المصدر: السياسة الدولية
بقلم: سامح راشد
بدأ التعليم فى إيران منذ ما قبل الفتح الإسلامى لها، لكنه لم ينتشر ويتخذ شكلا تنظيميا واسع النطاق إلا بعد دخول الإسلام عندما بدأ إنشاء المدارس فى القرن الحادى عشر وغلب عليها الطابع الدينى لعدة قرون حيث كانت وظيفتها الرئيسية تدريس علوم القرآن والفقه والحديث، ومع ذلك فقد وجدت فى هذه المدارس الفرصة لتدريس علوم دنيوية ثم زاد الاهتمام بها فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر إثر إنشاء مدرسة دار الفنون عام 1852 التى ركزت على تعليم العلوم الدنيوية خاصة العسكرية منها ثم تلى تلك المدرسة عدة معاهد أخرى لكنها متخصصة فأنشئت كليتان عسكريتان عامى 1883، 1886 ومدرسة لغات عام 1873 ومدرسة زراعة عام 1900 وأخرى للعلوم السياسية عام 1901 وفى غضون ذلك كان يتم إنشاء عدد من المدارس التبشيرية فى مختلف أنحاء إيران واتخذت معظمها مظهر مدارس تعليم اللغات لأبناء الطبقة الأرستقراطية، وتزامن مع ذلك تصاعد الرغبة لدى جموع الشعب فى توفير فرصة التعليم لجميع أبنائه فأنشئ مجلس المدارس الوطنية عام 1897 الذى تولى الإشراف على التعليم العام فأقام حتى عام 1901 عشرون مدرسة للتعليم الابتدائى والثانوى منها إثنتى عشرة فى طهران ويلاحظ على التعليم الإيرانى فى هذه الفترة الميل إلى الثقافة الفرنسية نظرا للعداء تجاه إنجلترا وروسيا فشاعت اللغة الفرنسية وكثرت البعثات التعليمية إلى باريس وزادت حركة الترجمة للكتب الفرنسية بل ودرس بعضها فى المدارس الإيرانية وصدر أول تنظيم تشريعى للتعليم عام 1911 ثم صدر قانون التعليم الإلزامى ـ 1942، ويلاحظ أن التعليم الدينى لم يدخل ضمن الإلزام رغم انتشاره، وبدا واضحا فى ذلك الوقت أن الشاه رضا خان يتجه إلى علمنة التعليم وتحديثه من خلال وضع نظام تعليمى هرمى وتوحيد المناهج لإلغاء التباينات فى المحتوى الذى تتضمنه وقسم السلم التعليمى إلى مرحلتين الأولى هى التعليم الابتدائى وتدرس فيه على مدى ست سنوات العلوم الدينية واللغتان الفارسية والعربية والتاريخ والجغرافيا والحساب، والمرحلة الثانية هى التعليم الثانوى ويستمر لست سنوات أخرى مقسمة بدورها على فترتين تضم الأولى مجموعة عامة من المواد ثم يتم التخصص فى القسم الأدبى أو العلمى فى الفترة الثانية وقد صاحب هذا التطوير محاولات لرفع مستوى المعلمين فأنشئ أول معهد لإعداد المعلم عام 1918 ثم صدر قانون إعداد المعلم 1934 وأنشئت كليات لإعداد المعلمين، وأدت هذه الإجراءات لتحسين أوضاع المعلمين نسبيا وتغيير صورتهم لدى المواطنين فارتفعت مكانتهم الاجتماعية خاصة بالنسبة للمعلمين الجدد وفى حين شهد النصف الأول من القرن العشرين خطوات للتخفيف من الاعتماد على التعليم الأجنبى مثل حظر تعليم الإيرانيين بالمدارس الابتدائية الأجنبية ثم تأميم المدارس الأجنبية كلها، إلا أن نفس الفترة شهدت اهتماما بتخليص النظام التعليمى من التقاليد الإيرانية التقليدية خاصة ما يتعلق منها بعزل المرأة وحرمانها من التعليم بصورة متكافئة وأقيمت أول مدرسة مختلطة فى إيران 1935، كما سمح للفتيات فى نفس العام بالالتحاق بالتعليم العالى ودخلت تغيرات كثيرة على التعليم الإيرانى فى النصف الثانى من القرن العشرين، بدأت بتبنى خطط تنموية خمسية اهتمت بالتخطيط للسياسة التعليمية، وتزامنت دخول ثم ازدياد الدور الأمريكى فى الحياة الإيرانية فاشتمل على مساعدات مالية وتقنية، واستقدام خبراء أمريكيين لوضع نظم وسياسات التعليم، وتولت جامعات أمريكية