والهدف الأساس تطوير منهجي مبنيّ على الضوابط الإسلامية

 

تتابع "رسالة النجف" في هذا العدد، ملف الحوزات العلمية في لبنان، وتنشر فيما يلي الحلقة الخامسة، وتتضمن تحقيقًا عن الحوزة العلمية "معهد الرسول الأكرم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية" في بيروت - حارة حريك.

علاقة السياسة بالدين، باب جدل مفتوح، كان ولا يزال على الساحة الإسلامية، وقد اشتدّ في السنين الأخيرة نظرًا للتطورات الاستثنائية والظروف الخاصّة التي يمرّ بها العالم الإسلامي، والتي شكّل في سياقها انتصار الثورة الإسلامية في إيران تحوّلاً تاريخيًا في مجريات ما يدور من صراعات في المنطقة العربية الإسلامية، خاصّة بعد أن أثمرت هذه الثورة أول جمهورية إسلامية في العصر الراهن، فلعبت دورًا حاسمًا في انبعاث نهضة إسلامية من جهة، وفي اشتداد الهجمة الغربية على الإسلام المتجدّد لمحاصرة طموحاته في التحرّر والتقدّم والتطوّر من جهة أخرى.

ومن تعبيرات ذلك الجدل في لبنان تأسيس الحوزة العلمية "معهد الرسول الأكرم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية" عام 1404هـ الموافق لسنة 1984م، إذ أريد لهذه الحوزة منذ تأسيسها أن تكون أحد الردود على ما تعيشه الساحة اللبنانية، وخاصة الإسلامية، من حالة انكسار وانهزام بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، فكان تأسيس الحوزة أحد التعبيرات عن مواجهة التحدّيات التي يتعرّض لها المجتمع الإسلامي في لبنان، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي والفكري عبر المساهمة في تلبية احتياجات هذا المجتمع للكوادر العلمية والثقافية في مجال الشريعة والدراسات الإسلامية.

دور تاريخي

فإلى أي حدّ نجحت هذه الحوزة في تحقيق أهداف وضعتها أو في سدّ فراغ فكري وثقافي وديني ندبت نفسها لملئه؟ وهل شكّلت بذلك امتدادًا لدور الحوزة الدينية عبر التاريخ؟ وهل للحوزة دور سياسي ؟ وما هي حدوده؟

عن هذه الأسئلة وغيرها يجيب المدير العام في حوزة معهد الرسول الأكرم  سماحة الشيخ علي سائلي الذي تحدّث في البدء عن دور الحوزة عبر التاريخ فقال:

في كل مجتمع ديني إسلامي هناك حاجة إلى مؤسسات أو جامعات خاصة بتربية علماء الدين والمثقفين والباحثين والكتّاب المعنيين بهذه الساحات العلمية، والاسم المصطلح لهذه المؤسسات والجامعات هو "الحوزة"، ولأن الأمر كذلك فإن الحوزة نشأت في أوساط المسلمين منذ قرون طويلة، بسبب الحاجة الماسّة إلى وجودها لتلبية احتياجات المسلمين، وتدريجيًا بدأت تتشكّل الحوزات في معظم البلدان بشكل عفويّ، إلى أن قام الشيخ الطوسي (رضوان الله عليه) بترسيخ حوزة علمية قديرة وقويّة في بغداد فالنجف الأشرف، ثم تطوّرت الحوزة على مرّ الزمن إلى وقتنا هذا، وكانت وظيفتها الأولى تربية عناصر علمية قويّة وتخريج كوادر إسلامية كفوءة لتعليم الناس أحكام الإسلام ومعارفه ومفاهيمه، وتبيان أمورهم الدينية.

وإذا كانت تلك هي الوظيفة الأساسية للحوزة فيجب أن تتطوّر الحوزة على حسب تطورات المجتمع ليكون هناك انسجام بين دور الحوزة وبين احتياجات المجتمع الدينية.

ولذا يجب أن تستمر الحوزة في التخطيط وتطوير العمل، سواء لناحية ما يتمّ تعليمه فيها أو لناحية كيفية التطبيق والتوجّه للناس.

