ذكرى البعثة النبوية الشریفة فرصة للعودة الى القیم الاسلامية العظیمة

ونعمة بعث نبينا الاكرم محمد (ص) رسولا للعالمين ونبيا لهذه الأمة على وجه خاص، اذ لا يستغني الإنسان عن الهدي الإلهي في طريقه وسعيه نحو التكامل والسعادة، حيث يحتاج إلى هداية الله وتوجيهه سبحانه وتعالى، كي يسير في طريق الكمال ويحقق السعادة لنفسه .

ومع إن الله عز وجل منح الإنسان نعمة العقل، حتى یستطیع عن طریقه تحقیق الكمال والوصول للسعادة، إلا إن عقل الإنسان یبقى محدودا ضمن محیط مدركاته وما یمتلك من المعرفة والعلم. ویبقى شغف الإنسان قائما للتعرف على مبدئه ومصیره، كما انه في توق إلى معرفة سبب مجیئه إلى هذه الحیاة، ومن أوجده وإلى أین مسیره وما مصیره. وهذه التساؤلات تقلق الإنسان وتلح على عقله ونفسه ویحتاج إلى إجابة مطمئنة صحیحة. وربما لجأ بني البشر في أحیان كثیرة للأساطیر والأوهام للحصول على تفسیرات لجوانب من حیاتهم.. إلا انها عادة ما تشوّش علیهم فكرهم وأذهانهم فتحول دون وصولهم إلى الحقیقة. والإنسان لیس جسما فقط بل هو روح تحتاج الى منهج وبرنامج یملأ البعد المعنوي والروحي في حیاته، فكیف له أن یضع هذا البرنامج؟ .

إلى جانب ذلك فإن الإنسان في حیاته المادیة والمعنویة یحتاج إلى نظام وقانون یضبط علاقته مع أبناء جنسه ومحیطه، فكیف یصل إلى هذا النظام الاجتماعي، والقانون الذي ینظم حیاته؟

لاشك بأن التجارب الإنسانیة قد توصل بني البشر إلى بعض الحقائق، لكن اقتصار الإنسان على التجربة الحسیة فقط قد یكلفه وقتا طویلا وجهدا كبیرا. لأجل كل ذلك فهو بحاجة إلى الهدی الإلهي. إن الله تعالى الذي خلق الإنسان بهذا الخلق المتمیز «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقویم، جعل من كمال لطفه ورحمته بهذا الإنسان أن یوفر له الهدی الذي یحتاجه في هذه الحیاة فكان ذلك عن طریق الأنبیاء والرسل. فالأنبیاء یحملون إلى الإنسان الهدی الإلهي . إن الله تعالى یختار من عباده من بني البشر من یبعثه برسالته حتى یدل الإنسان إلى طریق الكمال والسعادة، وقد كان لهؤلاء الأنبیاء الذین بعثهم الله الدور الكبیر في هدایة الإنسان، ولعل هذه المكاسب التي ترونها في حیاة البشریة لیست بعیدة عن دور وهدی الأنبیاء. فقد أحیا الأنبیاء برسالتهم وهدیهم في الإنسان الجانب الروحي القیمي، وهدوا البشریة إلى الكثیر من الحقائق التي أمكن للبشریة أن تستوعبها منهم. ونهضة الأمة ضرورة من أجل كمال الإنسان وسعادته، ولهذا بعث الله هذا العدد الكبیر من الرسل الذی بلغ 124 ألف نبي كما تشیر بعض الروایات. كل هذا العدد الضخم من الأنبیاء إنما جاء لهدایة الإنسان وإسعاده، وقد شاء الله أن یختم النبوة بمن هو الأفضل والأكفأ والأقرب إلیه وهو نبینا محمد، لكي تكون رسالته وشریعته هي خاتمة الرسالات والشرائع، بالنظر لاستیعابها لغة الزمن وتقدم البشریة وتطورها، وهذا ما أثبته الواقع، فمع كل هذا التطور والتقدم الإنساني، نحن نرى بأن رسالة الإسلام ظلت غضة ومواكبة لحضارة الإنسان في كل زمان متى ما فهمت على النحو الصحیح.