تطوير مشروعات تعليمية معينة كإدارة التعليم (جامعة كاليفورنيا) ، والتعليم الزراعى (جامعة يوتا) كذلك تولى خبراء من اليونسكو التخطيط لتوزيع مجالات التعليم حسب الاحتياجات الوطنية ومتطلبات التنمية لكن لم تثمر هذه الخطط بشكل كبير نظرا لعدم توافق الاتجاه الاجتماعى فى التعليم معها فلم تلب معدلات الخريجين المطلوبة فى مجالات معينة فى الوقت الذى زاد فيه خريجو تخصصات أخرى عن القدرة الاستيعابية لسوق العمالة الإيرانى وظهرت مشكلة عدم التوازن هذه بشدة فى الفترة من نهاية الستينيات إلى أوائل السبعينيات، وقامت الدولة إزاء ذلك بالعمل على الحد من هذا الاختلال بتعديل النظام التعليمى بما يوازن بين مدخلات ومخرجات العملية التعليمية، فتم تعديل التقسيم الزمنى للمراحل التعليمية وأدخلت تعديلات على المواد التى تدرس فيها من حيث النوع والحجم والمضمون المنهاجى، كذلك زاد الاهتمام بالتعليم الجامعى تحديدا وأصبح أكثر تنظيما وتركيزا على المستوى العلمى للطلاب ولأعضاء هيئات التدريس فعلى سبيل المثال أصبحت ترقية الأساتذة الجامعيين وفقا لمعايير موضوعية تتعلق بالكفاءة ومستوى المؤهلات والتراكم العلمى وليس وفقا لمعيار العمر والأقدمية فقط كما كان الحال لكن يؤخذ على التعليم الإيرانى عبر مراحله التاريخية بصفة عامة أنه كان يوجه جل تركيزه إلى العاصمة طهران وبعض المدن والمناطق الحضرية الأخرى، فكان نصيب المناطق الريفية ضئيلا كما وكيفا، كذلك لم يكن التعليم إلزاميا بالدرجة المطلوبة لذا زادت نسبة الأمية مما حدا بالسلطات الإيرانية إلى الالتفات فى السنوات الأخيرة لعهد الشاه إلى الاهتمام بمحو الأمية كما ظلت المعادلة بين المدخل والمخرج التعليمى غير متوازنة فظل الخلل فى التخصصات المطلوبة قائما ومع قيام الثورة الإسلامية كان التعليم أحد أكبر التحديات التى أولتها اهتماما خاصا، وترجع هذه الأهمية للطابع الغربى الذى اتسم به التعليم الإيرانى فى العهد الإمبراطورى فوضعت الثورة فور توليها مقاليد الأمور أسلمة التعليم كهدف أساسى للسياسة التعليمية مما أدى ـ نتيجة للصعوبات التنفيذية التى واجهت تحقيق هذا الهدف ـ إلى إيقاف الدراسة بجميع مراحل التعليم لمدة الأربع سنوات الأولى عقب قيام الثورة وقد استغلت هذه الفترة فى عقد المؤتمرات ووضع الخطط التى تكفل إضفاء الطابع الإسلامى وإعادة التعليم الإيرانى إلى المرتكزات الثقافية والأيديولوجية للدولة الجديدة، وفى نفس الوقت مع الاستمرار فى مسألة التحديث والتطوير لنظم التعليم ثم بدئ بعد إجراء هذه المراحل التخطيطية فى إدخال التعديلات الهيكلية والمنهجية التى تم التوصل إليها أهداف السياسة التعليمية:ـ توضع أهداف السياسة التعليمية للدولة وفقا للقيم والغايات التى تحكم حياة المجتمع، وتسعى تلك الأهداف لبلورة الفلسفة العامة المحركة لنشاط المجتمع وسلوكياته، وبذلك تنقسم أهداف وغايات السياسة التعليمية إلى قسمين رئيسيين يتعلق أولهما بالإطار العام المرجو من النظام التعليمى ويتضمن الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى، ويرتبط القسم الثانى بالأهداف التكتيكية التى توضع لكل مرحلة تعليمية أو لكل عملية تعليمية بمفردها بحيث توظف تلك الأهداف مجمعة بشكل تكاملى ليخدم الأهداف العامة أ ـ الأهداف العامة:ـ قامت الثورة بتحديد هذه الأهداف وفقا للمجالات المعرفية المختلفة التى تضمها السياسة التعليمية وهى:ـ العقيدة :ـ ترسيخ مبادئ وتعاليم الإسلام فى إطار المذهب الشيعى الإثنى عشرى السياسة :ـ وضع