□ هل نجحت الحوزة في تلك الوظيفة في الماضي؟

◊ عندما نقيّم ملف الحوزة بالنسبة إلى الماضي، فالجواب نعم، الحوزة كانت ناجحة.http://www.al-najaf.org/resalah/4/images4/1.jpg

□ واليوم؟

◊ اليوم نجد مسألة هامّة وهي أن الأمور الاجتماعية، والأحداث التي تجري في المجتمع متسارعة جدًا، ويطلب من الحوزة أن تجدّ في مواكبة المستجدّات والتطوّرات المتلاحقة، وهنا لا بد من القول إننا حين نتحدّث عن وجوب التطور في الحوزة فإنما نقصد نوعًا من الفقاهة  والاجتهاد، بمعنى تطبيق ما يتطلّبه المجتمع من شؤون فردية وعامة على الأسس والثوابت الدينية الفقهية والأصولية، فمن الوظائف المنوطة بالفقيه متابعة المسائل المستحدثة والإجابة عنها، ولا بد له من الإحاطة بما يتعلق بإدارة شؤون الدولة من إصدار القوانين الموافقة للشرع والمواقف السياسية الحافظة للأمة، وهذا ما تمثّل أخيرًا بصورة بارزة في الإمام الخميني رضوان الله عليه في ثورته المظفرة وتأسيسه للجمهورية الإسلامية في إيران

ولتلبي الحوزة في عصرنا هذا هذه الحاجات في ظل التطورات المتسارعة في شتى مجالات الحياة الفردية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية، تحتاج إلى مبادرة سريعة للتخطيط والبرمجة وخطوات حثيثة في الإعداد والتأهيل لخرّيجيها حتى تسدّ الفراغ الذي قد يكون حدث من جراء ذلك.

□ هل هناك قصور عن التطور لدى الحوزة وعدم قدرة على اللحاق بالتطورات العصرية الهائلة على كل الصُّعد كما قد يعتقده البعض؟

◊ بالنسبة للمنابع الإسلامية لا يوجد أيّ قصور أو مشكلة، قال الإمام الخميني (رضوان الله عليه) في رسالته الأخيرة قبل رحيله قال: "الفقه علم إدارة المجتمع" فنحن إذا درسنا الفقه من هذا المنظار الواسع لن يقتصر عملنا في المساجد على تعليم الناس بعض الفروع العبادية فحسب، فإذا كان لدى البعض قصور فهو يعود إلى عدم دخوله إلى الفقه من هذا الباب.

ومدراء الحوزة يعملون فعلاً على تحديث البرامج وأساليب التدريس وإضافة المواد والتخصصات لتلافي التقصير في اللحاق بركب التطور. وخطوا خطوات كبيرة وجدية في هذا الشأن، لكن عندما ننظر إلى الماضي نجد أن الحوزة كانت تتطور باستمرار، أما عندما ننظر إلى الحاضر فنجد أننا لم نصل بعد إلى المطلوب.

□ تطبقّون في حوزة الرسول الأكرم  (صلى الله عليه وآله) أساليب تطويرية وتعليمية جديدة، حدّثونا عن ذلك وهل نجحتم في هذه التجربة؟

◊ منذ سنوات تقام في حوزتنا ندوات علمية أحيانًا داخلية بين طلابها، وأحيانًا تكون الندوات مشتركة بين طلابنا وبعض الهيئات الخارجية، ودائمًا يكون هذا الموضوع من الموضوعات الرئيسة في البحث والنقاش والحوار. ومؤخرًا اتخذ مجلس الإدارة قرارًا جديدًا وهو أن نقيم بدل هذه الندوات ندوات أخرى تخصصية ندعو إليها مدراء سائر المدارس والحوزات، لإجراء أبحاث ونقاشات وحوارات معمّقة حول موضوع معين نحاول من خلالها الإجابة على كثير من الأسئلة المطروحة على هذا الصعيد. فمثلاً هل عدد الطلاب المنتقلين من المرحلة الأولى إلى المراحل العليا يتقلّص، الحقيقة نعم يتقلّص، لماذا؟ نستطيع أن نقيم ندوة حوارية تخصصية وندعو من كل حوزة مدير قسم التعليم ومدير القسم التربوي للتحدث حول هذا الموضوع، ثم في ندوة أخرى نبحث في موضوع آخر، كموضوع كيفية تطوير الأمور التربوية في الحوزات، أو في الأمور التعليمية، وهكذا. وأتصور - إذا نجحنا وإن شاء الله ننجح - بعد ذلك يمكن أن نخرج بتصورات علمية متقاربة حول المواضيع الخاصة بالحوزات ومناهجها وأساليب التعليم فيها.

