؤثرة وفاعلة في تاريخ ايران.

عيد نوروز هو أحد أهم الأعياد والإحتفالات التراثية التي يحرص الإيرانيون وباقي الشعوب الناطقة بالفارسية في آسيا الوسطى وغيرها من الشعوب التي تشترك معهم في التراث والتقاليد على الإحتفال بها.

وهناك آراء متباينة حول العوامل والأسباب التي أدت إلى ظهور عيد نوروز؛ فهناك من يرجع جذور هذا الإحتفال إلى الملك جمشيد. حيث يتفق المؤرخون وخبراء الأساطير الإيرانيون على أن الملك الأسطوري جمشيد (رابع ملوك الدولة البيشدادية الذين يعتبرون أقدم من حكموا بلاد فارس القديمة) هو أول من احتفل بعيد نوروز، واقتدى به الملوك والمواطنون فيما بعد.

كما اتفقوا على أن نوروز يحمل في طياته جميع العناصر الدينية والطبيعية والتاريخية. فاحتفالات هذا العيد تحمل الآن طابعاً دينياً إسلامياً يتمثل في الدعاء الذي يدعو به الإيرانيون أثناء تحويل العام، وهو (يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال)؛ كما يتمثل في وضع نسخة من المصحف الشريف في صدر سفرة تسمى السينات السبع، وهي سفرة توضع عليها سبعة أشياء أغلبها اصناف من الطعام يبدأ اسم كل منها بالفارسية بحرف السين، وهي: سبزي (خضراوات) - سيب (تفاح) - سنجد (عناب أو هو نوع من التمر الجاف) - سير (الثوم) - سكة (قطعة نقود معدنية) - سركة (خل) - سمنو (نوع من الحلوى المصنوعة من القمح).

وفي عيد نوروز الذي يحتفل به لكونه مناسبة جامعة للأديان والعادات والتقاليد، تعطل الإدارات الحكومية، والمدارس والجامعات ، وذلك لكي يتسنى للمواطنين الاحتفال والاستمتاع بهذا العيد المزدحم بالعادات والتقاليد الاجتماعية الإيرانية. كما تتبادل العائلات الزيارات والهدايا، ويتوجهون إلى المتنزهات والحدائق العامة، حيث الأشجار والورود والشمس المشرقة.

 وقد لعب عيد نوروز (اليوم الجديد) دوراً كبيراً في التعريف بالهوية الإيرانية والحفاظ عليها. وهو يبدأ مع إطلالة الربيع في 21 مارس من كل عام، ويستمر لمدة أسبوعين تقريباً؛ وهو عيد قديم وعريق حتى  أن عدداً كبيراً من الشعراء العرب أشاروا إليه في أشعارهم، وصار من الشائع في قصائد الشعراء العرب التعبير عن الربيع بنوروز، حيث يقول البحتري (206 - 284 ه):

ويستقبل الإيرانيون عيد نوروز بتنظيف منازلهم، وشراء أثاث جديد، وإصلاح الأجهزة والسجاجيد والملابس والستائر وسائر لوازم المنزل، وذلك إيماناً منهم بأن  يجلب البركة إلى منازلهم، ويجلب السعادة لهم في العام الجديد. وهذا يحدث أيضاً في الأجهزة والإدارات الحكومية. وتقوم البلدية بإستقبال العام الجديد بتنظيف الشوارع، والإهتمام بالأشجار وزرع الورود الربيعية. ويسافر البعض إلى المدن الإيرانية الأخرى. ومن عادات الإيرانيين القديمة في نوروز تذكر الموتى وتكريمهم، وزيارة المقابر في آخر يوم خميس في العام الإيراني، ووضع الأغذية (الحلوى - الفاكهة - المخبوزات - التمر) على القبور، والإكثار من وجوه البر والإحسان.

ومن عادات الإيرانيين أيضاً في هذا العيد ارتداء ملابس جديدة، وإقامة الاحتفالات في المدن. وقد تغلغلت هذه العادات في نفوس الإيرانيين، وأصبحت جزءاً من هُوّيتهم الوطنية. وإذا كانت المصادر التاريخية عادت بنوروز الذي يعد أكبر وأهم الأعياد القومية الإيرانية إلى عصر ما قبل التاريخ الحقيقي الموثق أي العصور الأسطورية فإن له بعداً قومياً، فهو العيد الوحيد الذي يجمع بين الإيرانيين جميعاً على اختلاف عقائدهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية، وهو العيد الوحيد الذي يجمع الإيرانيون على الابتهاج بقدومه والاحتفال به.

ختاماً ونحن على أعتاب فصل الربيع والعام الجديد وعيد نوروز نسأل الله تعالى أن يجعله عاماً سعيداً وأن يعم فيه السلام والخير والرفاه والأمن على جميع المسلمين من إيرانيين وغير إيرانيين وأن نشهد في العام الجديد إنتصار الحق على الباطل ويعيد الأمن والأمان للعالم بإنتظار ظهور الإمام الحجة المنتظر المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ليعلي راية الحق والعدل والسلام في العالم إن شاء الله.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.