الأشكال والأنماط التى تسير الحياة السياسية وفقا لمبدأ إطلاقية السلطة لله على العباد، لذا يتولى السلطة الشخص الأقرب للتعاليم الإلهية (الولى الفقيه) ، ومقاومة جميع أشكال الظلم والاضطهاد، والدفاع عن المستضعفين فى الأرض أفرادا أو شعوبا الاقتصاد:ـ التركيز على مبدأ الاكتفاء الذاتى وغرس الإيمان به فى القوى البشرية العاملة، وزرع قيم ومبادئ تخدم الخطط التنموية الاقتصادية مثل الوسطية فى الاستهلاك وعدم الإسراف فى الإنفاق، وتشجيع الادخار الثقافة:ـ العناية باللغتين الفارسية والعربية لتثبيت الروابط التراثية للشخصية الإيرانية، ولتحقيق فهم أعمق للقرآن والمبادئ الإسلامية الاجتماع:ـ إعلاء قيمة الأسرة والعلاقات الاجتماعية المستندة على المعايير الإسلامية، وترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين ب ـ الأهداف المرحلية:ـ المرحلة الابتدائية:ـ تعليم التلاميذ المهارات التعليمية الأساسية القراءة، الكتابة، التذكر، التفكير، الخ) ، وكذلك الاهتمام بالنواحى الصحية والبدنية للأطفال المرحلة المتوسطة (الجزء الأول من المرحلة الثانوية) :ـ تنمية القدرات العقلية والابتكارية للتلاميذ، وكشف ميولهم واستعداداتهم للنبوغ فى مجالات معينة المرحلة الثانوية:ـ تنمية وتطوير إحدى أو بعض المهارات والملكات التى يتميز بها الطالب، وتهيئته للاتجاه إلى نوعية الدراسة الجامعية أو الحياة العملية التى تتفق وإمكانياتهم مرحلة التعليم العالى:ـ استيفاء احتياجات المجتمع من التخصصات المطلوبة فى سوق العمل، وإجراء الدراسات والأبحاث التطبيقية التى تسهم فى خدمة قضايا المجتمع وتسعى الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ قيام الثورة إلى تحقيق هذه الأهداف العامة والمرحلية، وقامت فى هذا السبيل بمحاولة إدارة النظام التعليمى بشكل متطور عما شهده التعليم الإيرانى فيما قبل الثورة إدارة النظام التعليمى:ـ ظلت العملية التعليمية فى إيران تسير بمركزية شديدة حتى منتصف القرن العشرين، حيث كانت وزارة المعارف هى المشرفة على جميع جوانب العملية التعليمية بكل جوانبها وفى جميع المناطق الإيرانية، وانقسمت الوزارة إلى قسمين :ـ فنى يختص بالجوانب التعليمية، وإدارى يتولى المسائل المالية والإدارية وقد انعكست المركزية التعليمية بصورة واضحة على الأداء التعليمى فى إيران حيث كانت المدارس ترجع للوزارة فى كل الأمور مهما كانت بسيطة، وكانت الأنظمة والتعليمات تطبق بعمومية كاملة على جميع المدارس بما فى ذلك الجداول الدراسية اليومية، ونتج عن هذه المركزية بطء شديد فى تدفق العملية التعليمية فنيا وإداريا وأصيب التعليم الإيرانى بضعف كبير فى الاتصال بين أركانه رأسيا وأفقيا مما أدى بالتالى لزيادة الفجوة بين إيران والدول الأخرى خاصة الغربية رغم اتسام التعليم الإيرانى فى هذه الفترة بالطابع الغربى لكن ذلك تركز أساسا على المنهج والمضمون وليس على إدارة العملية التعليمية وبدءا من عام 1968 اتجهت الدولة إلى التخفيف من درجة المركزية التعليمية فقسمت وزارة المعارف ـ بعد أن تغير اسمها إلى الثقافة ثم التربية والتعليم ـ إلى ثلاث وزارات:ـ التربية والتعليم، العلم والتعليم العالى، الثقافة والفنون الجميلة وتولت وزارة التربية والتعليم مجالات التعليم العام والفنى ومحو الأمية وتعليم الكبار والتعليم الخاص، وأصبحت الجامعات والمعاهد العليا تدخل فى نطاق مسئوليات وزارة العلم والتعليم العالى إضافة إلى تطوير البحث العلمى، بينما أشرفت وزارة الثقافة على