□ دعوة لمؤتمر حوزوي؟

◊ تقريبًا، لبحث الموضوعات الخاصة وطرح الأفكار التطويرية على طاولة البحث والنقاش والحوار.

□ محاولة لطمأنة الخائفين من طروحات التطوير؟

◊ نعم، والهدف الأساس تطوير منهجي مبنيّ على الضوابط الإسلامية. الإمام الخميني (رضوان الله عليه) كان دائمًا يقول: "أنتم تستطيعون"، وأعتقد أننا نحن نستطيع.

□ ما رأيكم بالدور الذي يقوم به سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني في العراق؟

◊ بالنسبة إلى الساحة العراقية، فإن وجود السيد السيستاني هنالك في تلك الأوضاع الرهيبة التي يعيشها البلد من جراء الاحتلال الأمريكي وحلفائه كان خير ضمان لمنع تخريب الحوزة في مرحلة من المراحل بعد دخول الاحتلال، ومن ثم فإنه حفظه الله دخل المعركة في الوقت المناسب، واستطاع أن يجمع الشرائح المختلفة من المسلمين الشيعة ومن ثمّ شكّل بمواقفه الحصن الحصين لوحدة المسلمين في العراق في وجه مخططات الفتنة، ومن ثمّ حقّق إنجازًا في الحثّ على المشاركة في الانتخابات وإحراز نتائج غير مرتقبة، فلم تأتِ نتيجة الانتخابات كما اشتهى وأراد الأميركيون، كل تلك النجاحات والانجازات جعلته حفظه الله محورًا ومداراً لوحدة المسلمين ووحدة أهل العراق.

تجربة.. ودعوة للتطوير

بعد تأسيسها، سريعًا شقّت حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) طريقها إلى البروز كصرح علمي إسلامي فاعل ومنتج، لتنضم لاحقًا إلى "المؤسسة العالمية للحوزات والمعاهد العالية للعلوم الإسلامية". ومن ثم لتتحوّل إلى أحد أبرز مراكز الحوار والبحث في ميدان التربية والتعليم وتطوير المناهج والخطط التربوية التعليمية الداعية إلى إعادة النظر بالمناهج وطرائق التدريس في الحوزات، بما ييسر سبل الدراسة أمام الطلاب من جهة، ويحفظ عمق الأصالة الحوزوية والمنهج الاجتهادي والفقهي من جهة ثانية، ويتيح مواكبة التطورات العلمية المعاصرة من جهة ثالثة.

هذه الدعوة، من جهةٍ، تلقى ترحيبًا من أوساط حوزوية مؤيدة لخوض غمار هذه التجربة الساعية إلى التطوير ومواكبة المعارف العصرية، وتُواجه من جهة أخرى، بالشك والحذر، وأحيانًا بالرفض من أوساط حوزوية أخرى تعتبرها بداية لتغيير مسار تاريخي سارت عليه الحوزة إلى عصرنا الراهن، وتبدي مخاوف من أن تؤدي هذه التجربة إلى الانتقاص من مكانة الحوزة وفاعليتها ودورها.

عن هذه المواضيع وغيرها تحدث مدير التربية والتعليم والبحث العلمي في المعهد سماحة الشيخ حسن الهادي في الحوار التالي:

□ حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنتهج تجربة جديدة، في المناهج، والأهداف والأنظمة، وطريقة التدريس، وتقسيم الدراسة الحوزوية، وهو ما يثير انتقادات أو مخاوف لدى الكثيرين الذين يعتبرون أن مثل هذه التجربة تحمل في طياتها إلغاءً للحوزة ويحوّلها إلى ما يشبه الجامعات أو المعاهد الأكاديمية؟

