الشيخ المفيد .. العالم والموسوعي المحاور

في أيام حياته كان الشيخ المفيد رضوان الله عليه مشهور بغزارة علمه وكان يعتبر من أعلم أهل عصره. ومن هنا كان يُطلق عليه عدة ألقاب وكان أشهرها «الشيخ المفيد» تعبيراً عن علو مقامه العلمي.

ولد الشيخ المفيد سنة 336 للهجرة (948 ميلادي) وفي مصادر أٌخرى كانت ولادته سنة 338 للهجرة في مدينة عكبرا في العراق ونشأ منذ صغره في بغداد. وفيها ترعرع الشيخ المفيد وتلقى علومه وقم فيما بعد في التعليم فيها. ولذلك يلقب أحياناً بالبغدادي. وقد كان مركز إقامته على الأغلب في الكرخ أحد قسمي مدينة بغداد الذي يشكل المسلمون الشيعة فيه الغالبية العظمى من قاطنيه. ولذلك يلقب أيضاً أحياناً بالكرخي.

كان الشيخ المفيد من المسلمين الموالين للأئمة الإثني عشر (ع). ويمكن القول بأنه في الحقبة التي عاش فيها كان أتباع أهل البيت عليهم السلام يتمتعون بحرية نسبية نظراً لسيطرة البويهيون على زمام الحكم في بغداد والذين كانوا لا يخفون ميلهم للتشيع. وينحدر البويهيون من منطقة ديلم في إيران وقد تمكنوا من الاستيلاء على بغداد سنة 334 للهجرة.

وفي مثل هذه الظروف ترعرع الشيخ المفيد وأُتيح له التتلمذ على يد الفقهاء الجعفريين وصار فيما بعد من أكبر فقهائهم حيث كان زعيم الطريق العقلي عند المسلمين الشيعة وعمل على ترسيخ طريق العقل في إحقاق المذهب الشيعي.

درس الشيخ المفيد أصول الكافي على يد العلامة الكبير ابن قولويه القمي الذي كان من أشهر رواة الحديث عند المسلمين الشيعة في القرن الرابع الهجري. ومن أساتذته كان أيضاً العلامة الكبير ابن بابويه المشهور بالشيخ الصدوق أيضاً.

وكان من تلامذة الشيخ المفيد الأخوان الشريف الرضي وأخوه الشريف المرتضى. وكان العلامة الشيخ الطوسي أيضاً أحد تلامذة الشيخ المفيد.

أما مؤلفات الشيخ المفيد رضوان الله عليه فبلغت كماً هائلاً حيث أنها تفوق 200 مؤلف من مختلف الأحجام في الكثير من أبواب علوم الفقه والعلوم الإسلامية نذكر منها هنا كتاب الإرشاد الذي ترجم إلى عدة لغات ومنها اللغة الألمانية والمسار لمواسم الأعياد والنكت الاعتقادية لدراسة أصول الدين والمقنعة لدراسة فروع الدين وتصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد والفصول العشرة في الغيبة مسار الشيعة والكلام في وجوه إعجاز القرآن وغيرها من ذخائر الكتب.

إلى جانب كل ذلك كان يعرف الشيخ المفيد بتقاه وورعه وزهده وأخلاقه العالية وحب أتباع أهل البيت (ع) له لما كان له من أمقام كبير في العلم والتقوى.

كان للشيخ المفيد أثراً كبيراً في ترسيخ أصول المذهب الشيعي وإنشاء بناء منهجي عقلاني يمنهج العلوم الغزيرة المتوفرة لدى المسلمين الشيعة ويوحدها في منهج علمي وفكري يسهل على عشاق أهل البيت عليهم السلام دراسة منهج الأئمة الإثني عشر (ع) والالتزام بولايتهم.

توفي الشيخ المفيد رضوان الله عليه سنة 413 هجرية (1022 ميلادي) عن عمر يناهز 75 سنة. وقد شارك في جنازته كماً هائلاً من الناس وأمّ صلاة الميت عليه تلميذه الشريف المرتضى. دفن الشيخ المفيد بادئ الأمر في داره و فيما بعد نُقل إلى الكاظمية ليدفن بالقرب من الإمام محمد الجواد (ع) إلى جانب شيخه العلامة جعفر ابن محمد ابن قولويه. مدح العلماء والعقلاء في الشيخ المفيد يفوق إحصاءه هنا.

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.