الأنشطة الثقافية كالمكتبات العامة والمتاحف والتعليم الموسيقى والفنى وبعد الثورة أعيدت مهام التعليم العالى إلى وزارة التربية والتعليم التى قامت بدورها بتفويض بعض صلاحياتها لوحدات إقليمية هى المديريات التعليمية كذلك تم تشكيل هياكل سميت ـ المجالس التعليمية المحلية ـ على مستوى المدن والأحياء بهدف إشراك المواطنين فى تسير العملية التعليمية كذلك أنشئت مديريات تتبع الحكومة مباشرة (تابعة رسميا لرئيس الوزراء الذى هو نفسه رئيس الجمهورية) وتتولى هذه المديريات بعض الفروع التعليمية كالدراسات الدينية والمنح ومراكز تعليم الكبار الدينية ومختلف أنشطة الأوقاف التعليمية والتربوية، كذلك المديرية العامة للرياضة ورعاية الشباب ومنظمة الشباب كذلك أصبح هناك اهتمام متزايد بالتعليم المرتبط بالبيئة المحلية سواء من حيث اللغات واللهجات التى تستخدمها بعض الأقليات أو نوعية المواد العلمية والمعرفية الملائمة لكل إقليم هيكل النظام التعليمى:ـ يضم النظام التعليمى الإيرانى خمس مراحل رئيسية تبدأ بمرحلة رياض الأطفال ثم تتولى المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم التعليم العالى ـ رياض الأطفال :ـ تمثل المرحلة التمهيدية للمرحلة الابتدائية، تبدأ من عمر خمس سنوات لمدة عام واحد تدرس فيه مبادئ اللغة الفارسية ويجذب انتباه الطفل للاهتمام بالتعليم ـ المرحلة الابتدائية:ـ هى المرحلة الإلزامية الأولى وزادت الثورة السنوات الإلزامية لتصبح ست سنوات بعد أن كانت خمسا فى العهد الإمبراطورى، وبدأت فى الفترة الأخيرة تنتشر المدارس الأهلية وتتلقى إعانات مالية وعينية من الوزارة ـ المرحلة المتوسطة:ـ يطلق عليها المرحلة التوجيهية وتستمر ثلاث سنوات ويلتحق بها الطلاب من سن 11 ـ 13 عاما ـ المرحلة الثانوية:ـ مدتها أربع سنوات، وهى ليست إلزامية لكنها أصبحت مجانية مع الحكم الثورى الإسلامى وينقسم التعليم الثانوى إلى ثانوى عام وآخر فنى وحرفى وينقسم الثانوى العام بدوره إلى قسم علوم تجريبية، وقسم العلوم الإنسانية ويتم التخصص من العام الأول ـ التعليم العالى:ـ يضم الجامعات والمعاهد العليا وأى مؤسسة تعليمية لما بعد المرحلة الثانوية، وأكبر الجامعات الإيرانية هى جامعة طهران التى أنشئت عام 1934، بالإضافة إلى عدد من الجامعات الإقليمية أبرزها جامعات تبريز، ومشهد وأصفهان، وشيراز، والأهواز ويضم التعليم الجامعى جميع التخصصات العلمية والإنسانية والتطبيقية، ويتم الالتحاق بالتعليم العالى بعد إجراء اختبارات قبول لخريجى المرحلة الثانوية مستجدات التعليم فى إيران:ـ طرأت بعض التطورات على الجوانب المختلفة التى عرضناها فى السطور السابقة وهى تطورات حديثة بدأت فى العامين الأخيرين فى إطار الاهتمام الشخصى من الرئيس (السابق) هاشمى رافسنجانى برفع المستوى التعليمى للمواطن الإيرانى ومن أهم هذه التطورات والمستجدات التى أدخلت على النظام التعليمى إتباع نظام الفصل الدراسى فى جميع المراحل بدءا من الابتدائية وحتى الجامعة كما أصبحت المواد الدينية أساسية والنجاح فيها إجباريا حتى ينتقل التلميذ أو الطالب للسنة التالية كذلك قسمت المرحلة المتوسطة إلى ثلاثة فروع (نظرى/ فنى/ علمى) وسميت بالمرحلة الإعدادية وعلى مستوى الجامعات تم إنشاء الجامعة الإسلامية الحرة وتتولى تدريس علوم دنيوية بالتوازى مع ما تدرسه الحوزات الدينية .
واستمرت النهضة العلمية..
جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة الأهرام 2015 سياسة الخصوصية
اکتب تعليق جديد