◊ إذا اعتبرنا أن الحوزة هي الجهة المسؤولة عن العلوم الإسلامية والمعنيّ الأول بصياغة الفكر الإسلامي وأصوله، فلا بد من النظر الدائم في كل المناهج والبرامج، على ضوء العلوم والمعارف الحديثة وما يستجدّ منها، وهذا ما يؤدي أحيانًا إلى الخروج عن بعض العناوين الشكلية التي لا علاقة لها بالأصالة، كترتيب المراحل الدراسية مثلاً، فنحن نبحث عن الوسائل التي تحقّق أهدافنا التعليمية التي نستطيع من خلالها أن نبني طالبًا وعالمًا ملمًّا بالعلوم والمعارف الإسلامية من جهة، وعالمًا يملك القابليات لينطلق في عملية الاجتهاد والاستنباط من جهة أخرى، وهذا المسار ليس إلا امتدادًا لنشاط منهجي وعلمي كبير ابتدأ في الحوزة العلمية في قم المقدسة، وهو يراعي أولاً عمق وأصالة الحوزة العلمية وقضيةhttp://www.al-najaf.org/resalah/4/images4/2.jpgالاجتهاد وبناء الفكر الإسلامي، وثانيًا النظر في الحاجات الواقعية للمجتمعات الإسلامية بموضوعية، وهذا ما يتطلب بناء منهج يوائم بين الأصالة الحوزوية والمنهج الاجتهادي والفقهي وبين حاجات المجتمع والأمّة،  فهو إذن مسار مواكبة وليس إلغاء، وهو ينطلق من الأسس والمرتكزات التي وضعها علماؤنا وفقهاؤنا للعلوم والدراسات الإسلامية، وأعتقد بأننا لا نحتاج إلى استيراد علوم من خارج دائرة العلوم الإسلامية لنضمها إلى برنامج الحوزة، ومنها علوم أساسية يجب على الحوزة العلمية أن تتصدّى لها، شاءت أم أبت، كعلوم القرآن ومناهج التفسير والمفسّرين، وعلم الكلام الإسلامي، والفلسفة الإسلامية، والمذاهب والأديان السماوية، والفرق الكلامية الكثيرة، وكلّها تحتاج إلى إعادة قراءة منهجية.

هذه العلوم بالإضافة إلى علمَي الفقه والأصول، تحتاج كلّها إلى المزيد من الاهتمام داخل الحوزة، والتي لا يحقّ لها أن تستقيل من وظائفها ومسؤوليّاتها في هذا المجال وتتركها للآخرين، والحمد لله هناك بعض الحوزات التي بدأت تستشعر هذا الهمّ وتعمل على رفعه، وهذا ليس كما يخشى بعضهم انقضاضًا على الحوزة، ولكن هو إحياء لأصول الحوزة وسيرة العلماء السابقين كما يظهر بأدنى تأمّل في سيرهم.

□ هل يمكن تحديد أهم الميادين المطلوب إعادة النظر فيها؟.

◊ من العلوم التي يجب أن تبحثها العملية الإصلاحية، المتون والكتب الدراسية، وإدخال الدراسات التخصصية، الأنظمة التعليمية، إجراء عمليات تقييم دائمة لكل مفاصل الحوزة وحركتها ونشاطها. إضافة إلى كل ذلك لا بد لكل منهج أو عملية تعليمية من وجود مجموعة أهداف، ووسائل تحقّق هذه الأهداف، وهذا عمل بديهي ولا داعي لأن يخاف أحد من ذلك، خاصة وأن ما نطرحه على هذا الصعيد ليس دخيلاً أو مستوردًا.

□ بمناسبة الحديث عن الأهداف، ما هي الأهداف التي تسعى حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى تحقيقها؟

◊ تتمثّل رسالة الحوزة أو المعهد بالالتزام بالأسس والمبادئ التالية:

أ - فهم الإسلام (عقيدة وشريعة، ومنهاجًا شاملاً يغطي الحياة كلها) من خلال فهم الكتاب والسنّة بالاعتماد على الدراسات المنهجية المعمّقة المرتكزة على مبدأ الاجتهاد بمختلف أدواته.

ب - إيجاد مناخ علمي وتربوي يجمع بين أصالة الفكر الإسلامي والاستفادة الجيدة من نتائج وخبرات العلوم الأخرى، وتشجيع وتنمية روح البحث والتفكير والإبداع العلمي.

ج - بناء الشخصية الإسلامية المتّزنة القادرة على التصدي للتحديات الفكرية المعاصرة، وتكريس القيم الأخلاقية فيها، بالتأكيد على الضوابط الخلقية لاستعمال المعرفة وتداولها.http://www.al-najaf.org/resalah/4/images4/4.jpg

□ والأهداف التربوية؟

◊ يمكن إيجاز الأهداف التربوية - التعليمية للمعهد بما يلي:

أ - تربية وبناء الطالب القادر على إنتاج المعرفة المبنية على الاجتهاد في أحد فروع العلوم الإسلامية وتأهيله كي يرتقي أعلى المدارج العلمية حتى الاجتهاد.

ب - تربية وتأهيل الطالب ليصبح مدرسًا كفوءًا في مجال تعليم المعارف والعلوم الإسلامية والحوزوية في المعاهد الدينية والمدارس العصرية.

