الحسابات الربانية الرمضانية

وها هي أبواب الجنان تُفتَّحُ في رمضان، وتُغلَّقُ فيه أبواب النيران، وها هو ذا المنادي يُنادي: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغيَ الشر أقصِرْ، وهاهم عتقاءُ الله في كل ليلة في موكب بهيج، فيا سعادة مَن تَحرَّر من رِبْقةِ الإباق، وأعدَّ ليوم التلاق، وملأ الميزان بالأعمال، وخفف عن كاهله الأثقال، أخذ من صالح الأعمال من كلِّ فن بطرف، وسابق إلى الصالحات ومنها نال وغرف، له في كل صنف حساب وعنوان، فهو دائب السير في كل وقت وآن.

من هنا جاءت فكرة التذكير بهذه الحسابات والعناوين الربَّانيَّة التي يَغفُلُ عنها الناس، بينما تراهم يُولُون اهتمامات كبرى للحسابات والعناوين الدنيوية.

وإذا كان أيُّ خطأ في الحسابات والعناوين الدنيوية له ثمنُه الغالي؛ بحيث قد تضيع أموال المرء إذا نسِيَ رقماً، أو أخطأ فيه، أو قد تضيع منه أوراق ثمينة، أو رسائل قيِّمة إذا حرَّف العنوان، أو صحَّف، أو غيَّر أيَّ شيء فيه، فإن الحاجة مُلحِّة إلى ضبط العناوين والحسابات الأخروية؛ فإخلاص النية، وتوحيد الهدف، والوِجْهة، من الأهمية بمكان؛ فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً، خالصاً لوجهه، وعلى منهاج وسنة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110].

فإلى بعض هذه الحسابات الربانية الرمضانية المستقاة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:

1- حساب شرفي: كثيراً ما نسمع بأن فلاناً هو الرئيس الشرفي للنادي الفلاني، أو الجمعية الفلانية، وكثيراً ما يتسابَقُ الناس إلى نيل المناصب الرفيعة، والمقامات المنيفة، ومصاهرة أُولِي الحسب والنسب الشريف، وهو أمر لا يعارضُه الشرع، إلا أن اعتبار ذلك هو أسمى الغايات، وأنبل الأهداف، مع فقر مدقع في الجانب الأخروي، هو ما يجبُ التنبيه عليه.

2- حساب بنكي: يَدَّخِرُه الله عز وجل لعبده، ويربيه له كما يربِّي أحدنا فلوَّه؛ يقول سبحانه وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة: 245].

3- حساب إلكتروني: ويشمل صلةَ الأرحام، فليست الحسابات الإلكترونية موضوعة للقيل والقال، بل على المرء استغلالُها للتَّزاورِ في الله، وصلة أحبابه وأقربائه، خصوصاً بعد أن أصبح الإنترنت مدمجاً في الهواتف، فمن بَعُدَت به الشقَّة تواصل مع عائلته وأصهاره وإخوانه في الله وفي الرحم بوسائل العصر التي مهَّدت السبيل، ولله الحمد.

4- حساب بريدي: للتعارف بين الأمم والشعوب، وتبليغ رسالة الله للمسلمين والعالمين؛ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

5- حساب غيبي: يشمل الدعاءَ للوالدين والأقربين وللمؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أحياء وأمواتاً؛ يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] هذه صفات المؤمنين والصالحين، يعرفون الفضل لأهل الفضل، وليس كشأن بعض الطوائف الذين يسبُّون سَلَفَهم، ويَتَّخذون ذلك ديدنَهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ألا ساء ما يفعلون.

6- حساب لساني: ويشمل الذِّكرَ بشتَّى أصنافه وأنواعه في سائر الأوقات، وفضله في القرآن والسنة أشهر من نارٍ على علم.

7- حساب رقمي: يشمل حضورَ مجالس العلم في المساجد، وما أكثرَها في شهر الغفران، ففي هذا الشهر الفضيل تجد بيوت الله كخلايا النحل، تعجُّ بالمصلين والذاكرين.

8- حساب مفتوح: يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [8].

فاجعل أخي المسلم حسابك مفتوحاً لا ينقطع عنك منه المدد الإلهي، والفضل الرباني بالعناية بهذه الخصال الثلاث: الصدقة الجارية، والعلم النافع، والأبناء الصالحين.

المصدر: الوفاق

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.