وحقیقة الأمر، ان هناك من قدم أفهاما علیلة وسقیمة ملؤها الجمود والانحراف والتشویه لرسالة الإسلام، أظهرت الإسلام على النقیض تماما، بل متصادم إلى حد بعید مع التطور في واقع البشریة. ولكن هناك في مقابل ذلك من تجاوز ذلك، وفهم الإسلام على حقیقته ولذلك لا یجد هؤلاء أي تصادم أو تناقض بین الشریعة والتقدم الحضاري للبشریة، بل وجدوا في تعالیم هذا الدین استباقا للكثیر من التطورات والحاجات التي تلح على الإنسان في حیاته كلما تقدم به الزمن. ولعل أحد أسرار بعثة النبي الأكرم في مجتمع كان یعیش أدنى درجات الانحطاط، أن تظهر عظمة هذه الرسالة وتمیز هذا الرسول. فلو جاء النبي في مجتمع له تاریخ من الحضارة والتقدم لسهل القول بأنه انطلق من تجربة مجتمعه واستفاد من تاریخ محیطه، ولكن أن یأتي هذا الرسول مجتمع یعیش أدنى درجات الجهل والانحطاط، ثم یعرض على البشریة هذه الرسالة العظیمة الرائعة في مختلف المجالات، حینها لا یبقى لأي عاقل مجال للشك في أن هذه الرسالة لیست إنتاجا بشریا، ولا تعبیرا عن مستوى ذاتي، لأن المحیط الاجتماعي الذي عاش فیه النبي لا یسمح بأي حال من الأحوال لشخص یعیش تلك الظروف أن یقدم مثل الرسالة وهذه الشریعة.

كل ذلك یدل على صدق رسالته ونبوته، ولذلك یمن الله تعالى على المؤمنین: «لقد من الله على المؤمنین إذ بعث فیهم رسولًا من أنفسهم،، فلم یأتهم شخص یعیش تقدما وتطورا أكثر من الوضع الذي كانوا یعیشون فیه، وإنما من نفس ذلك المجتمع. لقد بعث هذا الرسول العظیم في مجتمع یعتقد بالخرافة ویعبد الأصنام ویسجد للأوثان.

لقد جاء النبي الأكرم وسط مجتمع كانت حیاته حیاة احتراب وعصبیة وجهل وتخلف في مختلف المجالات وبحسب وصف الآیة الكریمة «وَكنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ، لقد كان مجتمعا معرضا للانتهاء والإبادة ومهددا بالعیش خارج التاریخ والحیاة، فخلق منه هذا النبي العظیم مجتمعا جدیدا وأمة متقدمة استطاعت أن تقود العالم خلال فترة قیاسیة من الزمن. إن في ذلك دلالة كبیرة على عظمة هذا الدین وهذا الرسول .

إن ذكرى المبعث النبوی الشریف فرصة لتجدید الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظیمة، ولا سبیل لأمتنا إلا العودة إلى الهدی الإلهي إذا أرادت أن تلحق بركب الحضارة البشریة الیوم، فالأمة الإسلامیة وخاصة في المحیط العربي أصبحت تعیش وضعا شبیها بأوضاع العرب في الجاهلیة، فالأمة تكاد تكون خارج سیاق التطور البشري في مختلف المجالات والأبعاد، ولكن مهما كانت قسوة التخلف التي نعیشها، لا ینبغي أن یصیبنا ذلك بالیأس والإحباط مادام عندنا هذا الهدی الإلهي وهذه الرسالة العظیمة. إن العودة لهذه القیم العظیمة السامیة كفیلة بأن تتجاوز بنا التخلف والانحطاط. وهناك في الأفق بدأت تلوح بشائر الأمل وهذا ما یبشر بعودة الأمة الى سالف مجدها واعتزازها بدینها القویم.

المصدر: الوفاق

اکتب تعليق جديد

Image CAPTCHA
Enter the characters shown in the image.