ج - تربية وتأهيل الطالب كي يصبح مبلّغًا ناجحًا، يستطيع النهوض بالعمل التربوي - التبليغي في الساحات المختلفة بغية خدمة البشرية.

د - تربية وتأهيل الطالب كي يصبح باحثًا متخصّصًا وقادرًا على تلبية الاحتياجات العلمية والثقافية المعاصرة.http://www.al-najaf.org/resalah/4/images4/5.jpg

هـ - العمل على استقطاب النخب العلمية والثقافية من خلال إقامة برامج ونشاطات ثقافية وفكرية محدّدة المدّة.

□ وما هي أهم مشاريع المعهد المستقبلية ؟

◊ إن أهم مشروع نعمل عليه هو:

استكمال فتح التخصّصات في العلوم الإسلامية المختلفة، وبناء منظومة البرامج والمناهج الخاصة بالعلوم الإسلامية، وفق سياسة تربوية علمية.

حوار وانفتاح وتوأمة

حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)  تعدّ من الحوزات العلمية الكبيرة والأساسية في لبنان، من حيث عدد التلامذة والأساتذة، ومن حيث الإمكانات والقدرات، وتصدر مجلة فصلية فكرية متخصصة باسم "الحياة الطيبة" تعالج فيها مختلف موضوعات الفكر الإسلامي وما يواجهه من تحدّيات عصرية، وهذه المجلة مع شقيقتها "الكلم الطيب" التي يصدرها طلاب الحوزة وأساتذتها توفّران إطلالة فكرية مشرقة وواعدة على الآخرين في لبنان وسوريا.

والعلاقة مع الآخرين توليها إدارة الحوزة أهمية خاصة، إذ تحرص، كما يقول المسؤول عن العلاقات العامّة في الحوزة الأستاذ جواد عواضة، على إقامة أفضل العلاقات مع الحوزة العلمية في لبنان وسوريا، وعقد لقاءات دورية مع المعنيين فيها للتباحث في الشأن الحوزوي والعمل على الارتقاء به نحو الأفضل، كما تحرص على أفضل العلاقات الدائمة مع العلماء والشخصيات الفكرية والإسلامية، وعلى تنميتها في إطار التشاور المستمر معها حول الأهداف والوظائف الملقاة على عاتق الحوزات، وحول القضايا المفصلية الهامة والخاصة المطروحة على طاولة البحث والنقاش.

ويتابع الأستاذ عواضة فيقول:

تحرص الحوزة أيضًا على إقامة أطيب علاقات الحوار والتواصل مع المؤسسات الدينية على الساحة اللبنانية الإسلامية والمسيحية كدار الفتوى وكلية الدعوة ودار الحكمة ومعهد مار بولس للاهوت، ويتم التباحث في قضايا الحوار الإسلامي - المسيحي، وتقريب الرؤى الدينية العامّة بعضها من بعض في النظر إلى ما يجري في العالم من أحداث وتطورات وأزمات.

وفي السياق نفسه يضيف الأستاذ عواضة:

تسعى الحوزة إلى التوأمة مع معاهد ومؤسسات دينية خارجية لفتح أبواب الحوار العلمي والمنهجي ولإغناء الرؤى والأفكار ولإيجاد قواسم مشتركة تُترجم باتفاقات تعاونٍ وتبادلٍ للخبرات العلمية والثقافية.

145 طالبًا، والتعليم أربعة أقسام

انطلقت حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)  في ممارسة العمل التعليمي من شقة متواضعة في منطقة الغبيري وبعد ازدياد عدد الطلاب الوافدين من مختلف المناطق اللبنانية، وبعض الدول الآسيوية والإفريقية، انتقلت إلى مركزها الحالي في مبنى خاص في منطقة حارة حريك، وهو يتألف من خمسة طوابق، يشتمل الأول منها على مكتبة عامّة ومكتبة الصوتية وقاعات للمطالعة، والثاني خاص بالإدارة، والثالث مخصص للصفوف الدراسية، والرابع والخامس مخصّصان للقسم الداخلي بالإضافة إلى مصلّى وقاعة نشاطات ونادٍ رياضي.

ويبلغ عدد طلاب الحوزة اليوم 145 طالبًا، ومدّة الدراسة تمتد إلى ثمان سنوات وفق الأقسام التعليمية التالية:

1 - مرحلة عامة تستغرق أربع سنوات دراسية (المقدمات والسطوح الأولى)، يتأهل الطالب فيها للدخول إلى تخصّصات العلوم والمعارف الإسلامية المختلفة.

2 - مرحلة الدراسات التخصّصية:

ويتخصّص الطالب في هذه المرحلة في مجال الفقه والأصول، وتشمل ستة فصول دراسية تتضمن ستين وحدة دراسية، من بينها أربع وحدات لتحضير الرسالة، ليتأهل الطالب بعدها للدخول إلى مرحلة الدراسات المعمّقة في الفقه الإسلامي المعروفة بمرحلة الخارج.

3 - اختصاص التفسير والعلوم القرآنية:

يمثّل اختصاص الدراسات القرآنية هدفًا مهمّا بالنسبة إلى المعهد لكونه مرتبطًا بالمصدر الأول، والأساس للشريعة الإسلامية.

وهذا الاختصاص يعني المراحل التعليمية العليا التي يتمّ فيها دراسة التفسير والعلوم القرآنية دراسة منهجية متخصّصة. يتخصّص الطالب فيها بمقدار 32 وحدة دراسية بما فيها أربع وحدات دراسية لإعداد الرسالة.

4 - اختصاص الفلسفة والكلام الإسلامي:

وهذا الاختصاص يعني المراحل التعليمية العليا في هذا الحقل، حيث يتمّ فيه دراسة الفلسفة والكلام الإسلامي دراسةً منهجية، نقدية، برهانية.

ويشتمل على 38 وحدة دراسية توزّعت على ستة فصول لمدة ثلاث سنوات دراسية بما فيها أربع وحدات دراسية لتحضير الرسالة، ويتأهل الطالب من خلالها للدخول إلى دراسة معمّقة للفلسفة والكلام.

حفظ العقيدة... والتطوير والتجديد

لا يُسمح بالانتساب إلى حوزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلا للطلبة الذين حازوا على شهادة البكالوريا (القسم الثاني)، حرصًا من الإدارة على الارتقاء بالمستوى الدراسي في الحوزات العلمية.

خدمة الدين

"رسالة النجف" التقت الطالب علي زين العابدين حرب (24 سنة) وهو حائز على شهادة الليسانس في الفلسفة من كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، ويتابع دراسته فيها لنيل إجازة الدبلوم، أما في الحوزة فهو في المرحلة السادسة (سطوح ثاني)، وقد تحدّث عن سبب دراسته الحوزوية فقال:

اخترت طرق باب الحوزة لأحقق طموحًا لديّ زرعه فيّ الإمام الخميني، وهو خدمة الإسلام وتبليغ أحكامه، خاصة في هذا العصر الحافل بالتحديات التي تواجه الإسلام، ولا بد من وجود علماء الدين لحفظ العقيدة، ولاستكمال المسيرة التي خطّها الإمام الخميني على خطى أجداده من الأئمة الأطهار.

وعن المقارنة بين دارسته الجامعية ودراسته الحوزوية قال الطالب حرب:

قبل الانتساب إلى الحوزة كنت أسمع أن الجامعة تقدم المنهج بينما الحوزة تقدم المضمون العلمي العميق، وقد وجدت أن الحوزة تقدم العلم والمنهج في آن معًا، لأن المنهج المعتمد هو منهج تعليمي متطور، يعتمد المتون والروح العلمية التي سار عليها علماؤنا من السلف الصالح ويحاكي روح العصر الراهن.

التجديد والتطوير

أما الطالب غسان الأسعد (25 سنة) وهو أيضًا حائز على دبلوم في الفلسفة، فتحدث عن المنهج المعتمد في الحوزة فاعتبر أنه منهج تحديثي يحاول إيصال العلم بدون الالتزام بالمنهج السائد مع الحفاظ على الثوابت العامة، وقال:

هناك من يتخوف من التطوير والتحديث في المنهج الحوزوي، ولا مبرر لذلك لأن طبيعة العصر تحتمّ علينا التجديد والتطوير، وهو أمر ليس بجديد إذ سبق لعلماء كبار من علمائنا أن خطوا خطوات تجديدة هامة، أمثال السيد محمد باقر الصدر والشيخ المظفر والسيد محمد حسين الطباطبائي، الذي درّس الفلسفة في وقت كان لا يُسمح بتدريسها في الحوزة.

 

المصدر : معهد الرسول الأکرم(صلی الله علیه و آله) لبنان

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.